* مكة المكرمة الجزيرة:
تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله يقام مساء اليوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر شعبان الجاري 1424ه الحفل الختامي لمسابقة الملك عبدالعزيز الدولية في دورتها الخامسة والعشرين لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد حاليا بقاعة التضامن الإسلامي بفندق أنتركونتيننتال في مكة المكرمة.
وفي صباح اليوم ذاته، يفتتح معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ بمشيئة الله تعالى ندوة «أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ودفع الغلو»، بمشاركة عدد من أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ المختصين.وصرح معالي الوزير صالح آل الشيخ بهذه المناسبة بان المسابقة بدورتها الحالية قد انقضى من عمرها ربع قرن من الزمان نتجت من خلالها معان جليلة، من أهمها شدة التنافس والإقبال الكبير على كتاب الله الكريم بين أبناء المسلمين في شتى الأقطار، كما ساعدت على التآخي بين تلك الفئات وجمعتهم على صعيد واحد، وظهر لهم في واقع حي ومشاهد عظمة هذا الدين القويم الذي جمع الناس، وألّف بينهم على الرغم من اختلاف اللون والجنس واللغة والأرض، مؤكداً معاليه ان المسابقة شهدت وستشهد إن شاء الله تعالى المزيد من التطوير والتجديد في برامجها وأعمالها، لتحقيق غاياتها السامية.
خادم الحرمين الشريفين
وقال معاليه: إن القرآن الكريم أفضل الذكر لأنه مشتمل على جميع الذكر من تهليل وتحميد وتسبيح وتمجيد وعلى الخوف والرجاء والدعاء والسؤال والأمر بالتفكير في آياته، فقد جاءت النصوص في فضل القرآن الكريم متواترة في الكتاب والسنة، قال تعالى:{(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) }، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة» الحديث، مشيراً معاليه إلى أن الله تعالى قد أنزل القرآن الكريم كما أخبر في كتابه العزيز لغايتين لقوله تعالى: {(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) }.
وأضاف معاليه: ان حكومة خادم الحرمين الشريفين ابتداء من مؤسسها تغمده الله برحمته ومن بعده أبناؤه البررة جعلوا خدمة القرآن الكريم أسمى الغايات وأنبل الأهداف، وبذلوا لتحقيق تلك الغايات شتى الوسائل والسبل من مدارس ومعاهد وكليات للعناية بالقرآن الكريم وعلومه، إضافة إلى أن مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم في المدينة المنورة الذي أمر بإنشائه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله بأرقى الوسائل طباعة القرآن الكريم، ونشره وتوزيعه بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، وحفز الهمم عليه بالحفظ والعناية والتدبر.
صيانة الكليات الخمس
وبيّن معالي الشيخ صالح آل الشيخ ان كتاب الله تعالى صان الكليات الخمس الضرورية للحياة الإنسانية: الدين، والنفس، والعرض، والمال، والعقل، ورتب عليها العقوبات المنصوصة التي تعرف في الفقه الإسلامي بالجنايات والحدود، وان القرآن دستور تشريعي كامل، يقيم الحياة الإنسانية على أفضل صورة وأرقى مثال، وسيظل إعجازه التشريعي قريناً لإعجازه العلمي، وإعجازه اللغوي إلى الأبد، ولا يستطيع أحد أن ينكر أنه أحدث في العالم أثراً عظيماً غير وجه التاريخ، وقد اختص الله تعالى هذا القرآن العظيم من بين سائر الكتب المنزلة، بانه تولى حفظه، قال تعالى: {إنَّا نّحًنٍ نّزَّلًنّا الذٌَكًرّ وّإنَّا لّهٍ لّحّافٌظٍونّ}، حفظه الله تعالى من ان يزاد فيه باطل، أو ينقص منه حق، قال تعالى:{(لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) }، فلا يلحقه تحريف ولا تبديل، تم صدقاً وعدلاً، كما قال تعالى: {(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) }.
