*حوار محمد الخضيري:
يأتي هذا الحوار مع الدكتور عبدالعزيز الدخيل لاستشفاف واقع الاشكاليات في ظل الظروف والمتغيرات الاقليمية والدولية، وما تشهده المملكة من تحولات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لأنه وكما يقول الدكتور عبدالعزيز ان الهم السياسي ينعكس على الهم الاقتصادي وبالتالي على الوضع الاجتماعي.
عبر هذا الحوار حاولنا سبر أغوار هذه الاشكاليات ومناقشتها بنظرة موضوعية وإن طغت لغة حماس الدكتور في بعض فقرات هذا الحوار إلا ان هذا لم يبعدها عن تسلسلها، الدكتور الدخيل يحمل درجة «الدكتوراه» في الاقتصاد من جامعة آنديانا بلومنقتون بالولايات المتحدة عام 1973م اضافة الى عمله مدرساً مساعداً للاقتصاد في نفس الجامعة. وقد تدرج عند عودته للمملكة في الوظائف الحكومية حتى أصبح وكيلا لوزارة المالية للشؤون المالية والحسابات حتى عام 1979م حيث قدم استقالته من العمل الحكومي وتفرغ لإدارة المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل اضافة الى المناصب التي تسلمها إبان عمله الحكومي وترؤسه عدة مؤسسات ولجان منها:
- المدير العام لصندوق الاستثمارات العامة للدولة.
- مدير عام ادارة البحوث الاقتصادية بوزارة المالية.
- رئيس مجلس ادارة الشركة العربية للاستثمار.
- المدير العام ورئيس مجلس ادارة صندوق التنمية العقارية.
- رئيس مجلس ادارة البنك السعودي للاستثمار.
- رئيس مجلس ادارة هيئة الخليج للتنمية في مصر.
- عضو اللجنة الثلاثية للسوق المالية السعودية.
- ممثل المملكة في اللجنة المالية لدول الأوبك.
- ممثل المملكة في اللجنة المالية الاقتصادية لحوار الشمال والجنوب.
- رئيس المجموعة المالية التابعة للجامعة العربية في الحوار العربي الأوروبي.
- ممثل المملكة في اللجنة المساهمة في مراجعة وتعديل نظام صندوق النقد الدولي.
- عضو وفد المملكة الى مؤتمر القمة الأول لدول الأوبك.
- عضو المجلس الأعلى لجامعة الملك فيصل.
- ممثل المملكة في لجنة فصل المنازعات التابعة للبنك الدولي.
- استاذ زائر - جامعة جورج تاون - واشنطن 1997م.
علاوة على اصداره العديد من الكتب والمؤلفات والنشرات باللغة العربية والانجليزية. وكتابة المقالات للصحف المحلية والاقليمية والعالمية وإلقاء المحاضرات في العديد من الجامعات والمراكز الاقتصادية والعلمية المتخصصة في الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا.
بعد هذه النبذة المختصرة عن سيرته الذاتية ولا أخالني أضيف جديداً إذا قلت إنه أثناء اجراء الحوار معه بمكتبه بالرياض كان دوري لا يتعدى التداخل في بعض جزئيات الحديث فيما كنت معظم الوقت مستمعاً ومنصتاً لما يقول والآن إلى نص الحوار..
* حوار - محمد الخضري:
تصوير - فتحي كالي
مواجهة التحديات
* دكتور عبدالعزيز.. نريد عبر هذا اللقاء تسليط الضوء على أهم المستجدات التي تواجهها المملكة في ظل الظروف والمتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية؟
- المملكة العربية السعودية كدولة نامية تواجه الكثير من التحديات لأن هذه طبيعة العصر وطبيعة النمو وطبيعة التقدم، وهذه هي آلية الحياة، وآلية التحرك. ولا شك ان جزءاً من هذه التحديات تاريخي وأيضا ذو طبيعة تراكمية.
* ما هي هذه الطبيعة التراكمية؟
- النهج الذي تتبعه المملكة مثلها في ذلك مثل كثير من الدول النامية في مواجهة بعض التحديات عادة ما يأخذ طابع الاعتماد على الزمن في معادلة المعالجة أي ترك الأمور للزمن الذي هو كفيل بحل هذه الاشكاليات ويبدو ان هذا النهج كان ناجحاً في بعض الحالات وفي أوقات معينة، وكما قلت فإن هذا هو السمة العامة، ومن يقرأ تاريخ معالجات القضايا يجد ان العامل الزمني وترك الأمور لتأخذ وقتها وأيضا عدم الاستباقية والمواجهة السريعة لهذه الأمور من سمات المنهجية العامة للدول النامية وبينها المملكة.
ولكن ايقاع العصر الحديث جعل هذه المنهجية غير ملائمة وغير كافية في التعامل مع الاشكالات والأحداث التي تواجه الأمم.
العولمة
* دكتور عبدالعزيز.. ماذا تعني بكلمة «ايقاع العصر الحديث» هل هي العولمة مثلاً؟
- أنا لا أريد ان استخدم كلمة «العولمة» فقط.. لأن كثيراً من الناس الى حد كبير يحورها الى معان مختلفة. لكني أعني ان العالم الذي كان يعيش في هذه المعمورة بشكل مقاطع معينة وبشكل غرف معينة وحدود معينة أي ان لكل دولة خصوصيتها ولكل بلد موقعه وبيته على سطح هذه المعمورة كبيته في حارته أو في مدينته عندما يغلق الباب لا يعلم أحد ما يدور داخل هذا البيت. هذه البيوت قُشِعت على مستوى الدول ونُزِعت الحواجز وأصبح الكل مكشوفا أمام البسيطة ولا يستطيع انسان ان يخبئ نفسه عن بقية العالم. هذا النوع من الحضور أو هذا الشكل الجديد للعالم جعل ايقاع العصر أكثر سرعة في التعامل مع القضايا ولا تستطيع وأنت في دارك أن تتخفى لأن الكل يراك ولم يعد هناك ما تخفيه.
