متابعة: تركي بن إبراهيم الماضي - علي بن سعد القحطاني
عقدت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالاشتراك مع جريدة ال«جزيرة» ندوة علمية وثقافية وذلك مساء يوم السبت غرة شعبان 1424ه بقاعة الأنشطة الثقافية بالمكتبة، لتقويم تجربة اللقاء الثقافي السعودي- الروسي، الذي أقامته المكتبة في مدينتي موسكو وسان بطرسبورج خلال الفترة من 6- 13 رجب 1424ه الموافق 3-10 سبتمبر2003م- تزامنًا مع الزيارة التاريخية لصاحب السموالملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس الحرس الوطني ، والرئيس الأعلى لمجلس إدارتها لجمهورية روسيا الاتحادية. وقد حضر الندوة التقويمية عددٌ من المثقفين والمختصين والمهتمين بالعلاقات الدولية
أدار الندوة الدكتور سعد بن عبدالرحمن البازعي، الأكاديمي والناقد الأدبي المعروف، وأحد أعضاء الوفد الثقافي السعودي في روسيا، وشارك فيها معالي الدكتور عبدالله بن صالح العبيد، عضو مجلس الشورى، والدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري،عضو الهيئة العليا للسياحة، والدكتور صالح بن محمد الخثلان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، وهم جميعًا أعضاء الوفد السعودي الثقافي، الذي مثّل المكتبة في فعاليات هذا اللقاء الثقافي.
في البداية رحب مدير الندوة بالمشاركين وضيوف الندوة التي تقام برعاية مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وجريدة الجزيرة، والتي تتناول العلاقات الثقافية السعودية- الروسية،بعد الزيارة الكريمة التي قام بها صاحب السموالملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني، والرئيس الأعلى لمجلس إدارة مكتبة الملك عبدالعزيزالعامة..التي قام أيضًا فيها وفد من المملكة بزيارة بعض المؤسسات الثقافية واطلع على الكثير من المنشآت والفعاليات التي تزخر بها جمهورية روسيا الاتحادية، ليس في موسكو وحدها، ولكن في مدينة أخرى، وهي المدينة الثقافية لروسيا، وهي سان بطرسبورج..
ثم قدّم مدير الندوة.. المشاركين فيها متمنيًا تقديم صورة صادقة ودقيقة، إن لم تكن شاملة لكثرة التفاصيل التي يمكن الحديث عنها..لكي يطّلع الأخوة المهتمون بهذا الجانب على ما أنجزته تلك الرحلة. يشارك في هذه الندوة، مشيرًا أن كلاً من المشاركين في هذه الندوة يمثّل جانبًا أساسيًا ومهمًا في حياتنا الثقافية بشكل عام حيث يختلط الجانب الأكاديمي بالجانب المؤسسي، بالجانب الإسلامي.. ويمكن القول: إن جميع الجوانب العامة موجودة هنا..وستسعى هذه الندوة إلى تغطية مانستطيع أن نغطيه من هذه الرحلة.
الجوانب الإسلامية
في البداية تحدث معالي الدكتور عبدالله العبيد عن انطباعاته عن اللقاء، الثقافي السعودي- الروسي ، مشيرًا إلى أن الوفد السعودي كان قد مثّل بالعديد من التخصصات: في الجوانب السياسية، والجوانب التاريخية والآثار، في الجوانب الاجتماعية، في جوانب الأدب واللغة، والاهتمام بالجوانب الإسلامية، والعلاقات الدولية.. وقال: إن باشتراك الأخوة في هذه الندوات مجتمعين ، كانت الفرصة متاحة للتعبير والتعقيب وللمداخلة في كل هذه الندوات، حيث تعرّف الأخوة أعضاء الوفد الثقافي على العديد من خصائص الشعب الروسي، والظروف التي تمر بها روسيا الاتحادية، وأثروا معرفتهم بمستجدات الأحداث هناك، كما تبادلوا المعلومات مع من شارك من الروس في هذه الندوات..من الفئات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية..التي تركزت علي جوانب الاهتمام المشترك بين المملكة العربية السعودية، وبين جمهورية روسيا الاتحادية، فكان معظم القضايا يتناولها أكثر من طرف من الجهتين.. سوف تقتصر مداخلتي على مالمسته من الجوانب الإسلامية .
وقال معاليه: كان حديثي في الندوات الثلاث التي شاركت فيها بصفة مباشرة عن التحديات التي تواجه العالم، وقضية الإرهاب، وهي قاسم مشترك بين هذه التحديات، فما يواجه هذه المجتمع من قضايا، هو ما يواجه المجتمع البشري بأسره، فالحديث عن قضية واحدة في البداية، وهي قضية وجود دولة إسرائيل في قلب العالم العربي، هذه من إفرازات الحرب العالمية وبالتالي رغبة المجتمع الغربي للتخلص من اليهود في ذلك الوقت، وزرع مسمار في قلب العالم العربي والإسلامي، فكانت هذه الدولة التي كانت أول ما نشأت.. أيضًا قلبت موازين كثيرة في المنطقة، ونتج عنها الكثير من المؤسسات، منها نشأة جامعة الدول العربية، أو الدعم لها وقيام تكتلات عربية مثل دول الصمود، وأخرى إسلامية، مثل: منظمة المؤتمر الإسلامي، على أثر حريق المسجد الأقصى، وتبع ذلك أيضًا، علاقات دولية تمثّلت في موقف الدول العربية والإسلامية من الدول الداعمة لإسرائيل، وما تبع ذلك أيضًا من تعرض المنطقة للحروب ، من مثل: حرب العاشر من رمضان 1393هـ/ السادس من أكتوبر 1973م، التي أعادت النظر في موازين القوى بين العالم العربي والإسلامي وبين الدول التي كانت تدعم عدوان إسرائيل.
