المركبات بمختلف أنواعها تؤدي مهاماً جليلة للمجتمع سواء في نقل الأفراد أو البضائع التي ليس للإنسان غنى عنها. ولكن رغم المنافع الكثيرة للمركبات إلا أن هناك بعض المضار التي تتسبب فيها في حالة عدم العناية بها والالتزام بالقواعد والنظم والقوانين والآداب التي تنظم حركتها على الطريق. فالحوادث المرورية تخلف العديد من الوفيات والإصابات التي تؤدي في معظمها إلى إعاقات مستديمة خاصة بين الشباب، هذا بالإضافة إلى الخسائر المادية الضخمة. الدول النامية رغم انخفاض معدل امتلاك السيارة فيها إلا أن معدلات الحوادث فيها وما ينتج عنها من إصابات ووفيات مرتفعة، والمملكة العربية السعودية ليست بمعزل عن هذا الواقع، بل إن الإحصاءات تشير إلى أنها من الدول ذات المعدلات العالية في أعداد الحوادث المرورية وبالتالي نتائجها السلبية.
تتمثل أسباب الحوادث في ثلاثة عناصر أي ما يسمى مثلث السلامة المرورية، العنصر البشري (السائق)، الطريق وبيئته، والعنصر الثالث المركبة. أعطيت كل من العناصر الثلاثة في المملكة الاهتمام الذي يستحقه في سبيل تقليص معدلات الحوادث، ونتناول في هذه السطور العنصر الثالث.. المركبة.. ودورها في وقوع الحوادث، فحصها، صيانتها، والعناية بها بشكل عام.
ليس من السهل تحديد مساهمة المركبة في الحوادث المرورية في المملكة، على وجه الدقة، لعدم توفر الإحصاءات التي توضح ذلك، حتى أن الإحصائية السنوية التي تصدرها الإدارة العامة للمرور لا تتطرق للأسباب الفنية بصراحة، إلا أن هناك بعض الإحصاءات تشير إلى أن الحوادث التي تكون المركبة سبباً فيها تمثل 20% من إجمالي الحوادث. لزيادة مستوى السلامة على الطريق تم إقرار برنامج الفحص الدوري للسيارات بالمملكة ليساهم مع الجهود الأخرى في تقليل عدد الحوادث المرورية على الطريق والحفاظ على البيئة. في عام 1403هـ تم الإيعاز لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لوضع الأسس والتصور الشامل لبرنامج الفحص الفني، ونتيجة لذلك تم تكوين اللجنة الوطنية لسلامة المرور من عدة جهات لها علاقة بسلامة المرور والبيئة (وزارة الداخلية، المواصلات، الشؤون البلدية والقروية، الإرصاد وحماية البيئة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.. الخ). بعد دراسات مستفيضة تخللتها زيارات لعدد من الدول التي لها تجارب حيوية في مجال فحص المركبات (ألمانيا، اليابان، سنغافورة الخ.)، توصلت اللجنة الوطنية لسلامةالمرور إلى النظام المناسب للمملكة.
أقرت وزارة الداخلية برنامج الفحص الدوري للسيارات بكامل تفاصيله، والذي انطوى على آخر ما توصلت إليه التقنية في حينه من أجهزة ومعدات الفحص فضلاً عن الاستفادة من خبرات الدول التي سبقتنا في هذا المجال من الناحية التشغيلية والإدارية. بدأ التشغيل الفعلي لبرنامج الفحص الفني الدوري للسيارات بالمملكة في أواخر العام 1406هـ/1986م، حيث تم افتتاح المحطة الأولى بمدينة الرياض العاصمة في شوال 1406هـ، وتوالى تشغيل المحطات التي بلغت الآن 19 محطة عاملة فضلاً عن ثلاث تحت الإنشاء وأخرى تنفذ قريباً إن شاء الله لتغطي جميع مناطق المملكة. تنقسم المحطات من حيث المساحة وعدد المسارات إلى خمس فئات (عشرة، خمسة، ثلاثة مسارات، مسارين ومسار واحد)، ويحدد حجم المحطة وعدد المسارات على ضوء كثافة المركبات في المدينة المراد إقامة المحطة بها. أما المسارات وأجهزة ومعدات الفحص فهي متطابقة في جميع المحطات لتعطي نتائج موحدة في كل الحالات. وتستقبل محطات الفحص الدوري جميع أنواع المركبات بمختلف فئاتها وأحجامها. يتم فحص المركبات على أربع مراحل بين آلي بالكامل ونظري بمساعدة الحاسب الألي على النحو التالي:
المرحلة الأولى
(الفحص النظري):
في البداية يتم التأكد من هوية المركبة ومطابقة البيانات المسجلة في رخصة السير (الاستمارة) مع البيانات الموجودة في المركبة فعلاً ومن ثم يتم فحص أجزاء المركبة المرتبطة بالسلامة، حيث يتم التأكد من سلامة الإطارات ومدى ملاءمتها للمركبة المعنية من حيث المقاس ومعامل السرعة والحمل، كما يتم التأكد من صلاحية مجموعة الأنوار (الأنوار الأمامية والخلفية والغمازات والإشارات الخ)، الزجاج، المساحات، الأبواب ومفصلاتها ..الخ. حيث يتم الوقوف في هذه المرحلة على أكثر من 40 بنداً.