لهذا فنحن في المملكة خصوصاً بالنسبة لأصحاب القرار والمواطنين والمثقفين يعرفون أننا لم نعد كغيرنا نعيش في ذلك البيت المغلق، وعلى هذا الأساس لابد أن تتناغم تصرفاتنا مع المبادئ العامة ومع كل ما هو عالمي. هذا هو المفهوم الحقيقي للعولمة عندما نتحدث عنها لأن كل شيء أصبح عالميا. ولكن هذا لا يعني على الاطلاق أن ننزع قيمنا وننزع تقاليدنا ونترك كل شيء ونتشبث بالمظاهر.. أبداً.. العولمة لا تعني ذلك..
أما قيمنا النبيلة والجميلة والرائعة فإن العولمة ستعطينا الفرصة أن نري العالم هذا الشيء الجميل الذي لدينا، مثل الانتماء العائلي وما يتبعنا من خلق كريم وانسانية لا تزال في شكلها الجميل والذي لم تؤثر فيها زوابع الحضارة المادية الكثيرة كل هذه الأمور جميلة ونحن نشعر بها عندما يأتي الغريب ويأتي الأجنبي الى بلادنا ونعرف مدى انبهاره بهذه القيم الجميلة.
إذن هذا الاطار العالمي الجديد اطار صحي لأنه يفرض علينا ان نتعامل بشكل قوي وجيد للتخلص من العادات والتقاليد التي تتعارض مع ديننا وقيمنا ومع الحضارة البشرية ونعمل على نشر وتطوير تلك القيم النابعة من ديننا وأصالتنا وتقاليدنا الجميلة التي قد يحتاجها العالم. من هذا المنطلق أقول وأصل الى نتيجة أننا لا نستطيع في المملكة العربية السعودية ان نتعامل مع الاشكاليات والتحديات التي تواجهنا اليوم بروح العصر وبايقاع العصر بالاعتماد على الزمن كعامل لحل الاشكاليات، علينا ان نأخذ بمنهج الاستباقية ومنهج التصدي لها والتعامل معها بشكل سريع.
اختلاف الرؤية بيننا والآخرين
* دكتور عبدالعزيز.. نحن الآن نعاني اشكالية ابراز هذه القيم الجميلة للآخرين لأنه للأسف ان الانطباع السائد لدى الآخرين ان هذه القيم لا تتماشى مع قيم ومناهج هذا العصر؟
- أنا أعتقد ان ما لدى الآخرين من فكر أو تصور عنا وعن وضعنا وعن سلوكنا ليس نابعاً كله من محاولة اساءة وتشويه لما نحن عليه، بمعنى آخر، أننا لا نستطيع القول ان ما يحمله الآخرون من وجهة نظر عن واقعنا أنه كله أمر خاطئ وكله أمر مبني على الاساءة ورغبة الاساءة الينا، أنا لست ممن يؤمن بهذه المدرسة أنا أؤمن بأن بعض الانطباع الموجود عنا هو نابع من تصرفاتنا وهذه حقيقة واقعة نعم أضاف الحاقدون وأضاف عليه من يكرهوننا سياسياً أو دينياً أو غيره أضافوا اليه ما أضافوا من أجل ان يروجوه ويجعلوا منه بضاعة يبيعونها ويسوقونها لتشويهنا نعم.. ولكن الأساس موجود في بعض تصرفاتنا.. وعندما أقول في بعض تصرفاتنا أعني تصرفات بعضنا ولا استطيع أن أحكم على المجتمع كله.. لكن ان تقول لي ان الصورة التي ظهرت وقدمت للخارج كُبِّرت وضُخمت فأنا أتفق معك..
ما أود أن أقوله إن آلية التعامل مع الاشكاليات والقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية يجب أن يكون منهجا يختلف عن المنهج القديم القائم على الاتكال على الزمن والانتظار لكي يأتي الزمن بحلولها. إنما يجب أن تكون المنهجية استباقية وتخطيطية، ونحن نعرف ان الوقاية خير من العلاج وذلك بعدم الركون الى الزمن. ويجب ان ننطلق من وعي شديد بأن هناك اشكاليات وعلينا التعرف على هذه الاشكاليات ورصدها وتقييمها ومعرفة حدودها وآثارها المباشرة وغير المباشرة والتعامل معها والبحث عن الحلول والقرار المناسب لها.
* إذن كيف نوجد هذه الآليات؟
- لا تستطيع معالجة هذه الأمور بدون أن يكون لديك آليات.. لأنك لا تستطيع ان تقول للطبيب عليك ان تجري العملية الجراحية قبل ان تعمل التحاليل اللازمة وتتوفر لك المعدات اللازمة وقبل أن تتخذ قرارك النهائي.
التحديات ومواجهتها
* دعنا نتحدث عن المستجدات التي تواجه المملكة وكيف نتعامل معها؟.
- هناك ثلاث قضايا أساسية سياسية - اقتصادية - اجتماعية تواجه المملكة دعنا نتحدث عن الاطار السياسي وما هي العناصر الأساسية في الاطار السياسي وفي المنظومة السياسية، هناك ثلاثة عناصرمعروفة وهي الجهة التنفيذية والجهة التشريعية والجهة القضائية هذا هو الاطار السياسي لأي مجتمع مكون من هذه العناصر السياسية الثلاثة.