وأوضح العبيد أن هذه الإشكالية التي حدثت في العالم العربي، أثّرت بطريقة أو بأخرى على علاقات العالم بعضها مع البعض الآخر، ونتج عن ذلك الكثير من الصراعات التي نعتقد بأنه يتركز الآن في قضية حرب الإرهاب، هذا العدو الذي ليس له مسمى أو تعريف، وُدعم من الدول الكبرى على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، وبدأ يُحارب دون أن يُتلّمس دون محاولة تعريف له! و لكنها أصبحت مثل القضايا الأخرى، يوصم بها من يجرؤ على الوقوف في وجه الولايات المتحدة الأميركية، ويُتسامح فيه مع من يحقق للولايات المتحدة أهدافها ويقدّم لها متطلباتها، وليس أدل على ذلك من دولة إسرائيل التي هي دولة إرهاب في السياسة وفي الممتلكات العسكرية التي حصلت عليها من الولايات المتحدة، ومع ذلك تعتبر الولايات المتحدة شارون رجل سلام!
عندما توجه العالم إلى السلام في منطقة الشرق الأوسط، كان الإرهابي مناحم بيجن، الذي كان مطلوبًا للعدالة في بريطانيا، كان يمُنح جائزة نوبل للسلام! أما الآن، فأولئك الذين يسعون إلى السلام، يوصمون بأنهم إرهابيون ، والولايات المتحدة التي فتحت أبواب التبرع قبل أحداث سبتمبر- لحماس ودعمتها وكانت المبالغ المالية، والمعدات الطبية ترسل إلى حماس تحت نظر الهيئات الأميركية المختصة(F.B.I)، و(C.I.A) ووزارة الخارجية، لم يعد ذلك إرهابًا، ولكن حينما توجهت الحرب على الإرهاب، صُنفت حماس على أنها منظمة إرهابية! ومن يريدون أن يقحموه في قضية حماس، صنفوه فيمن يساعد حماس، حتى لو نفى أو نفت حماس ذلك عنه!
فإيجاد هذه الدولة، في هذا القلب قادت العالم فيما يعانيه العالم الآن من صراع ، الذي وجدناه في الحالة القائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، فتدخلاتها في العراق، وهو جزء من الحرب على الإرهاب كما تزعم، أحدث شرخًا في العلاقات الأميركية - الأوروبية، حاولت الولايات المتحدة أن تلتف عليه بالتعاون بشق عصا الوحدة الأوروبية وذلك بالاستعانة ببعض الدول الأوروبية، على الجانب الآخر، حاولت الدول الأوروبية أن تلتف على روسيا وتستعين بها في مواجهة الولايات المتحدة، وكما نعرف أنه قد تم تعاون وتوثيق صلات بين كل من روسيا وفرنسا وألمانيا ضد مصالح الولايات المتحدة الأميركية.. من هذه الحرب التي تقيمها في العراق، ونسمع الآن في كامب ديفيد محاولة من الولايات المتحدة لشق عصا الائتلاف أيضًا..
إذن الولايات المتحدة تقوم بحرب لاهوداة فيها - ليس فقط مع العرب والمسلمين بل مع دول العالم كلها، من أجل فرض سيطرتها على العالم بزعم محاربة الإرهاب! وبالتالي فإن الإرهاب هو ما تمارسه بالفعل الولايات المتحدة وما تمارسه إسرائيل..، وهذا ماجعل المحادثات واللقاءات التي تمت بين الوفدين: السعودي والروسي، تسير بمنتهى الشفافية والصراحة وتوافق وجهات النظر، لأن روسيا تعاني من السيطرة الإمبريالية، مايعانيه العرب والمسلمون في الوقت الحاضر، وإقامة علاقات متوازنة بين الدول مطلبٌ مهمٌ في هذا العصر.
وحول موقف المسيحيين الروس من الإسلام، اختتم معاليه مداخلته في هذه الندوة بقوله: إن المسيحيين، وهم أرثوذكسيون، في الغالب في تلك المناطق، يقولون: إن الإسلام يُحارب بدون ذنب، وإنما يحارب باسم أناس ينتسبون إليه، ويقولون بصراحة: إن الحرب التي تدور رحاها في الشيشان، هي حرب تدور بين قوى وليست فقط حربًا تدور بين مسلمين، وروسيا، ولكن هي حرب تتدخل فيها قوى كبرى، تدعم وتسند من قبل أناس غير مسلمين، سواء بأفرادهم أو بسلاحهم أو بأموالهم وهذا يعترف به الروس، كما يعترفون بأن الكثير مما يلصق بالشيشان، هو أمر خارج السيطرة الشيشانية وإنما هي من الأمور التي ُتعمل وتُنسب إلى الشيشان من أجل تشويه صورة المسلمين.
تعقيب مدير الندوة
شكر مدير الندوة الدكتور البازعي معالي الدكتور العبيد على مداخلته القيمة، مشيرًا إلى أنها التي تذكّرنا بجانب مهم في رحلة الوفد إلى روسيا، حيث إنها تغلغلت إلى جانب من أهم الجوانب الثقافية الروسية، وهو الجانب الديني، ومعروف أن روسيا أرثوذكسية، وهذا الجانب في غاية الأهمية لأنه يأتي في سياق السعي إلى البحث عن آفاق للتعاون الثقافي المختلف عن التعاون مع الغرب، فنحن نحاول استكشاف خصوصية الثقافة الروسية واختلافها، ونحاول الاستفادة من هذه الاختلافات ليس على المستويات الثقافية فحسب، ومنها أيضًا على الجانب الديني، لأنه معروف أن الكنيسة الأرثوذكسية مختلفة تمامًا عن الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية، وما يتشعب منها. وكانت زيارات معالي الدكتور عبدالله في هذا الخصوص مع المسؤولين عن هذا الجانب في روسيا موفقة، والنتيجة كانت مزيدًا من التفاهم ، وفتحًا للحوار الذي نعده في غالب الأحيان أنه مكسب مهم.
الجوانب الثقافية
ثم أعطيت الكلمة إلى الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، فتحدث عن انطباعاته الأولية عن اللقاء مشيرًا إلى أن معظم أعضاء الوفد قد يكون ذهابه إلى روسيا لأول مرة، وهذا في حد ذاته جعلهم يذهبون إليها وفي أذهانهم أفكارٌ خاصة عن روسيا من حيث الشعب ، من حيث الثقافة والأدب، من حيث الروائيين الكبار و الأدباء العظام الذين كنا نسمع عنهم، من حيث عظمة الملكية عندما كانت الدولة العظمى في ذلك الوقت، كل ذلك كان في أذهانهم ، وقال: كنّا نتصور حسب ما ينقل لنا الإعلام- نجد شوارع روسيا ملأي بالشحاذين في كل مكان، والعصابات، وما إلى ذلك..، فالحقيقة الإعلام ينقل صورة بعكس الحقيقة وعكس الواقع ، الذي وجدناه في روسيا، وجدنا أناساً هادئين جدًا، ولم يسألنا أحد النقود ولم نجد شحاذين كما كان يقال!