وأوضح معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ انه معلوم ان العمل بالقرآن الكريم، واتباع هديه متوقفان على تدبر آياته، وفهم معانيه، ولهذا جاء الأمر بتدبر القرآن الكريم، والحث على فهم معانيه، قال تعالى: {كٌتّابِ أّنزّلًنّاهٍ إلّيًكّ مٍبّارّكِ لٌَيّدَّبَّرٍوا آيّاتٌهٌ}، وقال تعالى: {أّفّلا يّتّدّبَّرٍونّ القٍرًآنّ أّمً عّلّى" قٍلٍوبُ أّقًفّالٍهّا}، ولهذا أمر الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما نزل إليهم من الوحي، كما قال تعالى: {(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) } فبين الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمر ببيانه أتم البيان، وتلقى الصحابة هذا البيان والتفسير بمفهوم ثاقب، وعقول واعية، وهم أرباب البلاغة والفصاحة، فكانوا لا يتجاوزون عشر آيات من كتاب الله تعالى إلى غيرها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل، وعلى منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم في التعليم، سار الصحابة رضي الله عنه ، في تعليم تلاميذهم من التابعين، ثم تلقى تابعو التابعين هذا العلم العظيم، فكانت هذه الأجيال الثلاثة أعلم الناس بتلاوة القرآن، وأفقههم لمرادات التنزيل، وأعقلهم لمقاصد التأويل.
وأكد معاليه ان الأمة الإسلامية في عصرنا الحاضر لن يعود إليها عزها ومجدها إلا بالعودة الصادقة إلى كتاب الله تعالى، وفهمه، والعمل به، وتحكيمه في جميع شؤون الحياة، وأقرب الطرق إلى ذلك، هو تربية ناشئة الأمة على مائدة القرآن الكريم، وتشجيعهم على الإقبال عليه، وحفظه وتجويده وفهمه، وتدبر معانيه، والتخلق بأخلاقه، والعمل بأحكامه، وقد أثبتت التجربة العملية ان من أنفع وسائل التشجيع على ذلك إقامة المسابقات في حفظ القرآن الكريم، وتكريم الحفظة، ومنحهم الجوائز السنية، ويأتي في مقدمة المسابقات القرآنية مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره، التي تقام في مكة المكرمة، بجوار بيت الله العتيق، مما أكسبها تميزاً فريداً، أضفى عليها رونقاً وبهاء، حيث يحظى المتسابقون فيها، ومن يرافقهم بأداء مناسك العمرة، وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه.
الحذر من الحملات المغرضة
وحث معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ القائمين على الجمعيات والمؤسسات والهيئات المعنية بتعليم كتاب الله وحفظته توخي الحذر من الحملات المغرضة التي يشنها أعداء الإسلام، وقال: إن الواجب علينا ان نعي أولاً ضخامة ما يراد للإسلام ولحملته وخاصة حملة القرآن، وجمعيات تحفيظ القرآن من اضمحلال لها، فإذا وعينا ذلك عظمت المسؤولية على الجميع في ان نكون أولاً محافظين على ما تحقق من انجازات، وثانياً: ان نكون على مستوى المسؤولية لسد كل الثغرات التي قد يدخل منها الأعداء.
وأضاف معاليه قائلاً: إن هذه البلاد المباركة تأسست على القرآن والسنة، وارتفعت فيها راية الكتاب والسنة، وانتشرت فيها مدارس تحفيظ القرآن الكريم منذ عقود من الزمن بدعم من ولاة الأمر فيها، لأن حمل القرآن وإشاعته أساس في تنشئة جيل يحمل مبادئ هذه الدولة حرسها الله وهذا يعظم علينا المسؤولية في معرفة الفضل لأهله، وفي إدراك ما علينا من واجبات تجاه حماية هذه الجمعيات التي لا شك ان الطموح لها أكبر من واقعها.
