* الرياض بثينة العراقي:
لماذا نعتمد على الخادمة الأجنبية في منازلنا رغم سلبياتها الكثيرة؟!
تساؤل تطرحه المشكلات الاجتماعية الجسيمة التي خلفتها ظاهرة استقدام الخادمات من الخارج.
نعم لقد برزت الحاجة الملحة للخادمة في بعض المنازل لخروج المرأة للعمل ووجود بعض الآباء والأمهات المسنين والذين يحتاجون لعناية خاصة.
إلا أن عدم الدقة في اختيار الخادمات واختلاف ثقافتهم وأخلاقهم وبيئتهم عن عاداتنا وتعاليم ديننا أفرز العديد من المشاكل النفسية والسلوكية والأخلاقية بل والعقائدية لدى الأطفال.
كما أن قسوة المعاملة وعدم مراعاة إنسانية وحقوق الخادم من جانب البعض أسهمت بدور بارز في استفحال المشكلات...
وإذا كانت الحاجة والضرورة قد فرضت علينا الاستعانة بالخدم فلا بد من وضع ضوابط وحدود لتحري الدقة وحسن المعاملة وعدم ترك الحبل على القارب للخادمة للتصرف في جميع شؤون الأسرة ابتداء من الأطفال ورعاية شؤونهم وانتهاء بتلبية طلبات الزوج بمعنى ترك إدارة المنزل والتصرف المطلق للخادمة وبذلك تتخلى الزوجة على عرش مملكتها وتسلمها للخادمة لتسير دفة الأمور جميعها بدون رقابة من أي نوع..
لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يسخر بعضنا لبعض لتبادل المنافع وقضاء الحاجات.. لأن الناس يتفاوتون بين قوي الجسم صحيح البدن يستطيع القيام بكل متطلبات حياته بنفسه وبين ضعيف ومريض ومعاق ومن أدركته الشيخوخة يحتاج لمن يعينه على قضاء ضرورات حياته المختلفة.
الأطفال يدفعون ضريبة اعتماد الأم على الخادمة والمشكلات النفسية والاجتماعية بانتظار مستقبلهم
إن و جود الخدم في أي مجتمع ليس ظاهرة مرضية أو نمطاً سلبياً من أنماط المجتمع الإنساني.. فهذه طبيعة الحياة الاجتماعية.. ولا يكاد يخلو أي مجتمع في أي زمان ومكان من وجود الخدم سواء كانوا يعملون بأجر أو يعملون متطوعين لخدمة أقاربهم وذويهم..
ثم هناك المرافق العامة في كل مكان وكل مجتمع والتي تحتاج إلى الخدم مثل المنشآت العامة والمصالح الحكومية والفنادق والمستشفيات ودور الإيواء وغيرها فالخدم إذاً ضرورة اجتماعية واقتصادية تفرضها طبيعة الحياة الاجتاعية والظروف الاقتصادية.. ولا سبيل للقضاء عليها كظاهرة إنسانية أبداً.. وعلينا أن نؤكد أن الخدم ظاهرة اقتصادية واجتماعية فرضتها ظروف ومتغيرات الحياة الاقتصادية والاجتماعية وليست من صنع أفراد أو تلبية لمصالح فئات محدودة في مرحلة معينة.
مرحلة جديدة
ولقد كانت نهاية السبعينيات مرحلة هامة في حياة الأسرة السعودية حيث شهدت وفرة مالية.. ازدهرت بسببها المفاهيم وتطورت النظرة نحو مكونات المنزل وحجمه وأساليب إدارته، وتوافق ذلك مع اتساع مشاركة المرأة في العمل الوطني اثر تخريج آلاف الطالبات من الجامعات والمعاهد المتخصصة في شؤون الطب والتمريض والتعليم والتجارة والصيرفة والإدارة ونشأ عن الوضع الجديد حاجة ملحة إلى وجود الخادمة التي تقوم بأعباء المنزل وبخاصة الأعمال الصغيرة مثل أعمال النظافة والتجهيز والترتيب ومتابعة الأطفال الرضع وقت الدوام.
وزاد من الحاجة إلى العمالة المنزلية توسع حجم المنزل السعودي وتطور مفاهيم النظافة واتساع الدائرة الحضارية فيما يخص نواحي الجمال والزينة والذوق العام.