والحكومة أو الدولة كجهة تنفيذية هي التي تقوم بتنفيذ الأمور والقرارات السياسية والقوانين والقواعد وتتأكد ان التنظيمات التي تنظم مسيرة المجتمع وغيرها انه يتم تنفيذها. والجهة التشريعية هي الجهة التي تمثل رأي الأمة.. ومن خلال الجهة التشريعية تعبر الأمة والمجتمع عن رأيها في كيف يريد ان يعيش الحياة الاجتماعية والاقتصادية، كيف يريد ان تنظم حياته التعليمية والثقافية والقانونية والسياسية والاقتصادية وغيرها من خلال منظومة من التشريعات والقواعد والقوانين، لأن المشرعين هم ممثلو الأمة.
* وماذا عن العنصر القضائي؟
- العنصر القضائي هو الذي يحكم في الاشكاليات، فعندما تأتي بقوانين وتطبقها على المجتمع تظهر اشكاليات في التطبيق وتظهر خلافات بين الناس وبالتالي القضاء هو الفيصل في الأمر.
* هل من اشكالية..؟
الاشكالية التي تواجهنا هنا استطيع ان أقسمها الى أمرين: أولاً أننا الى حد الآن لم نعترف بمبدأ الفصل بين السلطات.. أقصد الفصل بين هذه العناصر الثلاثة وهذا الفصل أمر مهم جدا في آلية الأداء السياسي ولابد من الفصل بينها إلا أننا الى الآن لم نصل الى عملية الفصل.. مع أنه هناك حديث يدور حول هذا الأمر.. ولكن رغم ان فوائد هذا ثابتة ولا جدال في هذه الفوائد.. ورغم بديهية هذا الأمر لم نطبقه وهذا من الاشكاليات الرئيسية.
* إذن كيف ترى تفعيل آلية الفصل؟
- كما ذكرت في بداية حديثي، يجب ألا نترك الأمر للزمن.. مع أني لا استطيع تطبيقها بين عشية وضحاها أو من الغد ولكنني لا أضعها في مخزن الزمن وأقول سيأتي عليها الوقت. الفصل يحتاج الى وقت ولكنه ليس أمراً مستحيلاً.. ولابد ان نسارع للنظر في هذه الأمور وكيفية تطبيقها. أما النقطة الثانية من هذه الاشكالية ان كل مكون من هذه العوامل الثلاثة يحتاج الى كثير من عمليات التطوير والتحديث.
تحديث النظام الإداري
* وما هو رأيكم في ضخامة الجهاز الاداري الحكومي ؟
- حجم الجهاز الحكومي كبير فمثلا حوالي 75% من ميزانية الدولة تذهب الى الرواتب والبدلات وهذا رقم كبير جداً وسواء اتفق المتفقون أو اختلف المختلفون على هذا الرقم لا يستطيع أحد أن ينكر ان حجم الجهاز الحكومي تعدى أكثر بكثير حجم الانتاج المطلوب منه والسبب في ذلك أننا قبل خمس وعشرين سنة كانت ميزانية الدولة ضعف الميزانية الحالية عندما كانت أسعار البترول مرتفعة ونتيجة لانخفاض أسعار البترول نزلت ميزانية الدولة الى النصف أو أقل، بينما الجهاز الحكومي الذي كانت تغذيه هذه الميزانية لم يتغير.. بل ازداد في الوقت الذي انخفضت فيه المشاريع الحكومية ففي الوقت الذي يفترض ان ينخفض حجم الباب الأول من الميزانية فقد ظل كما هو عليه بينما انخفضت الأبواب الأخرى المتعلقة بالمشاريع والخدمات وخلافها.. وأنا هنا مع الدولة في سياستها تجاه المواطنين وواجبها في تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن.. وهذا أمر أعرف أن الدولة لا تستطيع ان تتخلص منه.. ولكن ليس على حساب الوظيفة وليس على حساب الوطن وليس على حساب المواطنين.. لأنك عندما تنشىء جهازاً كبيراً.. فبدل ان يكون اثنان من الموظفين لإنجاز معاملة ما توجد به عشرة موظفين فأنت أثرت على المواطن في انجاز أعماله.
تطوير أداء موظفي الدولة
* هل تريد من الدولة تسريح الموظفين؟
- ليس كل من هو موظف هو في أمس الحاجة المادية للراتب.. فلماذا لا تقوم الدولة بتصفية هذه الأمور ومن هم لا يؤدون الخدمة ولا يخدمون المواطنين يخرجون من الوظيفة والذين غير قادرين على العمل تؤهلهم وترعاهم وذلك أجدى اقتصادياً من ان يبقى عالة على الدولة، ويؤدي الى خلق الكثير من المشاكل الادارية والبيروقراطية.