وشكر معاليه المولى جل وعلا كثيراً على نعمه وآلائه، وقال: إن كل النعم من الله جل جلاله ابتداء وانتهاء، قال المولى عز وجل: {وّمّا بٌكٍم مٌَن نٌَعًمّةُ فّمٌنّ اللّهٌ}، ومن حفظ القرآن فالنعمة من الله عليه لم يعمل شيئا لربه من جهة حفظه، وإنما عمل لنفسه لما حفظ مخلصاً لله جل وعلا والفضل لله تعالى أولاً وآخراً في كل متقلب نتقلبه، فالتيسير لحفظ القرآن أو لإقامة الجمعيات، أو لإنشاء المعاهد أو لإعداد الدورات أو البرامج كل ذلك من الله سبحانه وتعالى ابتداء وانتهاء فله الحمد سبحانه وتعالى كثيراً كما أعطى كثيراً، وله جل وعلا الثناء الأعظم الأجل كفاء ما جعلنا في نعمه المتواترة، وآلائه المتتابعة.
وختم معاليه تصريحه سائلاً الله جل وعلا ان يوفق الجميع لما فيه رضاه، وان يجزي ولاة الأمر عنا خير الجزاء، وان يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى وان يجزيهم خيراً، ويثيبهم براً واستدامة لما نحن فيه على ما بذلوا في هذا الدين، ودعموا هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية.
وعن ندوة بعنوان «أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ودفع الغلو» قال معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد: إن عقد هذه الندوة يأتي ضمن البرنامج الوطني الشامل لرد الغلو وآثاره، وانعكاساً مباشراً لرسالة الوزارة الشرعية لزيادة الوعي الديني لدى المسلم والمسلمة وفق منهج إسلامي معتدل بعيد عن طرفي الغلو والجفا والإفراط والتفريط.
وبيّن معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ أن الوسطية والاعتدال من سمات الشريعة الإسلامية تؤكدهما نصوص الكتاب والسنة، ويرشد إليها العقل الصحيح، وقال: إن الشرع الصحيح بنصوصه وقواعده واجتهادات العلماء فيه يدعو إلى الوسطية والاعتدال وينهي عن الغلو والمبالغة، قال الله تعالى: { (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) }.
مظاهر الغلو وصوره
وأكد معاليه ان الغلو في الدين من أشد المحرمات لأنه يبعث على ارتكاب كثير من المحرمات، ووسيلة لإثارة محرمات كثيرة، كما انه من أسباب الافتراق الوخيم وضرب الأمة بعضها رقاب بعض، موضحاً ان من أسباب ظهور الغلو في الدين عدم فهم القرآن على طريقة الصحابة رضوان الله عليهم وعدم تدبره بالأسلوب الصحيح، وكذلك وجود المتشابه في الكتاب والسنة، وترك الرجوع للراسخين في العلم، وظهور أوضاع وأحوال لا ترضي من ذهب إلى الغلو.
وأشار معاليه في هذا السياق إلى ان من مظاهر الغلو وصوره، المبالغة في حب بعض بني آدم وتعظيمهم، وكذلك الغلو في مسائل التكفير، وجعل المجتمعات الإسلامية جاهلية على عمومها، وهذا غلط وباطل، وقال: لا بد ان ننظر إلى أسباب ظهور الغلاة حتى لا نقع فيما وقعوا فيه لأن كلا منا يريد الخير ويريد التقرب إلى الله، مؤكداً انه ينبغي لكل من عرف من عنده مظهر من مظاهر الغلو ان يسعى في مناصحته، أو أن يدل أهل العلم عليه حتى يحاوروه ويردوه إلى الحق، ويناصحوه ويقيموا عليه الحجة ويبينوا له المحجة.
وأضاف قائلاً: ان الواجب علينا اليوم عظيم جداً، وان حماية الإسلام ورعايته تتطلب منا دائماً النصح والمراجعة، ونقد النفس بين حين وآخر، حتى يكون العمل صالحاً خالصاً صواباً، كما يتطلب منا الوقوف بحزم مع متطلبات منهج السلف الصالح الذي يأمر بالوسطية والاعتدال، لأنها موجودة في سلوك الصحابة وأئمة الإسلام، وان حياة الناس لا تستقيم إلا بهذه الوسطية.