وجدنا الشعب الروسي شعبًا مرحبًا، ولكن المشكلة كانت في اللغة، لأنك من الصعب أن تتعايش بدون مترجم أو معرفة لغة ..، وجدنا ترحابًا من كل جهة ذهبنا إليها.. لاحظت نوعًا من الكآبة على وجوه الروس، وجلسنا مع بعض الناس، وشعرت بأن الشيوعية مازالت موجودة حتى الآن ومسيطرة في أذهانهم ولم تمت ولاسيما الأدباء والمفكرين، الذين تمنوا عودة الشيوعية، لأنها حينما كانت الدولة شيوعية، كانت الدولة تدعم كتبهم التي كانوا يبيعونها بالآلاف، أمّا الآن، فلا أحد ينفق عليها أو يدعمها أو حتى يشتريها، وهذا جانب مهم جدًا للثقافة التي كانت موجهة والثقافة الحرة في الوقت الحاضر التي أصبحت تريد أو لاتريد أو تحب أولا تحب..! فعندما كانت الدولة تنفق على توجه أيديولوجي معين، يصبح ذلك من الأشياء التي تحتاج إلى توزيع الأعمال. والانطباع الذي أخذته أيضًا، أن الغرب والدولة (المفتّحة) بعد انتهاء الحقبة السوفيتية، أخذت معظم العلماء الروس في مجال التقنية وفي مجال التطبيقات العملية في التقنية المختلفة وتركت أصحاب الأدب والشعر والثقافة دون أي اهتمام!
وقال الأنصاري: أعتقد أننا يمكن الاستفادة من هؤلاء فائدة كبيرة جدًا، إذا أردنا أن نربط علاقة وثيقة جدًا بيننا وبين روسيا الاتحادية، لأن بعضهم يتحدث اللغة العربية في بعض الأحيان أفضل من بعض العرب أنفسهم! فمدير كرسي الأمير نايف للدراسات الإسلامية، ألقى خطابًا، من أفضل مايكون من حيث البلاغة، والبيان، والإعراب، كأنما هو سحبان وائل يتكلم!..وغيره الكثير من الأدباء والمفكرين الذين يتكلمون العربية بطلاقة ، وترجموا العديد من الروائع العربية إلى الأدب الروسي، ووجدنا كثيرين منهم أيضًا ترجموا من الروسية إلى العربية، ووجدنا أن الناس ذوي الخمسينيات من عمرهم، يتذكرون شارع سليمان باشا بالقاهرة، بعض المكتبات الشهيرة التي كانت تبيع كثيرًا من الأدب الروسي، حينما كانت في عنفوانها.
والحقيقة في روسيا ليس الجانب الأيديولوجي فقط، وإنما الجانب الحضاري، الذي يفوق التصور، فلم نكن نتصور أن روسيا من الدول التي ارتقت إلى هذا الحد، ولكن لاغرابة في ذلك، فهي أول من صعد الفضاء! فالإنسان لايمكن أن يرتقي إلى الفضاء قبل أن يرتقي على الأرض..؛وهذا مايدل على أن روسيا بلغت شأوًا كبيرًا جدًا في جميع المجالات.
ومن الأشياء التي لفتت نظره عندما ذهب إلى مجلس الدوما، قال الأنصاري: كان معنا من يتحدثون ، أتصور أنهم كانوا شيوعيين أكثر منهم أناساً نفضوا عن أنفسهم رداء الشيوعية، وكانوا يهاجمون الوضع في مجلس الدوما، وكيف أنه ليس بالقوة التي تمكّنه من فرض سياسات على المجتمع ، ولكن الدولة هي التي تفرض ذلك! وبالطبع إنهم ليس لديهم أية فكرة عن مجلس الشورى السعودي، والوضع المؤسساتي الموجود في المملكة، حاولنا قدر المستطاع أن نوضح هذه الصورة، بدءًا من التنظيمات التي أرساها خادم الحرمين الشريفين في مجلس الشورى، ودوره، قدّمناه، ولكن لم يكن لديهم الاستيعاب الكافي لوضع الجزيرة العربية والنمط السكاني الذي يجب أن تبنى عليه هذه الدولة.
مما لاحظناه أيضًا سيطرة اليهود على الإعلام، وهو أمر يعاني منه الروس أيضًا! واليهود يسيطرون أيضًا على البترول في روسيا، والشركات البترولية في روسيا، هي شركات يهودية والشيء الوحيد الذي لايملكه اليهود، هو الأنابيب التي يمر فيها البترول، سواء من بحر قزوين أو القوقاز..، وهذا القطاع تملكه الدولة، واليهود يسعون سعيًا حثيثًا لأن يتملكوا هذا القطاع المهم، لكي يسيطروا سيطرة تامة على صناعة البترول في روسيا.
