استدرنا من العيون نحو الشرق واجتزنا قطاعا رمليا يبلغ عرضه هنا خمسة عشر ميلا يتحول الى سهول حجرية تتخللها بقع من صخور البازلت السود وكان طريقنا هذا يمتد فوق حافة ظاهرة من ذات التلال تعلوها قمم رملية على امتدادها وتدخل في سهل رملي تقع فيه مدينة شقرا حاضرة هذه المنطقة من الوشم.
ويبلغ عدد سكانها حوالي خمسة آلاف نسمة وهي تقع عند النهاية الشرقية لمنحدر رملي طويل تمتد بساتين النخيل والحدائق فيه نحو ميل وكان طريقنا يقترب من المدينة من الناحية الشمالية ويجتاز عبر سور خارجي متهدم في أماكن كثيرة منه ومن ثم يسير بامتداد طريق يرتفع عشرين قدما فوق الحدائق المحيطة ولقد تألف هذا الطريق من الرمال التي اندفعت خلال فتحة من السور حين تحول الى طريق.
وإذ غادرنا شقرا كان الطريق يسير شرقا على امتداد الجانب الجنوبي من القطاع الرملي ويمر بمدينة ثرمدا وما ان غادرنا النفود حتى أخذ الطريق يصعد منحدرا حصبائيا طويلا يمر بقرية البره وفي الأخير يلامس جبل طويق والذي يبدأ يتجمع عنده بالتدريج.
واتصل هنا طريقنا بطريق الحاج من مكة الى الرياض ولذلك دخلنا مضيقا في جبل طويق كان مليئا بأشجار السدر والطلح وبعد ان ارتقينا هذا الطريق الى مسافة عشرة أميال بلغنا تجمع ماء هنا فدخلنا رأس وادي حنيفة وما ان دخلنا المدينة من بوابة مرتفعة ذات أبواب خشبية مكفتة بالحديد حتى اجتزنا الشوارع الهادئة ومن ثم مرقنا على حين غرة الى ساحة واسعة فيها أحد الأسواق وكانت الأعمال التجارية آنذاك في ذروتها في هذه الساعة التي يبلغ فيها المد ذروته بعد الظهر وما ان اجتزنا عيونا دهشة كثيرة صوبت نحونا حتى وصلنا فيما بعد الى فراغ واسع مكشوف من الأرض تقوم على جناحه الأيمن قلعة عالية كانت تدلل على أنها كانت قصر عبدالعزيز بن سعود أمير نجد وانخنا ابلنا واتخذنا أماكننا على دكة طينية تمتد بامتداد الأسوار في الوقت الذي تجمعت فيه حشود من أهل المدينة ومن العبيد حولنا وهم يتسقطون اخبار الحاج العائد من مكة والمقدرة عودته خلال أيام قلائل حيث ظنوا بأننا كنا نمثل الفريق المتقدم له وإذ كنا ننتظر أقبل كثيرون منهم نحونا فصافحونا وفي النهاية اقبل ممثل الأمير فازاح الحشد عنا وقادنا الى القصر بعدد من الاستفسارات المؤدبة عن صحتنا وطبيعة رحلتنا وكانت الصيغة الأولى المعتادة هي ان نتناول القهوة في غرفة عامة لها يمر بها الغادون والقادمون باستمرار من الحاضرين في القصر والعبيد الذين كانوا يرتدون العباءات المطرزة ويحملون السيوف ذوات القبضات الفضية وسرعان ما نقلنا في حاشية الى صالة علوية تطل على السوق وعلى المدينة حيث حيانا الأمير عبدالعزيز نفسه.
كان رجلا في حدود الأربعين من العمر ذا بنية ضخمة ووجه قوي ورقيق صافحني بيده وهدأ من روعي على الفور بتحيته الودودة وبالحديث الطويل الذي انطوى على أنباء العالم الخارجي وعلى الأخص الحرب التركية البلقانية ولقد أعلن عبدالعزيز عن أسفه لأن قصره لا يوفر سكنا فيه الأفضل أو المزيد من الرخاء لكنه قال بأنه منذ وصوله الى الرياض قبل عشر سنوات كان يتجول دون انقطاع في الأجزاء الصحراوية من بلاده يحارب أعداءه ويحاول ان يوطد أكثرية القبائل تحت سلطته ولذلك فلم يكن لديه من الوقت كيما يضيف المزيد الى قصره أو يصلحه.
ومنحنا سكنا في القصر فكان يدخل على سيل طويل من الزوار طيلة اليوم ويجلس في غرفتي دون استثناء ليظهر لي منتهى المجاملة.
وكنت اذهب الى المدينة في أوقات بصحبة أحد الأمراء أو أحد العبيد الذي كان يؤمر بأن يرعاني والحركة التجارية في الوقت الحاضر ضعيفة جداً وقد قيل بأن المدينة وضواحيها تضم خمسة وعشرين ألفاً من السكان ويبدو أن هذا العدد مبالغ فيه لكنني متأكد بأن سبعة آلاف رجل كانوا قد حضروا في الصلاة في الجامع الكبير في العيد الأخير الأمر الذي يرفع عدد السكان الى الرقم الذي تم ذكره وعلى الرغم من ذلك فإن سوق المدينة صغير نسبيا في الوقت الذي يكون فيه الطعام والمواد الأخرى عزيزة والمادة الرئيسية للغذاء هي التمر وهو من نوع لذيذ حقا وتزرع أنواع كثيرة أخرى من الفواكه من التين والمشمش والبطيخ في حين يزرع البرسيم في كل مكان بين الأشجار ولا يوجد في الرياض سوى القليل من الخيول في حين لا توجد الأبقار ولا الأغنام أما الأمير الذي يملك المئات من الخيول في منطقة الخرج التي تقع على مسافة يومين الى الجنوب حيث يتوفر المرعى والماء فإن ذلك لا يوجد مثله في الرياض ولابد أن يكون الطقس صحيا جيدا ولم تجرب البرودة فيه مما يستدل عليه بما يرتديه سكان المدينة وهذاالملبس بهيج جداً يتألف من قميص طويل يتدلى الى القدمين وله أردان كاملة تتدلى على اليدين اللتين تنشقان عنهما وفوق ذلك تلقى عباءة خفيفة من مادة سوداء نوعا ما محلاة بنقوش تحاك بالذهب عادة في حين تتألف الكوفية من لباس الرأس من منديل يشد على الرأس يكون أحمر اللون ويثبت على الرأس بعقال أو حلقة من وبر البعير محلاة بعصابة ذهبية بالنسبة الى الطبقات الجيدة وتكون السيوف المكفتة بالفضة والصنادل هي التي تكمل بدلة الملبس.
|