منذ قرنين من الزمن، كان قد تم إحباط مشروع النهضة العربية، بمفهوميه العلمي والصناعي، الذي حاول النهوض مجدداً، على انقاض مشروعه الذي أنعش أوروبا في عصورها الدامسة، عبر جهود العرب في عصورهم الذهبية العباسية، وفي عصور دولتهم الأموية التي انبعثت مجدداً في الأندلس.
وكان مقدراً لهذا المشروع أن ينبعث من موقع عربي، هو الآن أكبر المواقع العربية سكاناً، وأكثرها حفظاً لإرث تاريخي يضرب في جذور الزمن، مما كان سيعطي لهذا المشروع العربي محفزات النمو والانطلاق. لكن الدول الأوربية المستعمرة أجهزت على مشروع محمد علي والي مصر، حيث قيدت مشروعه وحجمته داخل اقليمه، بفرضيات قرارات مؤتمر لندن عام 1840م، ثم جعلته بعد ذلك تحت الحماية الاستعمارية البريطانية على مدى أربعة وسبعين عاماً. ولم يتح له النهوض بعد ذلك، بفرضيات خارجية، وانتكاسات داخلية، وهذه المنطقة المترامية الأطراف، ذات الموقع المؤثر، والحاضنة لأهم ثروات العصر، وقبل ذلك حاضنة للديانات الأهم في عالم اليوم، وبها أهم الأماكن المقدسة لدى المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات السماوية الأخرى، هذا العالم المعروف الآن بالوطن العربي مصطلحاً، لا يقدم للعالم أي اسهام مؤثر في صناعاته أو مخترعاته. إنه اليوم من البيئات الاقتصادية المستهلكة، وليست المنتجة إلا في أبسط المنتجات، التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا تخلق مجالاً تنافسياً أوتعادلياً استراتيجياً في محيط الأسواق العالمية. حتى ثرواته الطبيعية، لم يعد متحكماً في بسط سيطرته وقراراته عليها، في ظل هذا الاستعمار العالمي، الذي بدأ مجدداً بأهم دوله المنتجة للبترول وأهمها في احتياطياته، ومن أهمها ارثاً تاريخياً، فأحكم السيطرة عليها في غزو لم يعط للأعراف الدولية أي اعتبار، فيما يشبه تلك «الغارات» التي كانت تقوم بها جماعات همجية لا تنظمها الأعراف، أو القوانين الضابطة التي استحدثها العالم المتمدن. بل ان هذا الغزو الذي قامت به الولايات المتحدة أقوى قوة دولية في العالم، سيجعل مسألة القوانين التي صدرت من المنظمات الدولية مجرد حبر على ورق، بل انه جعل من منظمته الأكبر، منظمة لا قيمة لها وسوف تسعى الولايات المتحدة إلى تهميشها شيئاً فشيئاً، وبعد أن تنتفي فعالية قراراتها، سوف تتلاشى هذه المنظمة. وها هي الولايات المتحدة تدعم قيام «منظمة التجارة العالمية» التي سوف يكون لها السطوة الأولى عليها، وبشهادة الممثل التجاري للولايات المتحدة في المنظمة، الذي نقله عن لسانه «ديفيد سانجر» أحد المحللين السياسيين في النيويورك تايمز، فإن الولايات المتحدة تتوجه بكل ثقلها وبكل حماسها نحو منظمة التجارة الدولية، «لتصدر قيمها الخاصة بالسوق الحرة عبر الاتفاقيات التجارية الدولية» وسوف تكون المنظمة أكثر الوسائل فعالية في المستقبل لتصدير «الهيام الأمريكي» برفع القيود عن التجارة الدولية، وتحرير الأسواق عامة، «وتصدير القيم الأمريكية للتنافس الحر، والقوانين العادلة، والالزام الحازم بها، لعالم «تراه أمريكا» ما يزال يتخبط في الظلام» «ينظر: نعوم تشومسكي، تصدير القيم الأمريكية عبر منظمة التجارة العالمية، ترجمة د. حمزة المزيني 2003».