ومما لاحظناه أيضًا أن ثقافتهم عن الجزيرة العربية جيدة وخاصة في مراكز البحث العلمي.. بالرغم من أن حركة الرحالة الروس ليست بالكثرة التي يمكن مقارنتها بالرحالة الذين جاءوا من أوروبا إلى الجزيرة العربية، ولكن معلوماتهم عن الجزيرة العربية معلومات وافرة، حيث استفادوا من بعض الفترات التي سيطر عليها الحكم الاشتراكي في عدن، الذين فتحوا الباب أمامهم في جنوب الجزيرة العربية، ماجعلهم يعيشون أكثر من ربع قرن، ليجمعوا المعلومات ويرصدوا أحوال الجزيرة العربية آنذاك. أيضًا عندهم الكثير من الصحف ووسائل الإعلام التي تنقل أخبار المملكة العربية السعودية إلى المكتبات ومراكز المعلومات الروسية، ولذلك حينما زرنا متحف الأرميتاج- وهو من أكبر المتاحف في سان بطرسبورج- وجدنا رئيس المتحف، يتكلم العربية بطلاقة (ظل مديرًا له لمدة عشرين عامًا ومازال)، وورث هذا المنصب عن أبيه الذي أدار المتحف لمدة أربعة عقود.. وهذا التوارث قد خدم المعرفة العلمية، وعندما يعيّن شخص في مكانه يكون جديرًا بهذا التعيين، ولذلك مدير المتحف عبارة عن علامة كبيرة جدًا عن الشرق الأدنى بشكل عام، والشرق الأوسط بشكل خاص، لأنه قد أمضى حوالي عشرين عامًا في منطقة عدن وجنوب الجزيرة العربية ينقبون عن الآثار، ويتعلمون اللهجات ، ويجمعون أخبارنا من هنا وهناك وينقلونها إلى الاتحاد السوفيتي آنذاك، فروسيا الاتحادية لديها معلومات كافية عن المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية ، ولذلك كانت ردود فعل زيارة سمو ولي العهد إلى روسيا، كانت طيبة، وكانت منتشرة في كل مكان ننتقل إليه ونواجهه، وأجريت كثير من المناقشات ، خاصة بما يتصل بالعلاقات السعودية الروسية، وكنا واضحين في إبداء وجهات نظرنا، ولم نتقمص التقية وكذلك كانوا هم واضحين معنا، نقلوا إلينا ماكانوا يودون قوله، ونقلنا إليهم وجهة نظرنا.
لذلك نجد علينا واجباً كبيراً جدًا تجاه روسيا، فهم لايعرفون شيئًا عن أدبنا الحديث، ولايعرفون شيئًا عن شعرنا .. عن رواياتنا .. عن قصصنا في الوقت الحاضر، وكل من يتقن العربية من الروس، لايعرفون شيئًا عن حركتنا الثقافية المعاصرة، أدبًا، وفكرًا وثقافة وصحافة ورجالاً، هم يعرفون مصر بشكل جيد، ويعرفون بلاد الشام والعراق بشكل جيد، ولكنهم لايعرفون شيئًا عنّا في الوقت الحاضر، وهذا في واقع الأمر تقصير منّا ، فنحن لاننقل تراثنا أو أدبنا إلى الخارج، ولذلك كنت أتمنى على وزارة الثقافة والإعلام بدلاً من أن تنشيء قناة رابعة لنا، توجّه قناة رابعة لروسيا باللغة الروسية، وما أكثر الروس الذين يستعدون للعمل في هذا الخصوص..، وأنا أتمنى من وزارة الثقافة والإعلام إصدار جريدة شهرية، مقاس الملاحق الصحافية باللغة الروسية عن المملكة العربية السعودية وتوزع في روسيا حتى لو بالمجان، فمن شأن ذلك أن يعطي وزنًا كبيرًا جدًا للثقافة العربية وللمملكة العربية السعودية.. فلماذا لاتكون هناك مؤسسة من المؤسسات العلمية تقوم بترجمة جزء من الأدب السعودي إلى اللغة الروسية؟ لنستفيد فائدة كبيرة جدًا.. ومجال العمل في روسيا واسع جدًا ونستطيع أن نكسب أرضية كبيرة جدًا في هذا الاتجاه.. نحن لا ننتبه إلا عندما تصيبنا مشكلة، فلماذا لانعمل الآن لروسيا؟ وللأسف دائمًا توجهاتنا للغرب، ولانتجه إلى الشرق!
أيضًا في مجال السياحة ، نجد أن روسيا من أجمل المناطق من الناحية السياحية، خاصة مدينة سان بطرسبورج من أجمل المدن في العالم، حيث تطل على بحر البلطيق، وتقع على مجموعة من الأنهار، مدينة نظيفة، مليئة بالحدائق، والمتنزهات والمتاحف، وأسعارها معقولة أيضًا، فلماذا لانتجه لروسيا والصين القوة العظمى المتنامية مستقبلاً، وننشئ علاقة جيدة ومتميزة مع الصين ولو بذلنا فيها شيئاً من الدراهم والثقافة لتوطيد العلاقة ، سوف نجني ثمار ذلك بعد ربع قرن أنهم سيقفون في جانبنا؟ نحن بذلنا شيئًا مع الغرب ولكننا لم نستفد، لأن بيننا وبينهم تاريخاً دموياً! وأنا أتذكر في هذه المناسبة، عندما تخرجت من بريطانيا ذهبت بزيارة أنا وأسرتي وقد دعاني أستاذ في القسم إلى بيته بالغداء، وبعد ذلك سألته في السيارة: لماذا موقفكم العدائي من العرب والمسلمين رغم العلاقات والبترول؟!، فأجاب: لاتنس أن بيننا وبينكم صلاح الدين! فأنت لو نزلت إلى أي سوق الآن، وقلت: صلاح الدين، ستجد كل الناس ملتفتين إليك! نحن بيننا وبينكم ثأر قديم، ولايمكن أن ننسى ذلك!
نحن أقصى شيء وصلنا إلى المشرق، هي بلاد الهند، أما مايقال عن أسطورة الصين، وجبنا التراب، وقلنا حط التراب، وكأنك دخلت الصين، الله أعلم بصدق هذه الرواية، ولكن الصين والبلاد الشرقية الإسلام دخلها بالسلم، وبالتجار، فلماذا لانتجه للمشرق بدلا من الانكفاء والركض وراء الغرب، سيما أن المستقبل سيكون للصين ، سيكون لروسيا التي ستعود لها قوتها؟ مايجعلنا نكسب المستقبل بإذن الله، وأرجو من الشباب أن يتحمّس لهذه الفكرة ويذهب لهذه المناطق بروح طيبة.. وعلى هؤلاء الشباب نعقد آمالاً كبيرة في تحقيق المخطوطات العربية والإسلامية التي لم تمس بعد في أرفف مكتبات روسيا..وأعتقد أنه بالإمكان التواصل مع حجاج روسيا خلال موسم الحج.
العلاقات السياسية والدولية
وحول أهمية العلاقات الثقافية في توطيد العلاقات الدولية، كانت مداخلة الدكتور صالح بن محمد الخثلان، معقبًا على حالة الكآبة التي أشار إليها الدكتور عبدالرحمن الأنصاري التي تعتلي وجوه المثقفين في روسيا، معتقدًا أن هذه ليست حالة لمثقفي روسيا، لاهتمامهم دائمًا بالشأن العام، لذلك قد تكون أعلى هناك.