نظام التوظيف العام
* هذا يقودني الى سؤالك هل تعتقد أن نظام التوظيف في الدولة بحاجة الى إعادة صياغة؟
- يا سيدي الكريم لا نستطيع ان نعلق الأمر على نظام الخدمة المدنية.. لأنه حلقة في هذه السلسلة أو جزء من هذه المنظومة.. منظومة عدم وجود رؤية لمعالجة حجم موظفي الدولة الكبير، ويجب أن يكون الأداء الحكومي متوازيا مع الانتاجية ومع الكفاءة وعلينا ان ننظر ان الجهاز الحكومي هو عبارة عن شركة حكومية لخدمة المواطنين.. مثلا الموظف في وزارة الصحة هو مستخدم من قبل الوطن وتصرف عليه الدولة من خلال ميزانيتها وهذا الموظف.. يعمل لدى الدولة لدى الناس في قطاع الصحة لكي يؤدي خدمة للمواطنين.. فالوزير وغيره هو خادم يعني «مستخدم»، وما أريد أن أقوله ان الدولة قامت بوضع وزير وموظفين ودفعت لهم رواتبهم لكي يقوم بهذا العمل بأقل تكلفة وأفضل خدمة.. هؤلاء الموظفون الذين يعملون لدى الدولة والزائدون عن حاجتها على الدولة ألا تأخذهم وتقذف بهم الى الشارع.. بل عليها ان تعالج وضعهم فمن يحتاج الى تدريب واعادة تأهيل للعمل في القطاع الخاص عليها ان تهيئه لذلك ومن وصل منهم الى سن التقاعد فليتقاعد وينتهي من عمله، ومن هو فقير وعاجز ولا يستطيع ان يعمل عليها ان تؤمن له ضمانا اجتماعيا وضمانا صحيا.. كل هذه الأمور تدخل ضمن تلك المنظومة.. وهذا يعود بي الى الاشكالية التي ذكرتها بأن الدولة تعرف ان لديها اشكالية وان لديها تضخماً في حجم موظفيها وان هذا مسبب لكل مشاكلها.. ولكن أن نترك الأمر لعامل الزمن.. هذا ما لا أراه.
الخطأ الإداري
* دكتور عبدالعزيز، هل تعتقد ان هناك أخطاء في الجهاز الاداري الحكومي، إذا كان الأمر كذلك فكيف نواجهها؟
- مثل هذه الأخطاء تحدث في حكومات الدول النامية ونحن جزء من هذه الدول ولدينا مثلما لديها أخطاء، وما أود قوله: ان دراسات وأدبيات التنمية التي كانت في الستينيات والسبيعينات تركز على وجود رأس المال كعنصر أساسي في معادلة التنمية ومنظومتها تغيرت الآن.. وأصبحت تتجه نحو حجم الجهاز باعتباره ضمن أمور أخرى المعضلة الأساسية في منظومة التنمية للدول النامية وليس شح المال.
الاقتصاد السعودي
* دكتور عبدالعزيز دعنا نتحدث عن الجانب الآخر من التحديات التي تشير إليها.. وهو الجانب الاقتصادي وهو مفصل أساسي ضمن منظومة المستجدات التي تواجهنا؟.
- في الحقيقة أقول ان الاقتصاد لم يعد معزولا عن حياة الأمة وحياة البشر سواء الاجتماعية أو السياسية وغيرها، الاقتصاد في الحقيقة شريان الحياة ومتشابك ومترابط مع كل هذه الأمور.. لكن دعني أمر على بعض النقاط الأساسية في هذا المجال.. أولاً أريد أن أتحدث عن الادارة الحكومية للاقتصاد وسياساتها الاقتصادية والمالية. الاقتصاد السعودي لا يزال اقتصاداً حكومياً على الرغم من أننا في كل خططنا الاقتصادية وفي كل منهجياتنا وفي كل توجهاتنا نتبنى مبدأ الاقتصاد الحر وتطبق بالنسبة للقطاع الخاص أيضا مبدأ الاقتصاد الحر.. ولدينا قطاع خاص نسبيا جيد وواعد إلا أنه رغم ذلك فإن الاقتصاد السعودي لا يزال وبشكل كبير جداً تسيطر عليه الفعاليات الحكومية، وقد لا يكون الأمر صعباً جدا لاثبات هذا الأمر.. لأنك لو نظرت اليه من جانب آخر ورغم ما نتحدث عنه على مدى حوالي أربعين عاما من الآن من الخطة الخمسية الأولى ونحن نتحدث عن تنويع مصادر الدخل إلا أنه وبعد هذه السنين التي مرت ما يزال البترول هو المسيطر الأساسي وهو المصدر الأساسي للحياة الاقتصادية في بلادنا وهذه هي الحقيقة.. إذن فالبترول يشكل عصب الاقتصاد السعودي وحجر الزاوية وان أكثر من 90% من دخل الدولة يعتمد على البترول وفي بلد ليس فيها ضرائب ولا دخول أخرى.. إذن هذا الدخل الحكومي هو الذي يشكل هذا الاقتصاد، فإذا كان المصدر الأساسي والمحرك لهذا الاقتصاد هو البترول.. وهو مملوك للدولة فبالتالي فإن الاقتصاد مملوك للدولة.. هذا الأمر فيه تعميم وفيه تبسيط.
لكنه يشير الى الدور الأساسي للحكومة.. لأنها هي التي تتحكم في البترول.. وبالتالي الدخل.. وهي أيضا تتحكم في الميزانية التي هي في الأساس حركة الاقتصاد، هذا لا يلغي ان هناك قطاعاً خاصاً جيداً ومتفاعلاً وان هناك صناعات وطنية جيدة ولكن يبقى القطاع الخاص معتمداً على حجم الطلب الموجود في السوق الذي هو الأداة وهو المحرك للاقتصاد.. مثل الطلب على السلع والخدمات التي ينتجها ونحن نعلم ان التصدير لا يزال جزءاً بسيطاً نسبيا من اقتصادنا.. فإذن نحن ننتج للاستهلاك المحلي.. ومعروف ان دخل المواطنين أيضا يأتي من البترول.. إما على شكل رواتب أو أرباح للشركات التي تعمل للصرف على موظفيها.. فبالتالي الطلب كله آتٍ من عوائد البترول أو من الأرباح المتكونة من الشركات.. بمعنى ان الوقود الذي يعمل عليه القطاع الخاص بشكل كبير جدا يأتي من ميزانية الدولة.. وكلما كبر القطاع الخاص وتنوعت مصادره يقل الاعتماد على البترول.. ولكننا لا نزال الى الآن نعتمد على البترول وعلى الاقتصاد الحكومي.. ويمكن للقطاع الخاص ان يعيش فيما لو توقفت ميزانية الدولة سيعيش لمدة سنة أو سنتين بما لديه من مخزون ولكن لا يستطيع ان يستمر أكثر من ذلك بمعنى ان المنبع لابد ان يستمر في الضخ.
