رسالة على الهاتف تلقيتها الساعة الثامنة صباحا أعقبها اتصال من الزميل محمد الرشيدي أصابتني بشيء من القلق، فقد كان ذلك يعني ان هناك أمراً ما أو شيئاً كبيراً قد حدث لأنه لم يكن من المعتاد أن نتبادل الاتصالات أنا وزميلي محمد في هذه الاوقات المبكرة، كان نص الرسالة «انتقل الدكتور بكر الشدي إلى رحمة الله والصلاة عليه في مسجد الراجحي عصر هذا اليوم» وضعت الهاتف جانبا وأمسكت رأسي وصرت أتساءل.. هل هذه هي نهاية بكر؟! وقبل أن أجيب على هذا السؤال وددت أن أقول بأن بكر وقد اختار الله سبحانه وتعالى له مثل هذه الأيام التي يتنافس فيها زملاؤه ويعملون على قدم وساق لانهاء أعمالهم وتسليمها للتلفزيون أو غيره كأني به يوجه رسالة الى بعض من زملائه الانانيين للاسف بأن الفن ليس مجرد تجارة بل رسالة، فبرغم ان بعضهم حرم بكر وأمثاله من الانقياء ومن الرواد في الدراما السعودية مشاركتهم أعمالهم بحجة ان هذه التركة لهم فقط ولا تقبل القسمة مع الآخرين، كأنني ببكر النقي يقول لهم سأترك لكم كل شيء ليس الفن فقط بل الدنيا وما فيها، فمن يعرف بكر الانسان الذي امتدت علاقتي به أكثر من 20 سنة ولم تنقطع حتى ابان دراسته في بريطانيا يعرف انه كان مختلفا في كل شيء وكان يتميز على أقرانه بأنه الفنان السعودي الوحيد الاكاديمي صاحب الدراسات العليا والحاصل على الدكتوراه، كما انه كان من القلائل الذين ابتعدوا عن لعبة الانتاج وما تخلفه من شوائب بين الزملاء. تميز بكر يكمن في قيمه الانسانية.. انه ذلك الشخص الذي نشاهده على الشاشة والذي تحمل نظراته كثيراً من النقاء والصفاء، ان قلبه لم يعرف الحقد أو الانانية في يوم من الايام ولم تستهويه لعبة التجارة بالفن، كما ان الحديث عنه لا يمكن ان يكون بهذه العجالة، لقد كان علي أن أتحدث عنه قبل ذلك رغم أنني أعلم أنني لا أغرد خارج السرب وانني أمارس عادة الغباء كغيري تماما في الحديث وذكر مناقب المبدعين بعد وفاتهم، وإنني أقر بأنني وكل الآخرين نخطئ دائما عندما لا نذكر هؤلاء إلا عندما يغيبهم الموت.
إن بكر رحمة الله عليه لم يكن مجرد فنان عابر وتتجلى حقيقة هذا الامر في التكريم الأخير له من شبكة راديو وتلفزيون العرب في جدة حيث تواجد ابنه فيصل وحيث رأيت مدى احتفاء الجميع به بطريقة تدلل على أن لوالده رحمه الله مكانة كبيرة وعظيمة في نفوس وقلوب الجميع. موت بكر أسقط ورقة من أوراق الفضيلة والنقاء.. موت بكر رسالة جديدة الى كل الانانيين والمخادعين بأن هذه الحياة لا تستحق منا كل هذا الخبث واللؤم والانانية لذا أتمنى في غياب هذه القيمة الانسانية والفنية أن نكون قد استوعبنا الرسالة جيدا، كي نعيد وعلى الفوز حساباتنا ولكن في ظل معادلة بكر الشدي..
فإلى أم فيصل وفيصل وكل عائلة بكر وكل الفنانين السعوديين أقدم أحر التعازي في وفاة أخ وصديق قل أن تجد مثله هذه الأيام.
(*) المشرف على الأنشطة والبرامج بقناة أبو ظبي بالمملكة.
|