وقد أكّد الخثلان على أهمية مشاركة الوفد الثقافي في إطار الزيارة الرسمية لسمو ولي العهد، وهي الأولى من نوعها ، حيث كانت الزيارات الرسمية تقتصر على المسؤولين الرسميين، وإن أضيف إليها بعض الفئات فيكونوا من رجال الأعمال، وهي ولله الحمد سابقة مهمة جدًا وكما علمنا حقيقة من الأخوة المشرفين على الزيارة، أن سمو ولي العهد كان حريصًا على أن تكون زيارة الوفد الثقافي متزامنة مع الزيارة الكريمة لموسكو، وهذا بلاشك إدراك لأهمية الثقافة في العلاقات الدولية، كما أشير إلى اللفتة الكريمة لسمو ولي العهد، الذي التقى الوفد بأعضاء الوفد الثقافي، واستمع إلى ملحوظاتنا، وهذا يدل على وعي كبير بالجانب الثقافي وأهمية الحوار والاتصال في علاقات المملكة الراهنة بدول العالم المختلفة.
وقال: إن الثقافة بشكل عام مهمة في العلاقات الخارجية، وهي كذلك مهمة بالنسبة لوضع روسيا، لتصحيح المفاهيم السلبية والانطباعات السلبية، وهناك الان حديث لنا جميعًا إلى (المسار الثالث) بجانب مسار العلاقات الدبلوماسية، ومسار المنظمات غير الحكومية، وهو مسار( المثقفين والأكاديميين والناشطين في الشأن الثقافي) الذين لهم دور في الجانب الدبلوماسي.وهو مسار غير جديد، وتزداد أهميته مع انفتاح الشعوب على بعضها البعض، والعمل الدبلوماسي بات يعتمد بجانب كبير على القطاع الشعبي جنبًا إلى جنب مع القطاع الرسمي. لكن المشاركة الثقافية تزداد أهميتها بما يتعلق بالزيارة وما يتعلق بالعلاقة مع روسيا على وجه التحديد، يمكن النظر إليه من زاويتين:
- بسبب الانقطاع الذي دام بيننا وبين روسيا واستمر لمدة نصف قرن، وهو ما أشار إليه باستفاضة الدكتور عبدالرحمن الأنصاري، حيث إن هناك نقصاً معرفياً كبيراً بينا وبين روسيا، فلذلك مهم جدًا هذا الاتصال والحوار.
- ما حدث في التسعينيات، وخصوصًا ماحدث في الشيشان، الحاصل أن هناك صورة مشوهة عن المملكة وعن الإسلام بشكل عام، وهناك شكوى من هذه الصور المشوهة فمن ثم لابد من الاتصال والحوار وتصحيح ماهو مشوه في العلاقات.
وقال الخثلان: قد لاحظت خلال التقائي بالجانب الشعبي الروسي المتمثّل في المثقفين والمفكرين ، والجانب الرسمي المتمثّل في فعاليات كثيرة، لاحظت اهتماماً روسياً كبيراً وحرصاً كبيراً على الحضور والمشاركة وطرح القضايا التي تهم الطرفين.. ووجدنا التعاطف والحرص على العلاقات يأتي من نخب معينة وهو التيار القومي والتيار اليساري، كأنهم يرون ذلك أن الالتقاء بين المملكة العربية بشكل خاص، والعرب بشكل عام بسبب عدائهم للغرب وشكاواهم منه وتحامله علينا وماتتعرض له روسيا من وقت لآخر من حملات لعزلها.. في مواجهة تيار متنفذ في روسيا الآن يميل إلى عزل روسيا.. فهنا لابد أن نعي أن هناك أسبابًا خاصة لهذه الفئات، ودفعتهم لهذا الحماس الشديد، وقد لمسنا صدقًا بسبب البعد التاريخي وإدراكهم بأهمية الإسلام، فالإسلام سبق المسيحية في روسيا، والإسلام عنصر أساسي حتى في الثقافة الروسية..
أريد أن أركّز على الجانب السياسي، فالمشاركة الثقافية كانت مهمة، والزيارة برمتها كان هناك تشويه لها حتى في الإعلام العربي للأسف الشديد، السائد والمطروح أن المملكة انفتحت على روسيا بعد التوتر الحاصل في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية ، وأن المسألة نوع من التوازنات! وهذا غير صحيح، مع أن التوازانات الدولية شيء معروف، وعادي وطبيعي، ولكن الزيارة لم تكن تصب في هذا الاتجاه.
وهذا للأسف تشويه بسبب عدم الدقة في قراءة العلاقات السعودية - الروسية، التي شهدت نقلة مهمة خلال الثلاثة أعوام الأخيرة قبل أحداث سبتمبر، وتمثّل ذلك في كثافة الاتصالات وزيارات الوزراء من الجانبين، ومشاركة الوفود الاقتصادية مع الاهتمام الإعلامي من الطرفين..وهذه الطفرة التي بدأت من نهاية عامي 1999- 2000م مع استقرار الوضع ووضوح الصورة في موسكو، ورغبتها في استعادة مكانتها كان لابد أن تصل إلى حد معين وتتوج بحدث رسمي كبير جدًا، لذلك كانت الزيارة التاريخية، وأنا على علم بتفاصيل مهمة تشي أنه كان مخططاً لزيارات على هذا المستوى قبل أحداث سبتمبر.. فالكلام الذي نسمعه الآن تشويه، وهنا يأتي الجانب الثقافي والإعلامي لتصحيحها..
فهناك حرص من الطرفين: المملكة مهمة لروسيا من عدة نواح: العالم الإسلامي مهم لروسيا، فنسبة المسلمين هناك أكثر من (20) مليون مسلم، وتتجاوز هذه العلاقة برباطها بمسلمي آسيا الوسطى والقوقاز، والإسلام وروسيا ، تدفع باتجاه تمتين العلاقات بين المملكة وروسيا بحكم ريادة المملكة ودورها المحمود على الأصعدة الإسلامية والدولية.