وزاد من اتساع الخدمة الحضارية نشأة الأطفال وترعرع الصبيان في بيئة ملتزمة بمعايير جديدة وقاسية فيما يخص المأكل والملبس والسلوك اليومي المطلوب للحفاظ على القيم المكتسبة.
وانفتح الباب واسعاً أمام استقدام العمالة المنزلية من الخدم والسائقين والمربيات.. وبدأت معطيات جديدة تلوح في أفق الأسرة السعودية حيث أصبح مفهوم «خادمة لكل سيدة» أمراً محتوماً لا مناص منه.
وتبلورت تبعاً لذلك مشكلات جديدة ولدت في بيئة العمالة المنزلية المستقدمة حيث هبطت الأسئلة على الأسرة لم تكن موجودة من قبل مثل راتب الخادمة وغرفتها وهداياها، وكيف تعمل ومتى تعمل وما هي ملابسها وكيف تحتشم إذا دخل رب الأسرة الذي ينبغي عليه أن يكون مؤدباً فلا ينزع شيئاً من ملابسه في بيته ولا يسترخي على الأريكة بطريقة غير لائقة ولا يدخل المطبخ والعمال يشتغلون ولا يخرج منه والخدم داخلون.. وفيما حملت الخادمة أعباء كثيرة، فرضت قيوداً كثيرة أيضاً حدت من حرية صاحب المنزل وربة البيت وأشاعت جواً مدرسياً يكاد يكون صارماً.
وقد ترتب على هذا التطور الجديد في المجتمع السعودي نشوء نشاطات اقتصادية جديدة مثل مكاتب الاستقدام الأهلية ووسطاء إنهاء التأشيرات وخدمات التعقيب وارتفاع عدد مكاتب السفر والمرافق الصحية الخاصة.
فهل هناك حلول ممكنة لكي نقضي على تلك السلبيات التي نشأت داخل كل أسرة أم ستكون لها آثار وإفرازات جديدة على المجتمع؟
سلب وإيجاب
ولكي نجيب على هذا التساؤل يجب أن نؤكد أن العمالة المنزلية لا يمكن اعتبارها عنصراً سلبياً في المجتمع وإنما هو ككل معطى جديد له من الإيجابيات الكثير وأيضاً من السلبيات التي قد لا تكون قليلة.
فلا يجب أن نطلق الحكم بصفة عامة على أنه إيجابي أو سلبي.. لأن الأسرة مكون عائلي صغير وخلية اجتماعية فيها بذور خير المجتمع والوطن.. ولها دور تربوي هام ولا يمكن أن نلغي دورها التربوي والاجتماعي بمجرد انضمام فرد لها.. لأن فعالية دورها تتوقف على مدى قيام أفراد الأسرة بمهامهم وليس على وجود هذا العنصر أو عدمه.
كما أن العلاقة التي تربط الخادم بالأسرة قد تكون علاقة عمل محدودة وقد تتطور إلى علاقة شبه عائلية وقد تكون علاقة إيجابية تحقق المنفعة المتبادلة ورضاء الطرفين، وقد تكون علاقة سلبية اضطرارية تنطوي على الكراهية والرغبة في الابتزاز.
والأصل في وجود الخدم هو تحقيق الفائدة للأسرة دون أي ضرر.. لكن الأمر الواقع أن للخدم سلبيات تختلف تبعاً لنوع الخادم وطبيعة ومكان عمله وصفاته الشخصية وأخلاقه وبيئته وثقافته العامة ومدى حاجته للعمل وكيانه الأسري وظروفه الخاصة بالإضافة لطبيعة وشروط التعاقد..
كل هذه العناصر تؤدي لوجود المشكلة أو عدمها..وفي كل التحليلات والكتابات التي تناولت ظاهرة الخادمة الأجنبية أكدت أن هناك ظواهر سلبية كثيرة نشأت.. وظواهر جدت أثرت على العديد من الأسر.ومن ذلك تلك الدراسة التي أجراها الدكتور محمد بن عبدالرحمن الخميس عن الخادمات وأثرهن على الأسرة والمجتمع.. حيث وزع استبياناً في بعض مدارس الرياض وأجريت الدراسة على ستمائة وخمسين أسرة وتوصلت إلى أن عدد الأسرة التي لديها خادمة من بين الأسر التي شملها الاستبيان بلغ 485 أسرة بنسبة 77%.
