لغتنا الفصحى لغة القرآن الكريم.. ولغة الله سبحانه وتعالى يوم القيامة كما جاء في الاثر.. واستعمالها على وجهها الصحيح هو الدعامة لبقائها ونموها.. وقد نشرت جريدة الجزيرة الزاهرة.. مقابلة مع الاستاذ محمد بن سعد بن حسين في عددها رقم 328 وتاريخ 22- 11-90هـ ومعد المقابلة هو الاخ خالد كامل خطاب.. وهذه المقابلة تشمل آراء طيبة في مناح كثيرة من الادب والفكر.. تعتمل في نفس الاخ محمد وتدل على هواية متأصلة للفن الأدبي.
واطلاع حسن على أدب الساعة وحين أقارن ما جاء في الخطوط العريضة عن الاستاذية للادب والبلاغة.. ثم ما جاء في المقدمة من ان الاستاذ يحمل بين يديه الشهادة النهائية لكلية اللغة العربية، احب ان ابحث ما جاء في نقاط المقابلة من اجابة لامن حيث المغزى الفكري.. او الاسلوب الذي ربط بين هذا المغزى.. وانما من حيث البناء اللغوي، ولو لم تكن هذه الاجابة من رجال لم يعط المجال الأدبي نصيباً من جسمه ودمه.. لما كان لقلمي ان يلج هذه المعمعة.. وقد يكون ما جاء من تركيب مغلوط للجمل ناتجاً عن حسن نية.. او سهو.. ولكن قضايا اللغة لا يهد سورها سهو.. او عدم اكتراث.. ومن جانب آخر أرى في اجابة الاستاذ ما يدل بحرارة عن موقف مجيد للغة الفصحى والخوف على مصيرها.. ومن اجل هذا.. واستجابة لهتافات الامانة العلمية والاحترام لمشاعر القارئ.. احب ان اقف عند مواطن الخطأ.. واشير بصراحة واضحة الى صحة البناء الكلمي.. حتى نكون قد ادينا واجب الأمانة للغتنا وطبقنا ما علمناه «بكسر اللام» على أعمالنا الأدبية وسطورنا التأليفية.. ولئلا يبقى القارئ في متاهة الحيرة بين ما يتلقاه على مقاعد الدراسة، وأمام ما يقرؤه في الصحف، والاستاذ في اجابته يترجم عن انفعالات نفسية خاصة.. وتقييم خاص للقضايا.. وان كنت مؤيداً لبعض ما جاء في نصوص المقابلة من الناحية الفكرية، فلست مع الأستاذ فيما اوضحهه عن القصة. وامارة شوقي..
وبحث هذين الموضوعين يحتاج الى أكثر من هذه اللفتة العابرة والهدف من هذه السطور.. هو الدفاع عن لغتنا الحية النامية.. في قواعدها التي لا تقبل التحوير او الخضوع لرأي خاص، ومن جانب آخر لا اعفي معد المقابلة من المساهمة في هذه الأخطاء:
1- قال معد المقابلة «لكم رأيا في الشعر الحر والمنثور فما هو» والخطأ في كلمة «رأي» ومجيئها على هذه الصورة خطأ لا يمكن السكوت عليه. وذلك لان «لكم» جار ومجرور خبر مقدم ولهو شبه جملة و«رأي» لا «رأياً» مبتدأ مؤخر.. واتيان الجار والمجرور هنا قبل رأى وهي نكرة استعمال لغوي فصيح اذ لا يصح ان تتقدم على الجار والمجرور ولا يصح الابتداء بها وفي هذا يقول ابن مالك: ولا يجوز الابتداء بالنكرة ما لم تفد كعند زيد نمرة ويكون صحة العبارة «لكم رأي في الشعر.. الخ».
2- وفي إجابة الاستاذ محمد على السؤال الأول جاء قوله: «على ان هناك فرق بين ما حصل ايام العباسيين الخ» والخطأ هنا في كلمة فرق. فقد جاءت مرفوعة. والصواب نصبها.
لماذا؟ لان «أن» حرف توكيد ونصب - كما هو معروف - وهناك خبر ان مقدم. و«فرقا» لا فرق مبتدأ مؤخر وهو اسم ان. ومبتدأ في الاصل واسم ان بكسر الهمزة او فتحها يكون دائماً منصوباً.. سواء كان رتبته التقديم أو التأخير.
3- وفي الجواب عن السؤال الثاني: قال الاستاذ محمد: «ومن هنا كان تأثير الأدب في الدعوة واضح». والخطأ هنا واضح في كلمة «واضح» إذ جادت مرفوعة. والصواب نصبها استجابة لتأثير الناسخ وهو كان ولتكون صحة العبارة: «ومن هنا كان تأثير الأدب في الدعوة واضحا».
4- وفي الجواب عن السؤال الثالث جاء قول الاستاذ «بل ان التقليد ظاهرا» وصحة الكلام «بل ان التقليد ظاهر» لان كلمة ظاهر خبر «لأن» وخبر ان دائما مفروع بخلاف خبر كان فهو منصوب دائماً.
وكما سلف وفي الجواب نفسه جاء قوله «ولعل ذلك راجعا الى ما قلناه آنفا من ان ادبنا أدب ناشئ» والخطأ هنا في «كلمة راجع» فقد جاءت منصوبة والصحيح رفعها لانها خبر لعل. ولعل من أخوات ان وتصبح العبارة.. «ولعل ذلك راجع إلى الخ».
5- وفي الجواب الرابع جاء قول الاستاذ «وهذا العمل عملا جليلا شأنه شأن الاعمال الخ» والخطأ هنا في كلمة «عمل» اذ جاءت منصوبة الصواب رفعها، لأنها تكون خبرا للمبتدأ الثاني وهو العمل أما جليل فيجب ان تكون مرفوعة لانها صفة لكلمة عمل وتصبح العبارة «وهذا العمل عمل جليل الخ» وقد يحتج احد بأن هناك حذفاً اوتقديراً ولكن علماء اللغة اتفقوا «على ان ما لا يحتاج الى تقدير اولى مما يحتاج الى تقدير».
6- وفي الجواب الخامس: عطف الاستاذ كلمة «انفتاحا» على نضوج ولكنه رفعها اذ جاءت «ازداد فكره نضوجا وانفتاح». ولو قال «وانفتاحا لأصاب عين الحقيقة».
7- وفي إجابة الاستاذ عن كتاب - فصول من الفكر المعاصر - قال: ان فيه كثير من آراء الكاتبين والنقاد الخ.
والخطأ هنا في كلمة كثير حيث جاءت مرفوعة والصواب نصبها لانها اسم ان وتقدم نظير لها.
هذه هي الاخطاء التي وقعت في اجابة الاستاذ محمد احببت تدوينها وتدوين صحة بنائها وفقا لقواعد لغتنا السليمة التي أؤمن كثيرا: ان الاستاذ هو ممن يشدد قبضته على زمامها والبحث هنا أقرب الى لفت النظر من النقد الذي اعتبره هواة الأدب اليوم اوخازا تسد للكاتب.
ومع تقديري العميق للاستاذ محمد وشعوري بالسعادة للتعارف المجدد عبر سطور جريدة الجزيرة والله الموفق.
|