* معنى هذا ان القطاع الخاص لا يزال يعتمد كلياً على انفاق الدولة؟
- نعم.. نعم.. وحتى لو توقفت الدولة عن الصرف سنة أو سنتين كما ذكرت سابقاً أو حتى ثلاث سنوات يستطيع القطاع الخاص ان يسير أموره ولكن لو انخفضت ميزانية الدولة بنسبة 25% أو 30% أو 40% لمدة سنتين متتاليتين ستؤثر على القطاع الخاص بشكل كبير جداً على العموم أعتقد ان هذه أمور بديهية لا أريد أن أطيل فيها. أريد ان أصل من خلال هذا العرض ان الدولة لا تنتج ولا تبيع سلعاً.. مع أنها تمتلك أسهماً في سابك وغيرها من المؤسسات.. لكن الدولة تؤثر في ادارة الاقتصاد.. ولو أخذت كل المؤسسات الاقتصادية مثل وزارة المالية ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الاقتصاد والتخطيط ومؤسسة النقد ووزارة الزراعة ووزارة المياه والكهرباء.. هذه المؤسسات هي العصب وهي التي تدير وهي التي تؤثر على الاقتصاد، وهي التي تصدر القرارات والقطاع الخاص يلهث وراء هذه الوزارات ووراء المشاريع التي تطرحها هذه الوزارات.
* طالما ان هذه المؤسسات التي ذكرتها تمتلك القدرة والقوة التأثيرية على حركة الاقتصاد ما هي نوعية الادارة الاقتصادية في هذه المؤسسات؟.
- قلنا ان الاقتصاد السعودي مرتبط بشكل كبير بالسياسة الاقتصادية الحكومية وذكرت لك المؤسسات الفاعلة التي تؤثر في السياسات الاقتصادية.
* أعود وأسأل كيف تدير هذه المؤسسات الاقتصاد وما هي فعالياتها؟
- قلت إن السياسات والقرارات الاقتصادية التي تصدر من هذه المؤسسات هي التي تؤثر على القطاع الخاص.. ويشمل تأثيرها الانتاج والعمالة وتوزيع الدخل فتأثيرها يشمل كل شيء.
* أصدرت الدولة مؤخراً الكثير من التشريعات والتنظيمات في المجال الاقتصادي مثل المجلس الاقتصادي الأعلى وهيئة الاستثمار وأيضا نظام هيئة سوق المال.. كيف ترى هذه التنظيمات وكيف ترى فعاليتها؟.
- اعتبر نظام سوق الأوراق المالية نظاما متقدما وجيداً ولو أنه تأخر كثيراً مع وجود بعض النواقص إلا أنه نظام مفتوح يفضي الى قيام سوق أسهم وسندات جيدة كذلك أعطى الحرية لبعض المؤسسات.. ولا يمكن لنا ان نقول: ان أي شيء يصدر عن الادارة الحكومية سيئ ولذلك يجب ألا ندخل في غلط التعميم.. ورغم وجود الكثير من السلبيات إلا أني استطيع ان أقول: ان هناك جهوداً تبذل وهي جهود تعكس جهود واخلاص بعض الأفراد المسؤولين الذين استطاعوا ان يخرجوا عملا متميزاً.. وهنالك العديد من القرارات الجيدة التي تصدر من العديد من الجهات الحكومية.
وتشعر انها موجهة للاصلاح وان وراءها نية طيبة لأن هناك عناصر وطنية مخلصة نزيهة ونظيفة تقوم بعمل وطني رائع وهي تعبر عن مجهودات فردية وتعبر عن ذات مواطن مخلص.. أعود الى النقطة الأساسية في الموضوع وهي ان الادارة الحكومية للاقتصاد لا تزال دون الطموحات في إدارة هذا الاقتصاد بشكل يتماشى ويتناغم مع حجم الاشكاليات الاقتصادية الموجودة.. لأنها لا تزال ادارة تقليدية تعتمد على الوتيرة البطيئة وأيضا الاعتماد على الزمن ولا تعتمد المنهجية المكشوفة وأسلوباً لا يعتمد العلاقة المباشرة والقوية ما بينها وبين مؤسسات القطاع الخاص.. أعني انه ليس هناك مفهوم الشراكة ما بين المؤسسات الاقتصادية الحكومية وما بين القطاع الخاص الممثل بغرفة التجارية.
الشراكة بين الحكومة
والقطاع الخاص
* ما هو مفهوم هذه الشراكة في نظرك؟
- مفهوم الشراكة أنه لا ينطلق التعاون مثلا في اصدار قرار يؤثر على الانتاج وعلى الصناعات والخدمات.. هذا القرار لا ينطلق عند صدوره من الجهة الحكومية صاحبة القرار الاقتصادي من مبدأ الشراكة الفعلية والالتزام بالتعاون والالتزام بالتنسيق ما بينها وبين مؤسسات القطاع الخاص الممثل في غرفه وفي فعالياته. بل هو من باب المبادرة الفردية ولكنه ليس من باب الالتزام أو من باب القانون.. وهذا هو الشيء الملاحظ.. لأن السياسات الاقتصادية تنفذ وتطبق في القطاع الخاص ولأن المنتج والمشغل هو القطاع الخاص فلابد أن يكون هناك آلية ربط ما بين القطاعين كأن يكون هناك مجلس مشترك بحيث أنه عندما يصدر أي قرار وليس بالضرورة على مستوى مجلس الوزراء قد يكون القرار وزاريا أو على مستوى مدير عام وهذه القرارات أو التعليمات والتوجيهات التي يكون لها تأثير كبير على القطاع الخاص.. لذلك لابد من وجود آلية خصوصاً فيما يتعلق بالقرارات التي لها تأثير على الفعاليات الاقتصادية في القطاع الخاص بحيث يتم مراجعتها واعطاء وجهات النظر حيالها وبيان الآثار الايجابية أو السلبية في هذا الأمر وان يرفع للجهة الحكومية وعليها ان تكون ملزمة بموجب القانون الحكومي إذا كانت سليمة وهذا يدخل ضمن الآلية أي ألا يترك الأمر لمزاج ومدى ادراك المسؤول من عدمه.