أيضًا، المملكة وروسيا، تعدان من أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، فهاتان القوتان ، كان لابد أن يتم بينهما نوع من التنسيق، وهذا ما ظهر في العلاقات الأخيرة بالتأكيد على الجانب النفطي، حيث تبودلت الزيارات بين وزيري البترول في البلدين، ثم توجت الجهود بتوقيع اتفاقية بهذا الجانب، وطبيعي أن تتعزز العلاقات بين بلدين مهمين فيما يخص النفط والطاقة.
كذلك قضايا الشرق الأوسط، وهي قضايا لاتكاد تنتهي، والمملكة من الدول القيادية في المنطقة خصوصًا في الشأن الصراع العربي- الإسرائيلي أو في العراق أو ترتيبات الأمن في الخليج العربي، وكذلك روسيا لها أهمية كبرى باعتبارها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن ولها دور (حقيقة) فاعل في قضايا الشرق الأوسط. إذن هناك أسباب حقيقية وموضوعية دفعت بالاهتمام في هذا الاتجاه..
تعقيبات مهمة
وقد شارك مدير الندوة الدكتور سعد البازعي بمداخلة، وقام بالتعليق على مداخلات المشاركين في الندوة، وبدأها بتعقيبه حول مشاركة الدكتور عبدالرحمن الأنصاري، الذي أشار فيها إلى مسألة ضعف المعرفة الروسية للجزيرة العربية المعاصرة، وقال: إن الاستعراب الروسي، يعرف الجزيرة العربية تاريخًا، فهناك مستعربون روس كبار في هذا الخصوص، ولكن المملكة في الوقت الحالي غائبة، ليس فقط عن الروس ولكن أيضًا عن بعض العرب! فمنتجنا الثقافي المعاصر ليس معروفًا بالشكل الكامل، وهذه كانت ملحوظة أولية. ولكني أشير في هذا السياق، فبعض الأخوة أعضاء الوفد الثقافي، كانت في معيتهم بعض المطبوعات، بالإضافة إلى ماوزعته مكتبة الملك عبدالعزيز العامة من شأن ذلك أن يسهم في تعريف بعض الأساتذة الذين التقينا بهم من مؤرخين ومستعربين وأدباء ونقاد، أن يتعرّفوا على واقعنا الثقافي أو جزء منهم على الأقل، وأهم مكسب فيما أعتقد هو التعاون والصلات التي ستقوم - وربما على مستوى شخصي - لأنها تدعم استمرارية هذه العلاقة مثلما ذكر اليوم في ندوتنا هذه هناك آراء يعبّر عنها في كيفية دعم منطقة في غاية الأهمية، وهي روسيا.
في اليوم التالي لوصولنا، اجتمعنا مع وزير الثقافة الروسي، وقد أخبرنا في ذلك اليوم، أنهم كانوا سيفتتحون اتصالاً فضائيًا مع أبعد نقطة في روسيا بالنسبة لموسكو، للاتصال بالهاتف مع المسؤولين هناك، ودعانا للمشاركة في هذا اللقاء ، وفعلاً شاركنا لحظة الاتصال عن طريق الحاسوب والأقمار الاصطناعية.. «أبعد مسافة من الشرق والغرب بالنسبة لموسكو، لاتقل عن 12 ساعة بالطائرة»، فدولة بهذه الضخامة والأهمية فضلاً عن الجوانب الثقافية والتاريخية تستحق منّا أكثر من زيارة وأكثر من تواصل من هذه الناحية.
وحول البعد الثقافي، الذي أشار إليه الدكتور عبدالرحمن، قال البازعي: حينما شعرنا هناك أننا لسنا بعيدين عن ثقافتنا خاصة الجانب الشرقي، الواقع تعرّفنا على مايمكن تسميته ب(روسيا المسلمة) إلى حد كبير، المساجد الموجودة والمسلمون أيضًا، وأحد المساجد الذي شيّد لتخليد المسلمين الذين استشهدوا في الحرب العالمية الثانية دفاعًا عن روسيا مثلاً، هذا يشعرنا أيضًا أننا لسنا في فرنسا أو بريطانيا، وإنما في منطقة قريبة حضاريًا منّا، لكن في الوقت نفسه لم نستطع أن نتجاهل تأثيرات العولمة الاقتصادية، فروسيا أيضًا تعاني من هذا ، إلى جانب المطاعم الشرقية هناك ماكدونالدز والفنادق الغربية، وبالتالي يضع روسيا في منطقة تشبهنا أيضًا، فالعالم النامي أوالثالث أو في طور النمو، تجعلنا وروسيا في صف واحد إلى حد كبير.
المداخلات
وبعد انتهاء المشاركين من الحديث حول انطباعاتهم اللقاء الثقافي السعودي- الروسي، أثرى الحضور الندوة بمداخلاتهم وآرائهم في هذا الخصوص، وجاءت على النحو التالي:
د. سعود المصيبيح
كنت أود حضورموضوع مثل هذه الندوات التي تقوّم العلاقات السعودية- الروسية، وإلى الآن ماصار عندي قناعة للتواصل مع الروس، نحن في المملكة حقيقة كان في سياستنا الخارجية وحتى على مستوى مؤسساتنا الثقافية ، كان هناك اتصال ودعم مستمر للكثير من دول العالم، وخاصة العربية وفي أزمة الخليج بانت الوجوه، وأظهرت أن لدينا طيبة متناهية.
أخشى ما أخشاه، وخصوصًا لدى الروس أنفسهم أن تكون مثل هذه اللقاءات متبادلة المنافع، ليس فقط وفد سعودي يذهب، يتجشم عناء السفر والمحاضرات، وإذا جاؤوا هم الآخرون، فلابد من استضافتهم..وهم إذا لم يشعروا أن لديهم قناعة تامة بالمصالح المشتركة بيننا، وأنه لسنا نحن فقط الذين نتقدم إليهم لنتحاور معهم ونقنعهم أننا ناس جيدون وطيبون لإقامة علاقة معهم!
