تدور في الأوساط الصحافية، عشرات المعلومات، حول من قبض، ومن لم يقبض، من النظام البائد في العراق، ولم يشعشع من هذه الأسماء سوى اسم جمال الغيطاني، وهو صديق عزيز باعدت بيننا الظروف، لكن ما أعرفه عن جمال، الذي دخلت بيته، وأكلت على مائدته، وحضرت مجلسه، أنه مثقف لا يعرف، لسوء حظه غير الكتابة، ومن عشقه لهذه الكتابة قام في إحدى المرات لعلها في بداية السبعينيات بنسخ كتاب من (800) صفحة، لعدم قدرته على شرائه، وفي عام الفاقة هذا تعرفت على جمال.. وعلى حد علمي، إن الخط الفكري، أو العقائدي لجمال، يختلف عن خط صدام حسين وعصابته، التي أخذت من «البعث» اليافتة وتركت المضمون، وفي سبيل هذه اليافتة قاطعت كل من عاداها، من القوميين والاشتراكيين والشيوعيين، أما الإسلاميين ومن تكون جذورهم من التابعية الإيرانية، فحدث ولا حرج، فقد رمي أغلبهم على الحدود، مع ان بعضهم ليس له أهل أو بيت في ايران!
مائدة صدام العامرة، جلس عليها العشرات من المثقفين، أو الذين يضعون على جباهم وألسنتهم صوره وذكر الثقافة، أما الالتزام الأخلاقي، فإنه بالنسبة لهم كان يأتي في ذيل القائمة، لقد كنت أرى وأتابع بألم تلك المطولات، التي كتبها فؤاد مطر، وأمير اسكندر، وأبوظهر، وعشرات غيرهم في حب صدام حسين، وهناك مئات بل آلاف المعلقات التي كتبت عن «ابن الحسين!» ورفعت رتبته دون حياء إلى رتبة آل البيت، هذه العترة الصالحة، التي طلب من أحد احفادها، وهو المفكر البارز محمد باقر الصدر، أن يختار الطريقة التي سوف يقتله بها، وعندما قال له أنه يختار أن يموت ذبحاً كما مات الحسين، استكثر عليه هذا الطلب، فوجه له رصاصة من مسدسه، ثم أتى بأخته البتول، وفعل بها ما فعله بأخيها!
وهناك أفلام سينمائية كبيرة ذات طابع دعائي قدمتها مجموعة من كبار المخرجين، جهزت وأخرجت لتمجيد حروب وتصرفات صدام وكان من بين هؤلاء الممجدين صلاح أبو سيف، أما القوافل التي ضمت رغدة وعادل أمام وسعيد صالح ومحمد صبحي وإبراهيم شكري، وكثير غيرهم من الفنانين ورجال الأعمال من الأردن وسوريا ولبنان، فإنها قوافل خمسة نجوم، حصدت الدولارات وسيارات المرسيدس، ورغم ذلك فإن كافة الدروع البشرية، التي تبناها ونفذها الأوروبيون والأمريكيون، خلت من أي فنان أو فنانة عربية، وأبرزهم رغدة، التي قيل إنها ترعى أطفالاً عراقيين كانوا يعانون من أمراض الجوع، وفقدان حليب الأطفال، رغدة حين حمى الوطيس، كانت هناك تنعم بهواء التكييف، وقد صمتت الآن عن ذكر صدام، وربما لن تستخدم الجنسية، التي منحها إياها!
وأبقى مع «جمال الغيطاني»، الذي يملك الآن أن يدافع عن نفسه، بكافة الوسائل، فهو كاتب وصحافي معروف ورئيس تحرير صحيفة أدبية أسبوعية في القاهرة، أبقى معه لأقول، إن أبرز ما كان يربط جمال بالعراق، هو جو العراق الديني أو الصوفي وعتباته المقدسة وعروبته، وحبه للقائد العراقي «عدنان خير الله» الذي أرسله صدام حسين، إلى القبر في طائرة مفخخة، رغم أنه شقيق زوجته «ساجدة خير الله»، لقد كان جمال الغيطاني يرى عن حق، أن عدنان خير الله عسكري محترف، ومحبوب بين جنوده وأبناء بلده.. أما الخطيئة التي تحسب دائماً لجمال فهي تأليفه لكتاب «حراس البوابة الشرقية» وهو كتاب من الواضح، أنه أخذ معلوماته عندما كان مراسلاً حربياً لجريدة الأخبار.. إضافة إلى عمله مراسلاً لبعض الصحف العراقية التي تمجد البعث مثل صحيفة «الثورة».. هذه الأدوار التي لعبها الغيطاني في الصحافة العراقية من القاهرة، قام بها مئات الكتاب والصحافيين العرب، لكن رأي جمال في صدام وصولاته وجولاته، وبالذات دوره في الحربين اللتين قضتا على مقدرة العراق (الحرب العراقية الإيرانية) و(اجتياح الكويت) رأي جمال في هاتين الحربين كان الصمت.
إن تلفيق التهم مؤلم، خاصة في غياب الوثائق أو القرائن أوالتوافق بين الراشي والمرتشي.. فمن يؤلف زبيبة والملك لا يمكن أن يكون هو نفسه مؤلف الزيني بركات وحارة الزعفران وحكايات المؤسسة.. وسوف نمكث أمام النهر، لنرى ولو بعد حين، جثث من خانوا أمانة الحرف، وهم كثر.. للأسف!!
إنني أعرف العديد من الكتاب العراقيين والعرب، الذين مجدوا أفعال صدام حسين في ايران والكويت، وأعرف عشرات الكتاب العرب، ومن ضمنهم كتاب من بلادنا، وصل بهم حب صدام أن حرفوا حتى طريقة حديثهم، فأصبحوا يطعمون كلامهم بالفاظ عراقية، ولو وضعنا قائمة بهؤلاء الذين أصيبوا بفيروس صدام، ثم شفوا أو لم يشفوا منه، لوجدنا أمامنا سفراً، سوف نكتب عليه.. للعن فقط!
وليس من المعروف من قبض، ومن لم يقبض من هؤلاء، لكن من المؤكد أن هناك العديد ممن استفادوا، من سفريات وسيارات وفلل ومخصصات واستكتاب في الصحف والمجلات العراقية.. لقد اقتضت المرحلة ذلك، هكذا يقولون الآن، والمحظوظ من ابتعد بنفسه مبكراً، عن مستنقع صدام الكبير!!
فاكس: 4533173
|