إن من سمات ديننا الإسلامي التي امتاز بها عما سواه من الأديان: اليسر والتيسير يقول الحق - تبارك وتعالى - {(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) } [الأعراف: 157] ، ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - :«إن هذا الدين يسر ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه» وهناك شواهد كثيرة من الكتاب والسنة تدل علي يسر هذا الدين. ومن أبرز ما يؤكد سماحة ديننا الإسلامي ويسره ما ثبت من مشروعية الرخص، مما يدل قطعاً على رفع الحرج والمشقة، وقد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرفق في مواضع متعددة قال - صلى الله عليه وسلم - :«إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف»، وقال - عليه الصلاة والسلام:«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه»، وكان - عليه الصلاة والسلام - ألطف الناس في دعوته وأرفقهم، وكانت وصيته لدعاته ورسله متضمنة هذه الأوامر باليسر والتيسير، فقد قال لمعاذ بن جبل وأبي موسى لما بعثهما إلى اليمن:«يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا»، وهذا التيسير يجري وفق الشرع لا وافق الأهواء. ومن سماحة الإسلام ويسره دعوة حتى المخالفين بالحكمة والموعظة الحسنة، فالدعوة باللين هي من أسس الدعوة يقول الحق - تبارك وتعالى - :{(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)} فالتسامح في الإسلام أصل من أصوله، وسمة بارزة من معالمه، حتى مع من لم يقاتل المسلمين ترغيباً له في الإسلام يقول - عز وجل - :{ (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)
(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9)
}، والغلو والتنطع مخالف لتعاليم الإسلام وسماحته، وهو تعد على الشرع، وتجاوز للحدود: {(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)} ونحن أمة مأمورون بالوسط لا نكون كالمفرطين الزائغين المضيعين لحدود الله بالمعاصي والذنوب، ولا نكون كالمغالين الذين تنطعوا وتشددوا حتى تجاوزوا حدود الله، ولقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الغلو، فقال: «إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، وفي حديث آخر قال - عليه الصلاة والسلام - :«لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم»، وحديث آخر: «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلى غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة».والغلو بجميع أصنافه منهي عنه، وأخطره ما يلتصق بأصحابه من فكر سقيم ومنهج معوج بالتكفير، واستحلال الدماء، إن من يشق على نفسه ويكلفها مالا طاقة لها به من الأعمال، وإن كان مخالفاً للمنهج والشرع إلا أن ضرره على نفسه، ولكن الخطر فيمن يتعدى ضرره إلى الآخرين، سواء من المسلمين أو من المعاهدين. والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يلحق بالرفيق الأعلى إلا وقد ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وفي الأحاديث والآيات السابقة دلالة أكيدة على النهي عن الغلو.وحين تقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد بتنظيم ندوة عن «أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ومكافحة الغلو» لتؤكد على أمرين رئيسيين: أولهما: التأكيد على أن منهج هذا البلد المبارك قام على نهج السلف الصالح في الوسطية والاعتدال على ضوء الكتاب والسنة. والأمر الآخر: دور الوزارة ومسؤوليتها في المحافظة على هذا النهج من خلال التوعية والارشاد.
(*) وكيل وزارة الشؤون الإسلامية للشؤون الإدارية والفنية
|