ما دورها؟
ولكن ما هو دور الخادمة أو المربية في المجتمع؟!
الدكتورة فريدة عبدالوهاب آل مشرف أستاذة التربية بجامعة الملك سعود تقول: بكل صراحة الخامدة لدينا تشارك في تربية الطفل فهي تقضي وقتاً طويلاً معه وتلبي طلباته، بل وأراها تحنو عليه تحتضنه وتقبله وتصحبه معها للنزهة وتلعب معه وتقضي معظم النهار معه في حالة عمل الأم..
فماذا بقي للأم والأب بعد عودتهما من العمل وهما في غاية الإنهاك؟ هل سيكون لديهما مزاج لتحمل بكاء وصراخ طفل ورعايته؟
لقد أوضحت البحوث التي أجريت في منطقة الخليج أن للخادمة تأثيراً سلبياً على الطفل والأسرة في المجالات التالية:
- القيم الدينية والثقافية.
- النمو اللغوي والاجتماعي.
- الأنماط السلوكية.
- الروابط والعلاقات الزوجية والأسرية.ويلزم البحث عن بعض الاقتراحات التي ستساعد على تقليل أثر الخادمة على أطفال الخليج.
ويرى الدكتور سامي الرافع أستاذ الخدمة الاجتماعية أن وجود الخادمة في المنزل بحد ذاته لا يمثل مشكلة في تربية الأبناء إن ظل الوالدان يحتفظان بدورهما الأساس في التربية ويبقى دور الخادمة متوقفاً على الدور الذي توليها إياه الأسرة فكلما تنازلت الأسرة متمثلة في الوالدين عن بعض أدوارها الاجتماعية والتربوية مثل طريقة الكلام ونوعه وطريقة الأكل وطريقة قضاء الحاجة بالنسبة للطفل وأسندت ذلك للخادمة كان تأثيرها أكبر وأخطر..
وكلما اتصف الوالدان بالحزم والمتابعة للتعليمات التي يوجهانها للخادمة حول طريقة التربية كان دورها ثانوياً.فأهمية الأسرة كمؤسسة تنشئة اجتماعية لا يقلل من دور وجود الخادمة بشرط أن تكون عملية الضبط الاجتماعي دقيقة صارمة من ناحية الأسرة.
تأثير مستقبلي
وحول رأي الطب النفسي يقول الدكتور فهد اليحيى استشاري الطب النفسي: وجود خادمات ومربيات الأطفال ظاهرة ليست غريبة، بالذات لو كانت الأم غائبة لسبب انشغالها، عملها، طلاقها أو وفاتها فلا بد من وجود بديل كمربية أو خادمة تتولى أمور الأطفال ولاسيما أن مسؤولية الأطفال مسؤولية كبيرة.
لذلك يجب على الوالدين الاهتمام بأطفالهما وتعويضهم وشملهم بالرعاية والعطف والحب والحنان والأمان.. المهم أن تكون الخادمة أو المربية مؤهلة لهذا الدور وأن تكون لديها خبرة في تربية الأطفال.. ويجب ألا يغفل الوالدان عن الرقابة المشتركة على المربيات والخادمات.. لأن الوالدين أوأحدهما لا يعلم كيف تتعامل الخادمة مع طفله أو طفلته.. مع العلم بأن الطفل يعجز عن التعبير أو الكلام فيتحفظ في عقله الباطن بأمور قد نجهلها فتؤثر عليه في المستقبل.
وهذا الأثر يبقى وقد يولد عنده إحساساً بالذنب قد يستمر معه فيفقد الطمأنينة وقد ينتابه اكتئاب يؤدي إلى اضطراب في الشخصية ويبقى الاضطراب فيه طوال عمره وبالتالي يفقد القدرة على تربية أطفاله تربية سليمة مستقبلاً.. وفي أوقات كثيرة نسمع أنا أحب هذا الشيء ولا أعلم لماذا؟ وبالعكس.. أنا أكره هذا الشيء ولا أعلم لماذا؟ سواء كانت صورة أو منظراً أو عطراً أو أي شيء آخر، ويعود السبب إلى احتفاظ العقل الباطن بأثر ذكرى قد تنسى مع الأيام ولكن يبقى الأثر وقد يعاني منه ولا يتذكر إلا بجلسات نفسية عديدة.
|