أيام شهدناها وكانت حافلة بكل خير وثمر، بكل عطاء وبِشْر، كانت طافحة بالجود والسعادة، واليوم يوم القطاف، يوم العرس الكبير، عرس تفرح له كواكب السماء، وتغرد له طيور الأرض، وتسعد به رياحين الجنان، عرس موضوعه القرآن الكريم، ومادته حفظ كتاب الله، ونغمته تجويد كلام الله، وروحه الإيمان، وجوهره الإسلام، وغايته رضا الكريم المنان.
تلك كانت مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتلاوته وتفسيره في دورتها الخامسة والعشرين، التي جاءت بدون انقطاع، وباستمرارية ندعو الله ان يديمها، فهي المسابقة الأم لما سواها من المسابقات القرآنية، إنها الشمس في سماء مليئة بالكواكب، والقمر الدري يجلو ظلمة الليل، واليوم كالعادة سيكون الختام، الختام المؤقت الذي يأذن بفجر جديد، ومسابقة جديدة، وعمل دؤوب متواصل مستمر، إنه الوداع على طريق اللقاء، بل هو اللقاء والعناق بانتظار لقاء جديد.
فتية عاشوا في رحاب القرآن الكريم، أتوا شعاب مكة المكرمة من كل أصقاع المعمورة لتلجّ الجبال بترتيلهم، وتتعطر الأجواء بنفحات إيمانية، ومن غير مكة وبقاعها الطاهرة أهل لهذا اللقاء؟، من غير أم القرى يحتضن أم المسابقات؟، من غير مهبط الوحي يحمل مسابقة ما نزل به الأمين جبريل عليه السلام على النبي العربي الأمي محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟
الله.. يا مكة ما أحلاك في عرسك، وما أغلاك في قلوبنا اليوم والبارحة وغداً، وما أروعك يا قبلة المسلمين.
أيام قضيناها في أصابيحها وأماسيها نسعد بسماع أحلى تجويد وأعذب كلام، وكلنا يقين ان الجميع لم يكن لينتظر إلا ثواب الرحمن عز وجل، ولكن والحق يقال ان التشجيع الدنيوي مرغوب ومطلوب، فهو أحد أهم الحوافز لجيل المستقبل كي يشحذ الهمم، ولكنه ليس الحافز الوحيد، فالحافز الأكبر هو رضا الله سبحانه، وما دونه إنما هي حوافز تتطلبها طبيعة الإنسان، إن الجوائز المجزية التي قدمتها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه جاءت لدعم التوجه المبارك نحو حفظ القرآن الكريم حيث بلغ مجموع الجوائز «888» ألف ريال، وبلغت الجائزة الأولى «75» ألف ريال، بالإضافة إلى الجوائز التشجيعية الأخرى، والتسهيلات والخدمات العديدة التي قدمت لحملة كتاب الله، فالكل فائز إن شاء الله بثواب الرحمن.
العرس مفتوح للعموم، والفرحة كبرى، ونرجو الله ان لا يحرم نعيمها أحداً، والثمار يانعة، والقطوف دانية، وأهل الخير كلهم بانتظار يوم الخير والفرح العميم.
الختام رسالة للعالم أجمع على أن هذا البلد باقٍ على عهد الله، ودستوره هو كتاب الله شاء من شاء وأبى من أبى، ورغم كل المتغيرات الدولية فإننا على العهد باقون، وكتاب الله يشهد لنا بذلك.
لقد اشتدت الحملات على أمة الإسلام وأبنائها، بل وصل التطاول حداً لا يمكن تصديقه، فلقد جعلوا القرآن الكريم هدفاً لهم، وجعلوا نبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه هدفاً أيضاً لهم، ولكن أنَّى لهم أن ينالوا من الحق شيئاً، فصراع الخير والشر دائم قائم، والباطل سيزهق بإذن الله عاجلاً أم آجلاً، وها هي المسابقة بقوتها وبنيانها وعنفوانها وإبائها شاهد حي على قوة الحق وضعف الباطل {إنَّ البّاطٌلّ كّانّ زّهٍوقْا}.. والله ولي التوفيق.
|