وأضاف معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ ان من سمة الوسطية والاعتدال في الإسلام انهما يبرآن من الهوى، ويعتمدان على العلم الراسخ، والعلم إما أن يكون نصاً من كتاب الله العزيز، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، أو أن يكون قولاً لصحابي فيما لم يرد فيه النص، أو يكون من اجتهادات أهل العلم الراسخين في ذلك، كما ان الوسطية تراعي القدرات والإمكانات، والزمن، فالمحافظة على المنهج الوسط هذا يقتضي ان يكون هناك مراعاة لاختلاف الأزمنة والأمكنة والناس، ولهذا نص أهل العلم على أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان، والمكان، والوقائع، والأحوال، والناس.
وأوضح معاليه ان الله سبحانه وتعالى أمر بالوسطية والاعتدال، لأن الله جل وعلا أمر بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهي مأمور بها، ويجب على الناس ان يمتثلوا المأمور، وان يجتنبوا ما لم يؤمروا به في المناهج والأفكار كما في الأقوال والأفعال والاعتقادات.
وفي الصدد نفسه، قال معاليه: إن الوسطية لا تعني الانغلاق والانزواء على الذات، بل تعني المحافظة على الدين، والانفتاح العاقل على العالم، فالوسطية في مفهومها العام، تعني وسطية العقيدة والشريعة، وهذا يعني وسطية التعامل في جميع شؤون الحياة، أما الغلو في التعبد فجاء النهي عنه في السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم بيّن أنما أهلك من كان قبلنا الغلو، وفي القرآن الكريم، قال الله جل وعلا: { )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ) }، فالغلو يكون في جانب منه زيادة في التعبد، ويقابله الجفاء وهو التفريط في أداء واجبات الدين، فأتى الإسلام بالوسطية في التعبد والتعامل مع الناس من منطلق الاحترام، ونشر الدعوة من منطلق قوله تعالى: {وّقٍولٍوا لٌلنَّاسٌ حٍسًنْا}، ومن منطلق نشر الحق بأصوله، التوحيد والعقيدة الصحيحة، لأن الوسطية والاعتدال هما المنهج الذي ارتضاه الله لهذه الأمة، ووصفها به، قال تعالى: {وّكّذّلٌكّ جّعّلًنّاكٍمً أٍمَّةْ وّسّطْا} «عدلاً خياراً» عدلاً، في أحكامها على نفسها، وفي أحكامها على غيرها، و«خياراً» الخيرية كما وصفها الله بها في قوله تعالى: {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ}.
الوسطية والاعتدال
وأوضح معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ انه يجب أيضا على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره وان لا ينازع الأمر أهله كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، فأمر الإمامة والولاية خطير، وشأنه عظيم لكن معه في منهج الوسطية النصح والبيان والتعاون مع ولاة الأمر على البر والتقوى، وكذلك فان منهج الوسطية والاعتدال عدل ووسط في الفقه والأحكام، والمصلحة، والشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، فرعاية المقاصد والمصالح مطلب شرعي ضروري لتأصيل منهج الوسطية والاعتدال في الأمور.
وجدد معالي الشيخ صالح آل الشيخ التأكيد على أن أهمية الوسطية والاعتدال في الحكم على الأشياء، لأن الأشياء تتجدد والقضايا تتنوّع، ولا بد حينئذ من أن يكون هناك منهج واضح معتدل في الحكم على الأشياء، والأوضاع، والأشخاص، والأفكار، والنوايا والمقاصد، والمجتمعات، والدول، والعلماء، والدعاة، والناس، وهذا المنهج الوسط يجب ان يؤصل في أطروحات، وفي رسائل حتى لا يكون الناس وطلبة العلم الذين يرومون الإصلاح، ويرومون الدعوة، ويرومون الإرشاد في غيبة عن المنهج المعتدل في ذلك، والله جل وعلا يقول: {وّلا تّقًفٍ مّا لّيًسّ لّكّ بٌهٌ عٌلًمِ}، وقوله: {وان تّقٍولٍوا عّلّى اللهٌ مّا لا تّعًلّمٍونّ}، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القول بلا علم، وأن مَن يفتي بغير علمٍ فإنما يتقحم النار.