المرحلة الثانية:
وهي مرحلة آلية كلياً ويتم فيها فحص انحراف العجلات وقياس القوة الفرملية على جميع المحاور (الأمامية والخلفية) وفرامل الوقوف (الجلنط).
المرحلة الثالثة:
ويتم فيها فحص غازات العادم، حيث يتم قياس نسب غاز أول أكسيد الكربون والهايدروكربون (وهي غازات سامة شديدة الضرر بالصحة والبيئة) بحيث لا تتعدى نسبة أول أكسيد الكربون 5 ،4% من حجم الغازات المنبعثة، وألا تتعدى معدلات الهايدروكربون 1999 جزءاً في المليون من العينة وذلك وفقاً للمواصفات السعودية ذات الصلة. كما يتم في هذه المرحلة قياس شدة إضاءة الأنوار الأمامية وانحراف الشعاع.
المرحلة الرابعة
(الفحص السفلي):
في هذه المرحلة يتم الكشف على الأجزاء السفلية من المركبة. حيث يتم فحص توصيلات نظام الفرامل، توصيلات نظام التوجيه (أذرعة الدركسيون، علبة تروس التوجيه... الخ)، أنظمة التعليق المختلفة (المساعدات، المقصات، السست.. الخ.) بالإضافة إلى الهيكل والتأكد من عدم تهريب في الزيوت أو الوقود. في الإجمالي يتم فحص أكثر من 25 جزءاً من أجزاء المركبة في هذه المرحلة.
إذا اجتازت المركبة اختبارات جميع المراحل فتزود بشهادة وملصق فحص يؤكدان صلاحيتها للسير على الطرق العامة وتنقسم صلاحية الملصق والشهادة إلى قسمين مدة صلاحية لسنة كاملة وأخرى لمدة ستة أشهر حسب طبيعة ترخيص المركبة. فتمنح سيارات الركوب وسيارات النقل الصغيرة المخصصة للاستخدام الشخصي شهادة وملصق فحص بصلاحية سنة أما المركبات المخصصة للأعمال التجارية فصلاحية شهادة وملصق الفحص التي تزود بها ستة أشهر.
محطات الفحص وفي كل المدن وقفت على العديد من الأعطال التي تمس السلامة بصفة مباشرة والتي إذا لم يتم اكتشافها في حينها قد تؤدي إلى الحوادث بنسب كبيرة، فعلى سبيل المثال وجدنا وفي عدة مرات أن عمود الدوران (الكردان) يكاد يسقط من مربطه وفي مثل هذه الحال، إذا انفرط عمود الدوران، ومع السرعة العالية ربما ينغرز في الأرض ويؤدي إلى انقلاب السيارة. أيضاً وجدنا أن أذرعة الدركسيون تكاد تنفلت من مواقع تثبيتها.
عند بداية تنفيذ برنامج الفحص الدوري لأول مرة ومع بداية عمل كل محطة جديدة نجد أن معدل الأعطال في المركبات مرتفع جداً، حيث كان يوجد في بعض الأحيان أن بالسيارة الواحدة أكثر من عشرين خللاً وبمتوسط يصل إلى أكثر من أربعة أعطال. وهذا يشير إلى إهمال الصيانة الوقائية وضعف الأعطال إلى أقل من اثنين. وبدون شك فإن التحسن في الحالة الفنية للمركبات سوف ينعكس إيجاباً على مستوى السلامة المرورية. ليس هناك كما ذكرنا آنفاً إحصائية توضح عدد الحوادث المرورية التي تكون بسبب فني، أي سببها المركبة، وبالتالي فإننا يمكن أن نعتبر التحسن في الحالة الفنية مؤشراً على مساهمة الفحص الدوري للسيارات في السلامة المرورية. فإذا التزم جميع أصحاب المركبات بفحص مركباتهم بصورة دورية ملتزمة فإنه بالتأكيد سوف تنخفض الحوادث المرورية التي تكون السيارة سبباً مباشراً أو غير مباشر فيها إلى حدها الأدنى.