الدكتور عبدالرحمن أشار إلى مسألة مهمة جدًا، وهي موضوع الكآبة، فليس خاف على أحد أن لدى روسيا تدنيًا في المعيشة..عندهم فقر، انتشار خمور، تجارة الجنس، وما أدري حقيقة عن التقنية الموجودة في روسيا؟ وقوتها العسكرية..؟ وفي رأيي الشخصي أن نتجه إلى بعض الدول القوية التي لها قوة وتأثير في العالم، ومشكلتنا الآن أننا لم نستطع الوصول إلى الشعب الأميركي الذي يؤثّر في القرار الأميركي، ولهذا أرجو ألا يكون فشلنا في الوصول إلى أميركا هو البحث عن حضارات وثقافات أخرى...
فيما يتعلق بالفضائيات والبرامج الفضائية، فعلاً، هذا يمكن أن يطرح عن طريق وزارة الخارجية السعودية بالتنسيق مع نظيرتها الروسية، في إمكانية بث برنامج تلفزيوني أسبوعي...، وفي رأيي البرامج الحوارية تؤثّر، ولكن اللقاءت الثقافية غالبًا مايحضرها أعداد قليلة تدعى بالنخبة، ونحن لانريد الوصول إلى النخبة بقدر حاجتنا إلى الشعب عامة..وماذا عن اللقاء مع أعضاء الدوما؟
الدكتور عبدالرحمن الأنصاري
في تصوري، والدكتور سعود عاصر هذه المشكلة ، حينما دخلت القوات العسكرية العراقية الكويت، ماالذي جعل المثقفين يتعاطفون مع الكويت؟ أنا أسأل هذا السؤال؟ المطبوعات التي كانت تصدر من الكويت: مجلة العربي، الكتب، والمطبوعات التي كانت تنتشر منها في العالم العربي. وأنا من الناس الذي تعاطفوا مع الكويت من منظور الثقافة التي كنا سنحرم منها، إذن الثقافة عامل مهم، نحن لم ننتبه إلى هذه الناحية قط! نحن لم نصدر ثقافة مع أننا أغنياء!
فأنا أعتقد أن الثقافة عامل جذب وعامل قوة بين الدول والشعوب.. وليس شرطًا أن تقام اللقاءات والفعاليات، ولكن يمكن التواصل عن طريق الكتب والترجمة والنشر والتوزيع.. ودعوتهم في مؤتمرات حقيقية: الطب، والهندسة، والثقافة.. وإذا كنّا قد أخفقنا في ذلك مع الغرب، فيجب أن نبني من الآن مع الشرق لما يأتي مستقبلاً.. فلماذا مثلاً لانفكر في الأدب، وهو وسيلة من وسائل التواصل بين الشعوب؟ وأعتقد أن الثقافة هي التي خسرناها.. ثم إن في روسيا فوق ال(200) مليون نسمة..
الدكتور صالح بن محمد الخثلان
يجب أن نبتعد عن التفسير القائل أن علاقاتنا مع روسيا بنيت على أنقاض توتر العلاقات مع دول أخرى، هذا مفهوم ليس صحيحًا، لأن روسيا مهمة لذاتها، وعلاقاتنا بروسيا مهمة لذاتها، ولنبعد عن الجانب السياسي، فالقطاع الخاص، مهتم بها ويرى في روسيا سوقًا كبيرة جدًا لصادراته.. وهناك جوانب أخرى، فهي مهمة بالنسبة لنا، وأنت ترى أن المملكة في الفترة الأخيرة والمملكة تحرص على تنويع علاقاتها مع أوروبا وأميركا، والصين واليابان، وإفريقيا الجنوبية وأميركا اللاتينية، والمسألة أكبر من قضية توازنات بقدر ماهي قضية مهمة بالنسبة لنا..
وفيما يتعلق بالإسلام، الرؤية الروسية للإسلام تختلف عن الرؤية الغربية التي ترى في الإسلام عدوًا، بينما في روسيا يدركون أهمية الإسلام في تشكيل الوعي الروسي. ومن هنا تبرز أهمية ذلك في الحرب الإعلامية والثقافية، مايتطلب استثمار الموقف الروسي.
وفيما يتعلق بمجلس الدوما، التقيت برئيس اللجنة الثقافية ورئيس لجنة المنظمات الدينية..واستدراكاً لموضوع الشيشان، ذكر معالي الدكتور عبدالله، أن هناك فئات كثيرة ترى أن الموضوع برمته افتراء على المملكة، حيث تشوه بعض الدوائر المتنفذة إعلاميًا صورة المملكة العربية السعودية، وهذه الفئات سمعنا منها في اتحاد الكتاب، وأكاديمية العلوم، والموضوع مفتعل تمامًا للإساءة للمملكة..
الدكتور عبدالله العبيد
وزير الثقافة، هو المسؤول أيضًا عن التعليم، ولهذا تم الالتقاء به وكان من بين توصيات الوفد ما اقترحه وزيرالثقافة الروسي من قيام وزير الثقافة والإعلام السعودي بزيارة إلى موسكو، من أجل تنمية العلاقات الثقافية بين البلدين وفتح صفحة جديدة في العلاقات.
وماتزال روسيا تتحكّم فيها بعض العناصر الشيوعية القديمة، لأن الكتب التي كانت بمعيتنا لم تفسح إلا في اليوم الخامس لوصولنا هناك! وهذا يدل على أن ترسبات الماضي مازالت موجودة، ولاتستطيع أن تدخل إلى روسيا الاتحادية بورقة ثقافية إلا إذا أظهرتها كما تظهر النقود التي بحوزتك! لأن الاتحاد السوفيتي السابق، كان حربه في العالم حربًا وتوجيهًا ثقافيًا.. وبالتالي ليس من السهل أن تفتح معهم هذه الصفحة بكل بساطة، ولكننا وجدناهم مرحبين، وفتحوا أمام الوفد الجامعات والمتاحف والمعاهد لاستقبال الوفد وشاركوا بالبحوث، ولكن تظل الجمارك كما هي فيما يتعلق بالأمر الثقافي!
وهناك عدد من القوى التي تتحكم في روسيا، منها قوة الرئيس الحالي بوتين الذي يحاول الإصلاح، وأيضًا الحزب الشيوعي المنحل، الذي انقسم نصفين بين جائع غير راض يرجو عودة الشيوعية من جديد وبين من أثرى من خلال هذا المال.
الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري
لما زرنا كرسي الأمير نايف في موسكو، ووجدنا عددًا كبيرًا جدًا من الطلاب، حيث تخرج منه حوالي خمسة آلاف طالب، (70%) منهم غير مسلمين، جاؤوا يدرسون اللغة العربية والثقافة الإسلامية، وهذا يعني أن هؤلاء يشكلون أرضية صلبة لنشر الثقافة العربية والإسلامية هناك..
حمدان الشمراني
مداخلتي بسيطة وتساؤلات سريعة، وأؤكد على ماذكره الأساتذة، فيما يتعلق على صعيد العلاقات مع روسيا، تبرز قضيتان: قضية الشيشان والتعاطف الإسلامي لما يتعرض له المسلمون الشيشان، حيث لم يتطرق الأساتذة إلى قضية الشيشان وأبعادها.. حيث يبرز الجانب الشعبي والرسمي وإشكاليتهما الشائكة!
الجانب الآخر، ماذا عن عدم وضوح الرؤية عن روسيا .. وتداعيات الأحداث منذ سقوطها منذ أكثر من عشر سنوات؟ وما رؤية الوفد الثقافي للمستقبل وتسهيل البعثات الدراسية إليهم؟ وماذا عن المنتجات الروسية في الأسواق؟ ومدى منافسة الشركات الروسية نظيراتها الغربية في جانب الاستثمار؟
الدكتور صالح الخثلان
حالة التعاطف السعودي تجاه
قضية الشيشان، ليست حالة خاصة، ولم نتهرب منها، ولكن يشارك السعوديين فيها المسلمون في جميع أنحاء العالم، باعتبارها قضية إسلامية وإنسانية، ولكن نحن بحاجة إلى هذا التمييز، لأن الموقف الرسمي له حساباته، ولكن هذا لايعني ماذكرت، ولكن تتقاطع المواقف الرسمية مع الشعبية في كثير من المواقف على مستوى كثير من الدول العربية والإسلامية.
بالنسبة للبعثات، طرحت مثل هذه القضايا التعليمية، وهناك بداية لنوع من الابتعاث، ولكن نظرًا للحالة الاقتصادية السائدة هناك. فنحن بحاجة إلى تقويم الوضع الجامعي والأكاديمي قبل الابتعاث، لأن الوضع الاقتصادي لو انعكس على هذه الدراسة الأكاديمية، فأنا أخشي أن يدفع هذا للتساؤل: عن بحث الطلاب الأجانب عن العملة الصعبة، وهذا حقيقة مشكلة بالنسبة لنا، لأننا نتكلم عن جامعات لها مكانتها.
وبالنسبة للواردات من السلع الاستهلاكية، مازالت محدودة جدًا وكلها تنحصر في الحديد الخام والشعير، ومشكلة الواردات السعودية أنها قليلة جدًا وغير قادرة على المنافسة. وموضوع السلاح له جانب مختلف، أرى عدم التطرق له.
الدكتور عبدالرحمن الأنصاري
بالنسبة لقضية الابتعاث في الجامعات الروسية الاتحادية، لابد من تصنيف الجامعات ودراستها من البداية، ووضع العشر الأوائل من الجامعات وهكذا، لأنه حقيقة من بين الذين زارونا كان مدير جامعة وسألته كم عدد الطلاب الملتحقين بالجامعة؟ فأجاب: مائة وأربعون طالبًا! ويبدو أن كلمة جامعة ، مثل معهد، ولذلك ينبغي أن نكون حريصين في مسألة ابتعاث الطلاب إلى روسيا دون التنسيق في هذا الخصوص مع وزارة التعليم العالي، لمعرفة مستويات هذه الجامعات.
بالنسبة للاستثمار ، فالروس حريصون جدًا على الاستثمار السعودي في روسيا، وأن تتدفق الأموال السعودية في روسيا وخاصة في مجالات:تطوير الطيران، وفي مجالات الأقمار الاصطناعية، وفي مجال تحلية المياه..
سؤال:
مادور الوفد الثقافي السعودي في إيضاح الصورة الحقيقية للدولة السعودية في خضم هذه الأحداث ورد تهم الإرهاب التي تلوكها الأجهزة الإعلامية الغربية؟
الدكتورعبدالله العبيد
قضية الإرهاب، كانت من بين القضايا التي تناولها الوفد في العديد من هذه اللقاءات والندوات ، خصوصًا من قبل الأدباء والمفكرين والمثقفين ومن مؤسسة العدل المطلق التي أنشئت مؤخرًا في روسيا، والتساؤلات التي تطرح هي عن الوهابية وغير ذلك من تساؤلات حول اتهام الخمسة عشرة الذين يشتبه في أنهم نفذوا تفجيرات سبتمبر في واشنطن ونيويورك، وبالتالي تم شرح مثل هذه الظروف، وأن هذا الفكر ليس نتاج المجتمع السعودي أو التعليم السعودي، أو من خلال تربية الآباء لأبنائهم.. وقد فنّد الوفد اتهام الوهابية بالإرهاب، باعتبار أن ذلك جزء من حملة غربية، من شأنها الطعن في المملكة العربية السعودية وقدراتها وقوتها الأساسية وهي الدين..بعدما عرفوا عدم جدوى استعمال أية قوة أخرى خارجية خلافًا لقوة الدين التي تستند عليها المملكة وبالتالي زعزعة الاستقرار في المملكة وإعادة النظر في وحدتها التي تجمع المقدسات الإسلامية.
أعتقد أن الوفد أوضح بصورة جلية حقيقة ماتتهم به المملكة من ناحية الوهابية، وأولئك الذين يتسمون بالوهابية، ولكن ما لمسناه أنهم يريدون أن يسمعوا منّا الكثير، لننقل إليهم مشاعرنا في هذا الخصوص.. ولهذا قالوا: ليس من المهم الدفاع عن الوهابية وتسميتها وأنكم لستم بهذا المسمى أو المصطلح ولكن الإشكالية فيمن ينتمي إلى المملكة العربية السعودية ويحمل أفكارًا خارجة عن الإسلام. والكلام الذي يقال: إننا لسنا الدولة الوحيدة التي يتعرض أبناؤها لتهم ليست حقيقية وبالتالي فهذا جزء من التهم التي توجّه للمملكة العربية السعودية، وقد لمسنا تفهمًا من الأرثوذكس،
|