وقال معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد: إن الوسطية في الدعوة مطلوبة، لأن الدعوة تحتاج منا إلى تنظيم والى ترتيب، والى تعاون على البر والتقوى، ولا يصلح فيها الفوضوية، بل يجب ان يتعاون فيها أهل الحق، وأهل الخير، فانه لا يجوز ان نكون فيها مغالين، فنذهب في الدعوة إلى تنظيمات بدعية، أو سرية، أو إلى حزبية مقيتة، أو الموالاة والمعاداة على رموز دعوة متوهمة فوضوية، نريد دعوة يتعاون أهلها على البر والتقوى، وفق منهج أهل السنة والجماعة، ووفق التطاوع، فالطاعة لا تجوز في بلد الإسلام إلا لولي الأمر فيما ليس فيه معصية، وان تكون وفق طاعة الله جل وعلا ، وطاعة رسول صلى الله عليه وسلم.
وحذّر معاليه من الإطارات الأخرى كالتنظيمات السرية، أو الحزبيات المبتدعة، فان هذا مخالف للمنهج الوسطي ولطريقة أهل السنة والجماعة، مؤكداً معاليه على حاجتنا إلى وسطية في الدعوة في مسألة حل مشكلات الأمة، وان نعمل جهدنا وفق المنهج الشرعي، في ان نعمل متكاتفين، متعاونين، وان نبدل في الدعوة والخير والإصلاح والمناصحة وفق المتاح، ووفق الشرع المطهر، ووفق المأذون به، كذلك نكون وسطا في النوازل التي تقع في الأمة بين تأزيم النوازل وبين الإسهام في حلها، فالأمة الإسلامية بعامة مستهدفة، وكذلك هذه البلاد المباركة بخاصة.
المنهج الوسطي
وفي السياق نفسه، شدد معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ على انه يجب أولا على مستوى هذا البلد المبارك الذي هو معقل الإسلام، ومأرز الإيمان، والمكان الذي انطلقت منه الرسالة الخالدة، ثم انطلقت منه دعوة التصحيح والتجديد، والذي تنطلق منه اليوم بشائر الخير بما ترعاه الدولة، وترعاه مؤسسات هذا البلد من وزارات، وهيئات، وجامعات، ومؤسسات خيرية، وما يرعاه العلماء والدعاة، ويرعاه الناصحون، يجب ان يتكاتف الجميع في رد الأزمات، وعلاجها، الواجب علينا ان نكون مؤثرين بالمنهج الوسط، وان نعمل في التأثير وفق المتاح، وان لا نكون متفاعلين مع الأمور بطريق الخطأ كأن نكون مغالين في الأمور، فالمطلوب المحافظة على توحيد الله جل وعلا ، وعلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم على وحدة كلمة الأمة، واجتماع الصف مضيفاً معاليه انه من الواجب حينئذ في المسائل والنوازل ان نسعى في عدم تأزيم النوازل، بل نسعى في حلّها، فالنوازل إذا وقعت تحلُّ بالشرع، تحلُّ بالعقل والحكمة والأناة.