والواقع أن ما تبشر به الولايات المتحدة الأمريكية، وفي صوت متعال الآن، كان قد بدئ به في مطلع الثمانينيات في عهد الرئيس «ريجان» وكالعادة المألوفة، آزرته بريطانيا في عصر «مارجريت تاتشر» وهو نفس الدور الذي يقوده باعلان «الحرب» الرئيس الحالي «جورج بوش الابن» وتابعه «توني بلير» الرئيس الحالي لوزراء بريطانيا، لكنهما هذه المرة يقودانه بالاكراه وبالحرب، وهما اللذان همشا دور منظمة الأمم المتحدة، وألقيا بازدرائهما الحاد في وجه أوروبا التي وصفاها «بأوروبا القديمة»، وما من شك أن الدوافع الأمريكية المعلنة والخفية، أصبحت معلومة حتى لأولئك الذين يؤيدون الدولة المستبدة، وينساقون بدافع القوة الجبرية نحو سياسة السوق، أو «ثورة السوق»، لا حول ولا قوة لهم، للوقوف في مواجهة هذا التيار الجارف، الذي تنساق كل القوى الأمريكية جمهورية وديموقراطية لا عتناقه، ومبدأ هذه القوى هو الوقوف في مواجهة المنافسين أيا كانوا، وفي أي سلعة تكون، حينما يشعرون أن خطر المنافسة، يهدد أسواقهم ومصالحهم التجارية، فتصبح سياسة السوق المفتوح لافتة دعائية لفتح الأسواق أمام منتجاتهم. وما واقعة «الطماطم» المكسيكي الا مثل جاهز لذلك، لقد كانت المكسيك تصدر للولايات المتحدة ما قيمته ثمانمائة مليون دولار سنوياً في محصول الطماطم المكسيكي، الذي يفضله المستهلك الأمريكي، لانه الأرخص. لقد ضغطت ادارة الرئيس الديموقراطي «كلينتون» على حكومة المكسيك «الضعيفة» لتوقيع اتفاقية تنهي بموجبها تصدير الطماطم «الرخيصة» للولايات المتحدة، مع ما في ذلك من انتهاك لاتفاقيات دولية، مثل اتفاقيات وكالة «النافتا» NAFTA واتفاقية منظمة التجارة العالمية. وهو نفس الاتجاه الذي سلكته مع الدول التي أبدت نجاحاً وحققت بذلك مجالاً تنافسياً أمام القمح الأمريكي، في الأسواق العالمية، ورأت أن انتاج القمح في تلك الدول يهدد زراعة القمح الأمريكي، فخلقت لذلك الكثير من الأسباب العلمية والذرائع الاقتصادية، التي انتهت بموت هذه الزراعة واندثارها، مع ما بذل في سبيلها من رؤوس اموال وطنية ومساعدات حكومية. في الوقت الذي تدفع فيه الحكومة الأمريكية المعونة لزراع القمح، لتستمر هذه الزراعة الاستراتيجية وتصبح أحد مصادرها الرئيسة والمتحكمة فيها. ولهذا فإن ارتفاع مصادر الغذاء، وأهمها الحبوب، التي حظيت بمناقشات في منظمة الأغذية الدولية التابعة للأمم المتحدة، جعلت الأمين العام للمنظمة يطالب الدول النامية، التي تتركز فيها كثافة سكانية «مستهلكة» بأن عليها أن تعتمد على نفسها في انتاج الغذاء، في الوقت الذي لفت فيه خبراء منظمة الأغذية، هذه الدول بأنه يجب عليها أن تعيد النظر في السياسات التي فرضها عليها اجماع واشنطن، الذي كان يشدد برفع الدعم عن المنتجات الزراعية ومنها زراعة الحبوب، في الوقت الذي تنعم فيه هذه المنتجات الأمريكية بالدعم عبر شبكة مالية تتنامى أرباحها من هذا الدعم. وتشير إحدى الدراسات الحديثة، إلى أن المزارعين الأمريكيين، يحظون بدعم سنوي، تتراوح تكلفته ما بين تسعة و 15 مليار دولار، وفي الوقت نفسه، تفرض الحكومة الأمريكية رسوماً جمركية عالية، على العديد من المنتجات الزراعية الخارجية لحماية الانتاج المحلي، تصل نسبتها إلى 132%، فيما تمارس ضغوطاً محمومة على الأوروبيين، لفتح أسواقهم الزراعية في نطاق دورة المفاوضات تحت مسمى تحرير التجارة الدولية. «لمزيد من الاضافات، ينظر: سجيني دولار ماتي، الاقتصاد الأمريكي الجميل والقبيح، الامبراطورية الأمريكية، ج 2 ، ص 287 - 316، مكتبة الشروق القاهرة 2001».
