* الجزائر من رفعت سلام أ ش أ:
يمثل قرار علي بن فليس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بسحب وزرائه السبعة من الحكومة خطوة أخرى في مسلسل التصعيد في الأزمة السياسية الراهنة بالجزائر، وأول رد فعل منه على الضربات المتلاحقة التي يتلقاها منذ قرار إقالته في مايو الماضي وتسليم رئاسة الوزراء إلى غريمه الحزبي أحمد أويحيى . كما حصل بن فليس على ترشيح حزب جبهة التحرير الوطني للرئاسة في مؤتمر استثنائي يوم الجمعة .
وبدلا من موعده المقرر أمس السبت عقد المؤتمر يوم الجمعة في مقر الحزب بصورة مفاجئة بعد يوم من إصدار السلطات القضائية بيانا تعلن فيه ان المؤتمر غير مرخص به في أي جهة من البلاد.
وقبل هذه الخطوة المفاجئة نظر مراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى التطورات الجزائرية بقوله ان رئيس الوزراء السابق «الذي استغل المؤتمر الثامن للحزب لإحكام سيطرته عليه من القاع إلى القمة» لم يخف طموحه في منافسة رئيسه في الانتخابات الرئاسية القادمة في أبريل 2004 .. معتبراً الحزب طريقه إلى كرسي الرئاسة، وهو ما أدى به إلى التزام سياسة حزبية «عصبوية» خلال المؤتمر بتطهير اللجنة المركزية «ومستويات الحزب المختلفة» من غير الموالين له، وبعضهم شخصيات تاريخية ذات ثقل حزبي سياسي.
والمفارقة أن بن فليس «حين احتدم التنافر بينه وبين الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة» رفض تقديم استقالته من رئاسة الوزراء مفضلا أن تتم اقالته،ربما بحثاً عن تعاطف شعبي مفترض، أو إحراجاً للرئيس أو كسب لمزيد من الوقت الذي قد يسمح باستخدام الأداة الحكومية لتدعيم موقعه الحزبي والسياسي.
ولم يتأخرالرئيس بوتفليقة عن إقالته وتعيين غريمه الحزبى والسياسي خلفا له، ولم يقم بن فليس بسحب وزرائه الذين تعينه عليهم العمل مع رئيس الحزب المنافس كرئيس للوزراء.
ولم يمض شهر على قرار إقالة على بن فليس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، حتى بدأت حركة الانشقاق في الحزب على قيادة بن فليس بهجوم على بعض مقار الحزب في الولايات والاستيلاء عليها بعض الوقت ثم الانسحاب.
والأعضاء السابقون باللجنة المركزية للحزب ممن أقصاهم بن فليس في المؤتمر الثامن وقيادات وأعضاء بالبرلمان وبعض الوزراء هم ركائز الانشقاق، ولا يخفي زعماء حركة الانشقاق تأييدهم للرئيس بوتفليقة فيما بدا أن قرار الاقالة كان بمثابة ضوء أخضر لشق عصا الطاعة وإعلان المواجهة.
لكن الخطوة الفاصلة هي تشكيل قيادة للحركة برئاسة عبد العزيز بلخادم وزيرالخارجية والشخصية السياسية الحزبية ذات الثقل والتاريخ المشرف، ووضع برنامج عمل سياسي لها تقوم عليه لجان وتعيين قيادات بالولايات والفروع الأصغر.. خطوة فاصلة لأن «الحركة التصحيحية» للحزب أصبحت لها قيادة من الوزن السياسي الثقيل الذى دفع المترددين إلى حسم موقفهم والانضمام إليها على نطاق واسع.ووجهت الرئاسة ضربة لاحقة إلى معسكر بن فليس الحزبي «في اليوم التالى مباشرة لتشكيل قيادة الحركة» بإقالة صقور بن فليس في الحكومة وإحلال بعض زعماء الحركة محلهم لتصبح الأغلبية الوزارية خارجة عن سيطرة بن فليس صاحب «الأغلبية البرلمانية».
وفوجئت الأوساط الحزبية والسياسية برد فعل بن فليس المسالم إزاء الضربة العنيفة باحناء رأسه أمام العاصفة والصمت عن التهديدات السابقة بسحب وزراء الحزب من التشكيل الحكومي.
ولم يجد علي بن فليس الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني إزاء الضربة الجديدة باستخدام «الإجراءات» الإدارية والقضائية سوى لعب الورقة الأخيرة المتاحة في يده وهي سحب وزرائه السبعة الباقين من الحكومة التي تضم أكثرمن 30 وزيراً بعد اقالة وزرائه السبعة السابقين.
وهذا الرد كان ضروريا «على أية حال» للحفاظ على ما تبقى من كرامة معسكر بن فليس، رغم أنه عملياًَ لن يفيد المعسكر المحاصر في ركن الملعب السياسى بقدر ما سيزيد من مرارة الصراع.
فسحب الوزراء، لم يعطل برنامج الرئيس بوتفليقة في السفر «يوم الجمعة» إلى باريس للقاء نظيره الفرنسي جاك شيراك وافتتاح معرضين جزائريين ضمن أنشطة «سنة الجزائر في فرنسا».
وأرجأ بوتفليقة تعيين وزراء جدد بدلاً من المنسحبين إلى ما بعد عودته، لتخلو الحكومة الجزائرية تماما من أنصار بن فليس داخل الحزب.. فالوزراء إما أنهم ينتمون إلى الحركة التصحيحية بالحزب أو إلى حزب أحمد أويحيى أو بعض الأحزاب الصغيرة المشاركة في الائتلاف الحكومي.
لكن الخطر الحقيقي سيأتي خلال الأيام القليلة القادمة، لدى عرض الأوامرالرئاسية التي أصدرها الرئيس بوتفليقة خلال عطلة البرلمان على المجلس الشعبي الوطني حيث الأغلبية ما تزال بيد جناح بن فليس.فهل يصوت النواب ضد تمرير الأوامر الرئاسية، أم يؤثر جناح بن فليس عدم نقل الصراع إلى داخل البرلمان والاكتفاء بساحة الحزب الداخلية وساحة الحكومة.ولا بد أن صقور بن فليس بالبرلمان يعرفون أن السلطات الدستورية لرئيس الجمهورية تعطيه الحق في حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة ان رأى ضرورة لذلك.. وهو الحل الذي يتوقعه السياسيون الجزائريون إذا ما عارضت أغلبية بن فليس الحزبية الأوامر الرئاسية ورفضت الموافقة عليها.أما حل البرلمان واجراء انتخابات جديدة.. فسيخرج بن فليس وجماعته من الصراع السياسي بالضربة القاضية، فمن المتوقع في هذه الحالة أن يشمر «التصحيحيون» عن سواعدهم لاستبعاد أنصار بن فليس من الانتخابات بكل مستوياتها المحلية، وخاصة مع المكاسب اليومية التي يحرزونها حاليا على أرض الحزب وموجات الانضمام الجماعي إلى صفوفهم.. ومع جهاز حكومي ومحليات يسيطر عليها وزيرالداخلية القوي زرهوني الذي طالما اتهمه أنصار بن فليس بأبشع الاتهامات.شهر أكتوبر الحالي ربما يكون من أقسى الشهور.. في تقرير مصير بن فليس السياسي الطامح إلى كرسي الرئاسة بدلا من رئيسه القوي المحنك.. وخاصة مع إعلان المؤسسة العسكرية المتكرر عن عدم تدخلها في شأن الانتخابات الرئاسية القادمة.. ذلك الأمر الذي لم تعتد عليه بعد وربما لا تصدقه تماماً الأحزاب والأوساط السياسية المختلفة.
|