مازلت أذكر البيت الذي كنا نردده في خطبنا البدائية على زملائنا في المدرسة.. أيام كنا صغار السن.. ولكننا كبار الطموح والتطلع إلى العلم والمعرفة.
تعلم فليس المرء يولد عالما
وليس أخو علم كمن هو جاهل
|
قال الإمام عبدالله بن المبارك - رحمه الله - «تعلمنا العلم لغير الله، فأبى الا أن يكون لله».
وفي زماننا نحن الكهول لم يكن هناك مفهوم (للعلم) سوى علوم العقيدة والشريعة الإسلامية.. ولم نكن نعرف ولم نكن نسمع شيئاً اسمه علم الطب، أو الهندسة، أو الكيمياء.. أو علوم الحاسب الآلي، فضلا عن العلوم الأحدث كالتي أوجدت ثورة عصرية مذهلة.. في (الاتصالات) التي زَوَتْ الأرض في اتجاهاتها الأربعة لتضعها أمام كل إنسان.. يشاهدها ويعايشها وجها لوجه.. وهو متكئ على أريكته في بيته.
وما عملية فصل التوأمتين (السياميتين) المصريتين (تاليا وتالين) على يد الفريق الطبي السعودي برئاسة الطبيب الماهر الدكتور عبدالله الربيعة ومعاونيه الأكفاء.. وبنجاح كامل - ما هي إلا ثمرة من ثمار نهضتنا العلمية الحديثة التي نأمل أن تتواصل ثوابتها وعطاؤها.. وان تكون حافزاً لنجاحات مماثلة لشبابنا الطامحين..
***
وهذه العملية السيامية الجديدة.. ليست الأولى من نوعها في المملكة على يد هذا الطبيب السعودي وزملائه.. بل سبقتها عدة عمليات قد تكون أصعب من هذه.. وتمت كلها بنجاح كامل والحمد لله...
إن هذا الانجاز الطبي الكبير ليس مفخرة للشعب السعودي وحده.. بل هو مفخرة لكل عربي ومسلم.. حتى وان وجد وتحقق مثله في أي قطر شقيق بعد ذلك (فالفضل للمتقدم..)..!
تحية صادقة إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الذي أسس واحتضن (مدينة الملك عبدالعزيز للحرس الوطني.. الطبية) التي أصبحت رمزاً من رموز المؤسسات الطبية.. المدوي صوت نجاحها في الآفاق..
وتحية لانسانيته في تبني علاج مثل هذه الحالات الصعبة، طلبا لثواب الله.
وتحية للفريق الطبي السعودي برئاسة الطبيب العالم الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الربيعة ولزملائه الأكفاء.
وتهنئة لوالدي البنتين.. اللتين كانتا (عالة) على والديهما ومتعبة لهما نفسياً.. واجتماعياً.. إلى يوم العملية.. حيث فرج الله كربتهما.. وفتح لهما ولبنتيهما باب الأمل الأخضر.
وبعد:
فما أحوج بلادنا وشبابنا الى التقدم العلمي.. في كل مجال من مجالاته الكثيرة والمتنوعة.. وها هي أبواب التخصصات العلمية في كل نوع وكل فرع من فروع المعرفة مفتوحة على مصاريعها.. وهي تنادي الشباب من الجنسين: هلموا بعزم واقتدار لتصلوا إلى ما وصل إليه من تعتزون بكفاءاتهم وقدراتهم العلمية والعملية التي نالوها بالجد والاجتهاد.
لا تحسب المجد تمْراً أنت آكله
لن تدرك المجد حتى تلعق الصبرا
د. عبدالقادر طاش
مع التسليم بقضاء الله وقدره.. فقد تألمت كثيراً لما أصاب زميلنا المحبوب ممن عرفه وممن لم يعرفه.. هذا الرجل الداعية المحتسب.. والكاتب الاسلامي المعروف.. تألمت منذ قرأت خبر اصابة الأخ د. عبدالقادر طاش بالمرض الخطير.. وان كان شفاؤه على الله يسير..
لقد عرفت هذا الرجل قبل ثلث قرن حين كان يدرس في أمريكا مبتعثاً من جامعة الإمام محمد بن سعود.. وكنت حينذاك المسؤول في الجامعة عن مبعوثيها في أمريكا، وبريطانيا، ومصر.
ثم جمعتني به عشرات اللقاءات والمؤتمرات داخل المملكة وخارجها.. وما وجدت هذا الرجل على كل حالاته إلا صاحب خلق كريم، وفكر إسلامي نظيف، واستقامة دينية - أحسبه كذلك - ولا أزكي على الله أحداً.
أسأل الله العظيم بلطفه وكرمه ان يمن على أخينا عبدالقادر بالشفاء العاجل، انه على كل شيء قدير.
|