وفي أحدث إجراء اتخذته الجهات الحكومية الأمريكية، لحماية صادراتها من القمح، ذلك الاجراء الذي اتخذته للحيلولة، بين مصر واستيراد القمح من أسواق الدول الأوروبية الشرقية. وتعتبر مصر من أكبر الأسواق استيراداً للقمح الأمريكي، ويبلغ ما تستورده أكثر من 5 ،6 ملايين طن سنوياً قابلة للزيادة لتلبية حاجة الزيادة المتنامية في أعداد السكان، ولعدم زيادة ما تنتجه مصر من القمح محلياً، والمقدر بمليوني طن، وتقدر قيمة ما تستورده مصر من القمح بأكثر من مليار دولار سنوياً.
يقول التقرير الصحفي الذي نشر في مصر (6 أغسطس 2003» في هذا الشأن: تسببت الولايات المتحدة الأمريكية في اشعال أسعار القمح ومستخرجاته من الدقيق والخبز والمكرونة، قامت الولايات المتحدة باحباط خطة مصر في استيراد القمح الأكثر جودة والأقل سعراً من أسواق الدول الشرقية، بدلاً من السوق الأمريكية.
وقامت الولايات المتحدة بشراء حصص القمح الزائدة عن حاجة الاستهلاك المحلي في دول أوروبا الشرقية في بداية الموسم خلال الشهر الماضي، وحرمت المستورد المصري من الكميات التي تعاقد على استيرادها. وأدى ذلك إلى ارتفاع اسعار القمح في الأسبوع الماضي من 90 دولاراً إلى 170 دولاراً للطن وارتفع سعر القمح المستورد في السوق المحلية ب «مصر» من 600 جنيه إلى 1200 جنيه، وزادت اسعار الدقيق من 950 جنيهاً إلى 1500 جنيه للطن، وفي الوقت نفسه ارتفعت منتجات الصناعات التي تعتمد على القمح بنسبة 50% وفقد رغيف الخبز الأبيض نحو 35% من وزنه، بينما عادت طوابير المستهلكين أمام أفران العيش البلدي.
وجاء التضييق الأمريكي على توجه مصر للاستيراد من أسواق بديلة للسوق الأمريكية، عقب فشل اللقاء الذي نظمته سفارة الولايات المتحدة بالقاهرة، في اقناع مسؤولي المطاحن المصرية بالعودة لاستيراد القمح الأمريكي وفقاً للأسعار التي تفرضها الولايات المتحدة، كما رفض الجانب الأمريكي الطلب المصري بتثبيت سعر الدولار عند لحظة التعاقد على شراء القمح، وكان اللقاء قد شارك فيه اعضاء مجلس القمح الأمريكي والأعضاء المنتدبون لشركات المطاحن التابعة لقطاعي الأعمال العام والخاص منتصف الشهر الماضي.