وشدد معاليه على أن الظروف الراهنة صعبة، تتطلب من الجميع الشعور بالمسؤولية، والوقوف بحزم مع ما تقتضيه، حاملين للأمانة والمنهج الصحيح وعقيدة أئمة السنة والجماعة بحق، وان نكون خير مؤتمن على ذلك، مبيناً ان الأحداث التي وقعت في البلاد مؤخراً راح ضحيتها أبرياء من المسلمين وغير المسلمين، وفجع بها كل مخلص لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ولفت معاليه في هذا السياق النظر إلى أن تلك الأحداث كانت بسبب الأفكار والأقوال والآراء المنحرفة التي يجب ان تصد، ويجب ان يبين لأهلها، أو لمن تأثر بها، هدي الكتاب والسنة، وهدي السلف الصالح وقواعد الشريعة، لأن الشريعة جاءت بتأصيل خمس قواعد: الحفاظ على النفس، والدين، والعقل، والمال، والعرض، هذه كلها مستقاة من أدلة الشرع، وهذا مما يجب على العلماء، وطلبة العلم، والأئمة والخطباء والدعاة ان يقوموا بالواجب في هذا الأمر لانه إذا انتشر فان ضرره عظيم على الجميع، لا يفرق بين أحد وأحد.
وفي ختام تصريحه، سأل معاليه الله تعالى أن يجنب هذه البلاد من كل مكروه، وان يحفظ عليها دينها، وعقيدتها، وأمنها، وأمانها، وأن يوفق ولاة أمورها لكل خير، وأن يجعلنا من المتعاونين على البر والتقوى، وان لا يجعلنا من المتعاونين على الإثم والعدوان، كما سأل الله للجميع التوفيق والسداد وأن يجعلنا وإياهم دائماً مباركين معانين على الحق، وأن يرينا الحق حقا، ويمن علينا باتباعه، وان يرينا الباطل باطلاً، ويمن علينا باجتنابه، وأن يلهمنا كلمة الرشد والسداد، وكلمة الحق في الغضب والرضى، وفي جميع أحوالنا.
23 بحثاً في أربع جلسات
ومن الجدير بالذكر ان ندوة «أثر القرآن الكريم في تحقيق الوسطية ودفع الغلو» التي تنظمها الوزارة في إطار فعاليات مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره ستناقش بإذن الله تعالى أربعة محاور، المحور الأول بعنوان: «الوسطية والاعتدال في القرآن الكريم والسنة»، ويبحث في أربعة بحوث، البحث الأول: يتناول مفهوم الوسطية والاعتدال، والبحث الثاني: يتناول أدلة الوسطية في القرآن الكريم، والبحث الثالث: يتناول مظاهر الوسطية في الإسلام، والبحث الرابع: يناقش ثمار الوسطية والاعتدال.
أما المحور الثاني: فعنوانه: «دلالة القرآن على سماحة الإسلامي ويسره»، ويناقش في ثلاثة بحوث، البحث الأول: عن مفهوم السماحة واليسر في الكتاب والسنة وأدلتها، والبحث الثاني: يناقش سماحة الإسلام في التعامل مع المخالف، والبحث الثالث: يدرس سماحة الشريعة في التعامل مع الواقع للدول والأفراد، وبالنسبة للمحور الثالث الذي كان عنوانه: «الغلو مظاهره وأسبابه»، فسيناقش أربعة أبحاث هي: الأول: يبحث في مفهوم الغلو في الكتاب والسنة، والثاني: يبحث في مظاهر الغلو في الاعتقاد والعمل والحكم على الناس، والثالث: يناقش أسباب الغلو العلمية والمنهجية وعلاجها «الخوارج نموذجاً»، والرابع: يدرس أسباب الغلو النفسية والاجتماعية وعلاجها.
وفي المحور الرابع والأخير فعنوانه: «استثمار تعليم القرآن في ترسيخ الوسطية ومعالجة الغلو»، سيناقش أربعة مباحث هي: البحث الأول بعنوان: «أثر القرآن في بناء الشخصية المعتدلة»، والثاني بعنوان: «معالجة القرآن لظواهر الانحراف والغلو»، والثالث بعنوان: «أثر معلم القرآن في تربية طلابه على الاعتدال»، والرابع بعنوان: «مؤسسات تعليم القرآن الكريم وأثرها في نشر الوسطية».
|