* أليس الآلية متمثلة الآن في المجلس الاقتصادي الأعلى؟
- المجلس الاقتصادي الأعلى هو مجلس استشاري ويمكن ان يكون احدى الآليات.. ولكنه في الوقت الحاضر لا يصدر القرارات لأن مجلس الوزراء والوزراء هم الذين يصدرون القرارات.. إنما لابد أن تطرح جميع القضايا سواء ما يتعلق بالسياسات المالية أو السياسات النقدية الضرائب الرسوم الجمركية - العمالة.. كل هذه القضايا تؤثر على فعاليات القطاع الخاص. ومن المهم أخذ هذه الأمور في الاعتبار.. وخذ على سبيل المثال موضوع العمالة والاستقدام.. وأثر هذا الأمر على القطاع الخاص.. فعندك مثلا صاحب القرار في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وإذا افترضنا حسن النية فإنه ينظر الى القضية من منظور وضعه كموظف وقد يكون هذا الموظف لم يمارس الاقتصاد ولا يعرف أي شيء عن الاقتصاد لكنه مخلص في توجهه وله وجهة نظر في عملية الاستقدام وحسب فهمه للتعليمات وفهمه لسياسة الدولة ان الأمر يجب أن يكون كذا أو كذا لكنه في هذا القرار يؤثر على الفعاليات الاقتصادية وقد لا يعرف حجم التأثير السلبي لقراره الإداري هذا على الاقتصاد ولذلك يجب ان تكون هناك جهة محايدة تستطيع ان تنظر في الأثر الاقتصادي للقرارات الحكومية وأثرها على الآلية الانتاجية وعلى القطاع الخاص وفعاليات القطاع الخاص.
قيم الاقتصاد الحر
* دكتور عبدالعزيز.. ما هو مفهوم الاقتصاد الحر وما هي قيمه؟
- مفهوم الاقتصاد الحر ان كل من يسعى لتحقيق مصلحته الخاصة في الانتاج والربحية فإنه بذلك يحقق المصلحة العامة.. لكن هنا أمر مبهم وهو ان تحقيقك لمصلحتك الخاصة يكون ضمن الضوابط والقيم الحقيقية للاقتصاد الحر.. بخلاف ماهو قائم من سوء فهم كبير جداً لدى العامة عن مفهوم الاقتصاد الحر..
الثورة الصناعية
* ولكن يؤخذ على الاقتصاد الحر بأنه تغلب عليه المصلحة الفردية هكذا كان يروج أصحاب الفكر الشمولي؟ كيف تعلق على هذا؟.
- فيما يتعلق بالجانب الأخلاقي للاقتصاد الحر لم تكن مبنية على نظرية الاقتصاد الحر ولكن كانت على واقع الثورة الصناعية الذي كانت تمر به انجلترا في ذلك الوقت وهو الوقت الذي عايشه كارل ماركس وكتب فيه نظريته ضد الاقتصاد الحر لأنه كان يرى الوضع السيئ الذي كان سائداً إبان الثورة الصناعية في بريطانيا من استغلال للضعفاء واستغلال الأطفال وغير ذلك فموقفه لم يكن ضد النظرية بقدر ما كان ضد التطبيق في ذلك الوقت والتي طبقها على أنها تمثل الاقتصاد الحر والرأسمالية.. لقد انتهى ذلك الزمان وما أريد قوله ان الاقتصاد الحر ومنظومته والتي يعتبر رجل الأعمال هو الفاعل وهو المحرك الأساسي في النظام الاقتصادي الحر وإن ما يحكم رجل الأعمال في النظام الاقتصادي الحر مؤسس أيضا على قيم أخلاقية وان الاقتصاد الحر لا يعني عدم الاخلاق ولا يعني الفساد..
قيم الاقتصاد الحر
* أعود وأسألك ما هي قيم هذا الاقتصاد؟
- القيم التي بني عليها الاقتصاد الحر يأتي أولاً: المنافسة.. والمنافسة الحرة الشريفة وهو يعارض وبشدة عملية الاحتكار والاحتكار في مفهوم الاقتصاد الحر عندما يحتكر مجموعة من المنتجين صناعة معينة ويؤثرون على تلك الصناعة ويقومون برفع الأسعار على المستهلك. هذه من احدى القيم والمبادئ الأساسية التي يمنع فيها الاحتكار لأنه ليس في مصلحة المستهلك وهو يؤدي الى الابتزاز.. ويطالب الاقتصاد الحر بأن تكون المنافسة حرة وشريفة.. ويعني بكلمة حرة ان كل رجل أعمال يكون له الحق في الدخول الى السوق والخروج منه في أي وقت وألا تمنع عنه أي معلومة تتعلق بالانتاج .. وأيضا الاقتصاد الحر يجعل للمصلحة العامة قيمة. على سبيل المثال لا يؤيد ان يقوم صاحب المصنع بتلويث البيئة ونشر السموم في الهواء وهو يطالب أن على صاحب المصنع ان يدفع تكلفة لتأثيره على البيئة لحمايتها كذلك يطالب هذا الاقتصاد بايجاد قانون نزيه. يفصل ما بين الأمور وهو أيضا يطالب بعدالة السعر.. وما نعني العدالة في السعر.. معناها ألا يكون سعراً احتكارياً ولكن سعراً تنافسياً يعبر عن التكلفة الحقيقية لتلك السلعة.. وهو يمنع استغلال العامل ويحدد الأجور بأن الأجر يجب أن يكون موازياً للإنتاجية.. والاقتصاد الحر يقول أن السعر يجب أن يتحدد بالمنافسة الكاملة للمستهلكين وهو مرتبط بالتصويت الحر لأنه يرى ان السعر يحدد في السوق حسب تصويت المستهلكين .. فالسعر يحدده المستهلكون لذلك فالنظام الاقتصادي الحر في جانبيه الانتاجي والاستهلاكي يطالب بالحرية للمنتج وللمستهلك .