(منصور عبد الغني، جريدة الأهالي)
وهذه الأحداث تعيد إلى الذهن، حادثة «أزمة الموز» أو «حرب الموز» كما وصفها بعض الاقتصاديين وهي حادثة قريبة الزمن، وقعت بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي الذي اتهمته الولايات المتحدة بأنه يمارس سياسة تجارية تحابي واردات أوروبا من الدول الأفريقية «الفرنكفونية» وبلدان الكاريبي، على حساب واردات الموز من مزارع أمريكا اللاتينية، وهي في الواقع مملوكة لشركات أمريكية كبرى، وقد هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات تصل إلى 520 مليون دولار على الواردات الأوروبية، بل ان هذه القضية، هددت مستقبل منظمة التجارة العالمية التي لا تزال في المهد، فقد أعلن الأمريكيون انها ستكون محل مساءلة واعادة نظر.
في هذا الصدد، يصف استاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة الدكتور محمود عبد الفضيل هذه السياسة الأمريكية، على النحو التالي:
«وهكذا نجد أنفسنا مرة أخرى بصدد «ازدواجية المعايير» تماماً كما نرى في مجال «السياسة الخارجية» للولايات المتحدة الأمريكية، حيث يجري «الكيل بمكيالين» ف «حرية التجارة» شعارمقدس طالما يتوافق مع المصالح التجارية للولايات المتحدة، ويتم لعن «الحمائية» التي تمارسها بعض البلدان النامية ليل نهار، ولكن تلك «الإجراءات الحمائية» ذاتها تصبح ضرورة وحلالا عليهم، عندما يريدون معالجة العجز في «الميزان التجاري» لديهم».
(الولايات المتحدة الأمريكية ومبدأ «حرية التجارة، الامبراطورية الأمريكية، ج1،ص129، القاهرة 2001).
وليس ببعيد عن ذلك، اللافتة العريضة التي تتبناها الولايات المتحدة، لإعلان نفسها كدولة رأسمالية رائدة، قائدة لمبدأ «ثورة السوق»، فمن هو هذا الذي يؤمن بأن الشركات الأمريكية الكبرى بمنأى عن هيمنة الحكومة الأمريكية، إنها يد قوية للحكومة التي تختفي وراءها. هي التي تخطط لها، وتوجه مسار سياساتها الإنتاجية وهي التي تفرض عليها توجهها للأسواق المختارة. إنها وجه الليبرالية الذي يخفي وراءه ذلك الوجه المخطط المهيمن إن الدعوة إلى تفكيك القطاع العام بشكل مطلق، سيعمق تلك الفوارق في الدخول بين أفراد المجتمع، ولذلك يجب أن تكون للدولة فيه اليد الطولى. ليحكم توازن متطلبات قطاعات المجتمع في الدولة، حيث هو أحد ثوابت الأمن الداخلي، وهذه حقيقة تعيها الإدارات الحكومية الأمريكية وتطبقها، فيما تتسامى دعواتها ضد سيطرة الدولة على قطاعات مهمة في هذا القطاع.