كما هو معروف فإن المركبات تعتبر المصدر الرئيسي للملوثات الغازية في الجو بما تطلقه عوادمها من غازات سامة، كأول أكسيد الكربون والهايدركربون وجزئيات الشوائب المختلفة. والفحص الدوري للسيارات من خلال اختبارات غازات العادم ومطالبة أصحاب المركبات بضبطها يساهم في تقليص معدل انبعاث الغازات الملوثة للبيئة. وتشير إحصاءات الفحص إلى انخفاض نسب الفشل في فحص غازات العادم من عام لآخر وهذا يدلل على مساهمة الفحص في الحفاظ على البيئة.
الفحص الدوري والسعودة:
الفحص الدوري للسيارات كمشروع وطني رائد لم يقتصر دوره في خدمة المجتمع على المساهمة في تحسين مستوى السلامة على الطريق والحفاظ على البيئة من خلال فحص المركبات للعمل على صيانتها وضبط الغازات الضارة بالصحة والبيئة المنبعثة منها. بل تعدى دوره في خدمة المجتمع إلى مجالات أخرى حيث ساهم الفحص في توفير العديد من فرص العمل الممتازة للمواطنين السعوديين. إن خدمة المجتمع في هذا الجانب كانت وما تزال من الأهداف الاستراتيجية لإدارة الفحص الدوري للسيارات.
منذ البدايات الأولى للفحص الدوري للسيارات سعت إدارته إلى استقطاب أبناء المملكة للعمل بمواقع الفحص المختلفة سواء كان ذلك في المجال الفني التشغيلي أو الإداري، ولتحقيق هذا الهدف قامت إدارة الفحص الدوري منذ بداية الفحص بإنشاء مركز تدريب متخصص لتأهيل الشباب السعودي للعمل بمحطات الفحص الدوري في مناطق المملكة المختلفة. ويعتبر مركز التدريب في الفحص الدوري من أول مراكز التدريب المقامة داخل المنشآت لتأهيل الكوادر الوطنية للانخراط في العمل بالمنشأة. تخرجت الدفعة الأولى من المركز في بداية العام 1408هـ وتوالت الدفعات والدورات التدريبية في جميع التخصصات وخاصة الفنية التي يتطلبها العمل بمحطات الفحص الدوري ويشغل الفنيون السعوديون أغلب الوظائف الفنية في محطات الفحص. وتعتبر وظيفة فاحص فني الوظيفة الأساسية في المحطات ويمثل الفاحصون السعوديون النسبة الأكبر بين شاغلي هذه الوظيفة والكثير من الوظائف الفنية الأخرى. وفيما يلي نسبة مقارنة بين العاملين السعوديين وغير السعوديين لبعض الوظائف الأساسية في محطات الفحص الدوري للسيارات في مناطق المملكة المختلفة وهي أكثر الوظائف عدداً في المحطات:
مسمى الوظيفة نسبة السعوديين
مدير محطة 55%
فاحص فني 60%
أمين صندوق 95%
مهندس إسناد فني 85%
حارس أمن 100%
وفي سعي الفحص الدوري لاستقطاب الكوادر الوطنية السعودية قامت الإدارة بتوجيه دعوات للمعاهد المهنية وكليات التقنية عبر المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني لتنظيم زيارات لمحطات الفحص للتعرف على طبيعة عمل المحطات وما يمكن أن يتاح لخريجي هذه المعاهد والكليات من فرص. هذا بالإضافة إلى المشاركة بصفة منتظمة في يوم المهنة الذي تنظمه بعض المؤسسات التعليمية.
في مجال التدريب لم يقتصر دور الفحص على تدريب العاملين على رأس العمل بالفحص أو المنتسبين الجدد، بل قام الفحص بالتعاون مع إدارة التدريب بالإدارة العامة للمرور بعقد دورات تدريبية فنية لبعض منسوبي إدارات المرور في المناطق المختلفة وتعريفهم بكيفية الفحص والتعرف على النواحي الفنية في المركبات في حالة وقوع الحوادث.
| 