*.. هذا كلام رومانسي جداً عن الاقتصاد الحر..!؟
- هذا هو الاقتصاد الحر حقيقة.. .. لكن كلما توفرت حرية اقتصادية للانتاج وللاستهلاك كلما وجدنا بأننا أقرب إلى هذه الرومانسية وهنالك دائماً فرق مابين القيم والمبادئ وما بين التطبيق وكلما اقتربنا من تلك القيم والمبادئ تحققت الشروط الموضوعية المؤدية إلى تلك القيم.
الميزانية... والدين العام
* د.عبدالعزيز دعنا نتحدث عن بعض الجزيئات المكونة للمنظومة الاقتصادية ماذا عن الميزانية وكيف ترى تأثير الدين العام على أدائها؟
- تحدثنا منذ البداية عن اشكالية حجم القطاع الحكومي ولابد من تخفيض حجم هذا القطاع ليتناسب مع حجم المنتج ولابد أيضاً من تحرير ميزانية الدولة الذي يستهلك جلها الباب الأول وهو باب الرواتب ليكون هنالك مجال للفعاليات ولتطوير البنية التحتية ثانياً فيما يتعلق بالدين العام أعتقد أنه لابد من طرح برنامج محدد يكون هذا البرنامج قائماً على تخفيض تدريجي لهذا الدين ضمن مبلغ محدد يقتطع من ميزانية الدولة وهذا القرار يجب أن يكون نهائياً وغير قابل للتغيير إلا في حالات الكوارث الكبرى لاسمح الله أي أن يستقطع مبلغ معين أو نسبة معينة من ايرادات الدولة وهذا الأمر يذهب مباشرة لاطفاء هذا الدين.
التخصيص:
* ماذا عن برامج التخصيص التي تنفذها الدولة؟
مايتعلق بعملية التخصيص وهو نقل ملكية الفعاليات الاقتصادية الانتاجية من الدولة إلى القطاع الخاص وهنالك الكثير من الفعاليات التي تملكها وتديرها الدولة ولو أنها ضمن إطار مؤسسي محلي على شكل قطاع خاص وعلى سبيل المثال سابك وهي تدار كشركة ولكن الملكية والإدارة حكومية.. ولا أعتقد أن هنالك مايبرر أن تبقى الدولة تمتلك 70% من سابك.
* ولكن يقال إن احتفاظ الدولة بهذه النسبة الكبيرة في سابك أو في شركة الاتصالات أن المدخرات الوطنية ليس لديها القدرة لاستيعاب رأس المال الضخم في هذه الشركات؟
- هذا الكلام يحتاج إلى شيء من الايضاح فنحن ومن خلال مكتبنا (المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل) نحن الذين طرحنا سابك إلى الجمهور منذ حوالي العشرين عاماً.. ولو طرح في ذلك الوقت نسبة 50% من رأس المال لكان بالإمكان تغطيته كاملاً لأننا أعدنا كثيراً من المبالغ الفائضة عن الأسهم المكتتب فيها في ذلك الوقت.. لقد كان الإقبال أكثر بكثير من الأسهم وعليه اضطررنا إلى ارجاع الكثير من الأموال للمواطنين.. وهذا كان قبل حوالي عشرين سنة فما بالك الآن.. المال موجود والمواطن يستطيع إن لم يكن لديه مال أن يقترض من أجل الاكتتاب وأنا أعرف أن الكثير من أسهم الاتصالات غطت بالاقتراض.. وعندما تكون الفرصة جيدة ليس بالضرورة أن يكون لديك المال ومن الممكن أن تقترض..
* ماذا عن تخصيص الخطوط السعودية؟
- التخصيص من المصلحة أن يتم في أشياء كثيرة جداً منها.. الخطوط السعودية، السكك الحديدية.. ودعنا نقول جزءا من فعاليات القطاع البترولي أيضاً والغاز وكذلك الإعلام وأقصد بهذا الإذاعة والتليفزيون.
القانون التجاري:
* يؤخذ أيضاً في ظل الاشكاليات الاقتصادية من يتحدث عن عدم وجود قانون تجاري لايجاد الصبغة القانونية بالنسبة للقضايا الاقتصادية، ولسد الفجوة في هذا المجال هل لديكم رؤية حيال هذا الأمر؟
- لاشك ان الجانب الاقتصادي سواء المالي أو غير المالي جوانب لها وضعها ولها ظروفها ولها إطارها المهني والفني الذي قد يصعب على قانون عام لم يوجه أو يؤطر بوجهة تجارية يصعب عليه التعامل مع مثل هذه الأمور وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة إلى وجود قانون تجاري يستقي روحه ونصوصه ويستقي كل مقوماته من القواعد الشرعية.