وفي تصريح حديث للرئيس الأمريكي «چورچ بوش الابن» (30/7/2003) وهو يستعرض ما يراه انتصاراً أمريكياً في أفغانستان والعراق، قال: إنه يجب على الكونجرس تكريس الجهد لدعم الاقتصاد الأمريكي، مما يفسر الحقيقة الماثلة الآن، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية، هي القطب العسكري الأوحد، بينما هي الآن تشعر أنها ليست هذا القطب في العالم على المستوى الاقتصادي، فهي تعلم أن حصتها من الناتج القومي الاجمالي العالمي قد تقلصت من 50% إلى 23% في الثمانينيات، مما يعطي مؤشراً إلى مزيد من التقلص خلال عقدي القرن الجديد، ولهذا يتم تفعيل النفوذ السياسي، لرعاية الشركات الأمريكية، واستغلال نظام حماية الملكية الفكرية وتعزيز حماية براءات الاختراع الأمريكية، لضمان المنافسة والهيمنة الأمريكية على الأسواق العالمية. فأي دعاو هذه التي ترفعها شعاراً ، في وجه هيمنة الحكومات على مجريات اقتصاد السوق الحر. إن جذور التدخل الحكومي الأمريكي في الاقتصاد، نشأت مع بروز الأحتكارات والاندماجات الضخمة فيما بين الشركات، ودفع الطاقات الانتاجية على هواها منذ وقت مبكر، في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن الماضي، ولهذا تظل الحكومة المركزية عاملاً مهماً في السيطرة والتوجيه في المسألة الاقتصادية، في هذا المنحى تشير الدراسة الشاملة التي أعدتها المحررة الاقتصادية في الأهرام إلى حقيقة التدخل الحكومي على مستويات الاقتصاد الأمريكي، فيما يبرز هذا التوجه الحكومي:
((رغم ما يروجه الأمريكيون الآن كثيراً حول فضائل الأيام السعيدة الماضية للأسواق الحرة، فالحقيقة أن الأمريكيين أيدوا منذ وقت طويل وجهات النظر الاقتصادية التي تغذي استخدام التدخل الحكومي على كل المستويات لتصحيح أوضاع السوق الفعلية والمحتملة التي تعتبر غير مقبولة، فالنظام الاقتصادي الأمريكي الذي نشأ على أنقاض الميركانتيلية الإنجليزية، التزم منذ البداية باستخدام قوة الدولة لتنظيم النشاط التجاري والمالي. واستمرت الدولة على المستوى الفيدرالي وعلى مستوى الولايات في ممارسة دورها في تحديد سلوك السوق واتجاهاته، حتى بعد تخلي «الميركانتيلية» عن مكانها لحرية النشاط الاقتصادي)) (سجيني دولارماتي، المصدر السابق، ص291، ح2).
وقد لخص «تشومسكي» في إحدى محاضراته دواعي «انتصار القيم الأمريكية» في منظمة التجارة العالمية على النحو التالي:
1) إيجاد وسيلة جديدة من أجل التدخل الأمريكي العميق في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
2) استيلاء الشركات التي توجد مراكزها الرئيسة في أمريكا على أكثر القطاعات أهمية في الاقتصاديات الأجنبية.
3) تحويل الأرباح إلى جيوب رجال الأعمال والأغنياء.
4) تحميل كلفة هذا التمويل على المواطنين العاديين.
5) إن هذاالانتصار سيكون سلاحاً قوياً متحملاً ضد الديموقراطية.
(تشومسكي، مصدر سابق، ترجمة د. حمزة المزيني).
ومع بداية تطبيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية WTO، والاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة GATT وحقوق الملكية الفكرية TRPS سوف تعاني كثيراً من الصناعات الأولية في البلاد النامية، مع تطبيق حماية براءة الاختراع، ومن ذلك على سبيل المثال صناعة الأدوية التي ستزيد أثمانها عما هي عليه وتشير إحدى الدراسات عن صناعة الأدوية الأردنية، إلى أن «الصناعة المحلية ستعاني فيما يتعلق بالاستثمار والإنتاج». وهذه هي الآثار التي تعرضها تلك الدراسة:
* سيتناقص إنتاج العقاقير، في حدود تلك المنتجة في الوقت الحالي باستخدام البراءة، هذا بالإضافة إلى الآثار السلبية، على المبيعات من المنتجات الأخرى، التي ينتجها نفس المصنع.
* ستتضاءل أو تنتهي فرص البحث العلمي والتطوير، في التوصل إلى أساليب جديدة لكي تصنع المستحضرات النهائية المبرأة، التي تستخدم في الوقت الحالي.
* سترتفع على نحو ملحوظ أثمان العقاقير بصفة عامة، بسبب الطبيعة الاحتكارية للعرض من قبل صاحب البراءة.
* ستزداد واردات الأدوية، لتحل محل الانخفاض في الإنتاج المحلي. بالإضافة إلى ذلك ستقل صادرات الأدوية المنتجة محلياً، ومن ثم تؤثر سلباً على الميزان التجاري الأردني.
* سيهبط مستوى العمالة بسبب الهبوط في إنتاج الأدوية، من قبل المنتجين الوطنيين».
(كارلوس م. كوريا، حقوق الملكية الفكرية، منظمة التجارة العالمية والدول النامية،اتفاق التربس وخيارات الساسة، ترجمة د. السيد عبدالخالق، ص54، دار المريخ للنشر، الرياض، 2002).
وهناك دول أخرى تدخل في نطاق الدول النامية كالأرجنتين، والبرازيل، والهند، والمكسيك، وكوريا،وتايوان، ليست بمنأى عن الأخطار الاقتصادية التي ستصيبها، في حالة تطبيق اتفاق براءة الاختراع في قطاع الأدوية، إذ يقدر أحد اقتصادي البنك الدولي، أن خسائر تلك الدول في الحد الأدنى يُقدر بحوالي 5 ،3 مليارات دولار، وربما يزيد كحد أقصى إلى 8 ،10 مليارات، في مقابل الأرباح التي سوف تحصدها الدول، صاحبة براءات الاختراع الأجنبية 1 ،2 مليار و4 ،14 ملياراً كحد أقصى. ولإن الدول الأكبر سكاناً، هي «الأكبر سوقاً» فقد حظيت بدراسات المتخصصين، لتتبع الآثار المترتبة على تطبيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، التي ستدخل حيز التطبيق العملي عام 2005. وتمضي إحدى الدراسات التي تعرضت للآثارالمترتبة على الهند في هذا الشأن على النحو التالي:
(يتوقع الاتحاد الهندي لمصنعي الأدوية حدوث كارثة صحية قومية نتيجة لإنفاذ اتفاق التربس في هذا البلد، حيث يستطيع 30% فقط من السكان أن يشتروا الأدوية الحديثة رغم حقيقة أن أثمان الأدوية في هند تعد واحدة من الأرخص في العالم. وتشير المقارنات بين أثمان الأدوية في الهند والدول التي توجد فيها براءات اختراع أن النسبة في بعض الحالات تصل إلى 1ـ41 مرة في تلك الدول (National Working Group on Patent Laws, 1993) «السابق، ص 51».
وتشير دراسة اختصاصي صندوق النقد الدولي المشار إليها، إلى ماليزيا التي تطبق حماية براءة الاختراع، وقد تراوحت زيادة أثمان الأدوية فيها ما بين 20% إلى 76% عما هو عليه في الهند. وهذا يعكس تعاظم الأرباح استناداً إلى «قدرة السوق على التحمل» وفي دول آسيوية أخرى بدت الآثار السلبية على الأثمان والرفاهية، فتراوحت الزيادة في أثمان الأدوية المبرزة من 5 إلى 67% وهذه الزيادة هي التي أدت بالتالي إلى زيادة خسائر الهند (أكبر سوق) ما بين 162 مليون دولار و 1261 مليون دولار. وبلغت الأرباح السنوية المحولة إلى الشركات الأجنبية ما بين 101 إلى 839 مليون دولار. وفي مصر قُدرت الزيادة في أثمان الأدوية الناتجة عن حماية البراءة بخمسة إلى ستة أضعاف، في مقابل تلك الأدوية غير المحمية. (ينظر المصدر السابق، حيث يتضمن شرحاً موسعاً لحالات أخرى).
وإذا كانت هذه هي عينة، من الأطياف التي ستحملها اتفاقيات منظمة التجارة العالمية (وهي صناعة أمريكية). فإنها تؤكد الحقيقة الماثلة الآن. لدواعي سيطرة الأقوى على الأضعف، وفرض الهيمنة الاقتصادية، كعنصر للهيمنة العسكرية، وكلاهما جذر أساسي موحد لمبدأ القوة الداعمة لعولمة مهيمنة، تحصد طموح الضعفاء وتجعلهم على المدى القادم مجرد هياكل بشرية تجاهد من أجل البقاء.
|