إذن لابد من وجود هذا القانون التجاري وأيضاً القضاء والمحاكم التجارية التي هي أيضاً لها صبغتها التي تأخذ شيئاً من الصبغة التجارية في عملية الوقت والتعامل مع الوقت نظراً لأهمية عامل الزمن بالنسبة للتاجر.
الاستثمار:
* ماذا عملنا لتحفيز رأس المال الأجنبي لكي يستثمر في المملكة وهل ما قمنا به من خطوات كاف وكفيل لهذا التحفيز أم أن الأوضاع والأحداث الأخيرة أدت إلى إحجام في نفس الوقت تصدر العمالة الوافدة إلى المملكة مبالغ ضخمة جداً سنوياً خارج البلاد لماذا لا نحاول الاستفادة من هذه المبالغ بفتح أوعية استثمارية لاستيعابها؟
- دعني أقول إن المملكة العربية السعودية ليست في حاجة إلى رأس المال الأجنبي كحاجة الدول النامية الأخرى لها ولكل دولة ظروفها ولو أخذنا على سبيل المثال مصر التي هي في أمس الحاجة إلى رأس المال الأجنبي أي إلى ما نسميه بالتقليد (العملة الصعبة) ولكنها ليست في أمس الحاجة إلى العمالة الأجنبية لأن لديها العمال المهرة ونصف المهرة وقد تكون في حاجة إلى العمالة الماهرة جداً بينما نحن في المملكة لسنا في حاجة إلى الناحية المالية لكننا في أمس الحاجة إلى العمالة سواء غير الماهرة أو نصف الماهرة والخبرات.. رغم أنه أصبح لدينا طبقة جيدة على مستوى المواطنين الذين يستطيعون ان يحتلوا المراتب الإدارية العليا.
قد تحتاج إلى الجانب الفني والمهني وما أردت أن أدلل به من هذا المثال ان المملكة ليست في حاجة رأس المال الأجنبي ولكن هذا لايعني أننا لسنا في حاجة إلى المستثمر الأجنبي ويعني مفهوم المستثمر الأجنبي هو ذلك الإنسان الذي يأتي بالتقنية والنظام والأسلوب الإداري ويأتي بالفكر الإداري وبالمنظومة الإدارية الجيدة التي تعتمد الانتاج والانضباط والكفاءة والمحافظة على الوقت أي أن الانتاج ليس فقط رأس المال هذا المال قد يكون بالنسبة لنا أضعف الأمور لكن أنت تحتاج إلى ذلك المفهوم الإداري التقني التنظيمي التخطيطي التسويقي الشامل هذا ما نحن في حاجته وهذا يجعل من السهل علينا استقطاب المستثمر الأجنبي ولأنه يعز عليه أن يأتي بالمال.. لأنه يأتي لكي يأخذ ويأتي لكي يحقق أرباحا إنما هو يجلب الأموال إلى الدول المحتاجة لها من أجل أن يسترجع أكثر منها كأن يأتي بمليون لكي يأخذ خمسة ملايين وهذا شيء طبيعي ومنطقي فأنت عندما تقلل هذا الجانب المالي فأنت تخفف عليه ويكون من السهل علينا استقطابه.
مؤسسات المجتمع المدني:
* ماذا عن دور المجتمع وفعالياته وماذا يستطيع أن يقدم في الإطار العام لمنظومة المستجدات التي تواجهنا؟
- المجتمع لديه طاقات ولديه امكانات كبيرة يستطيع ان يساعد فيها الدولة ويستطيع أن يدعم الكثير من الجهود التي تقوم بها الدولة كما أنه يستطيع أن يدعم الكثير من الفعاليات التي تقوم بها الدولة ويستطيع أيضاً أن يقدم الكثير من الخدمات للبيئة الاجتماعية التي تعجز الدولة عن القيام بها.. أقول ان المجتمع لديه الكثير من القدرات الخيرية التي تأتي في مجال التبرع والعمل الخيري والعمل الأدبي والعمل القانوني.. ولذلك تسمى مؤسسات المجتمع المدني.
* ماهو مفهوم مؤسسات المجتمع المدني في ظل ايقاع العصر الحديث؟
- مؤسسات المجتمع المدني في العصر الحديث أصبحت من المؤسسات الفاعلة في إدارة المجتمع وفي تفعيل طاقاته والمفهوم الجديد لإدارة الشعوب هو تقليص إدارة الدولة لينحصر على الأمور الأساسية مثل الدفاع.. الأمن، القضاء.. وغير ذلك من الأمور الأساسية.
ويتفاعل المجتمع من خلال مؤسساته المدنية يفعل ذاته ويشارك في حركته وتطويره.. وهنا يأتي السؤال المنطقي: ما الذي يمنع المجتمع من القيام بتشكيل هذه المؤسسات بتكوين الجمعيات ويباشر نشاطه من خلالها بدلاً من قضاء الوقت.. على ماقالوا الشباب (في التفحيط) وهدره في أمور غير نافعة، لماذا لا يخصص جزء من هذا الوقت في العمل الخيري، العمل التطوعي والخيري بنشر الوعي.. بالآداب والفنون وبالتوعية وبمكافحة الجريمة وبرعاية الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.. والتوجيه والارشاد كذلك الجمعيات المتعلقة برعاية المسنين.. والرعاية الاجتماعية، كل هذه الفعاليات بإمكان مؤسسات المجتمع المدني المساهمة فيها.. لأن الدولة لا تستطيع أن تقوم بكل شيء نيابة عن المجتمع لأن الحياة تشعبت واتسعت بشكل كبير.
|