Sunday 5th october,2003 11329العدد الأحد 9 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شيء من شيء من
العراق والاستثمارات الخارجية
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

يقولون ان الشيخ راشد المكتوم، والد الحاكم الحالي، ومؤسس امارة دبي الحديثة، اتخذ في زمنه قراراً بالسماح للأجانب بتملك العقارات في دبي. فاحتج بعض الأهالي، ورفعوا احتجاجاتهم اليه، فرد الشيخ راشد بسخرية تحمل الكثير من العمق، وتشير الى ماكان يتمتع به هذا الحاكم الداهية من بعد نظر ورؤية اقتصادية ثاقبة قائلاً:«عندما ترون أجنبيا حاملاً عقاره على ظهره ويريد مغادرة دبي فأبلغوني!».
هذه العقلية الفذة، وهذا الانفتاح، وهذه الرؤية العميقة لأهمية استقطاب رأس المال الأجنبي في عملية التنمية الحضارية، هي في تقديري من أهم الأسباب التي أهلت تلك الامارة الصغيرة القابعة على ضفاف الخليج لأن تحتل هذه المكانة الاقتصادية العالمية المتميزة فيما بعد، والتي جعلتها الامارة العربية الوحيدة التي تسعى بجد وتمكن وبخطى حثيثة لأن ترقى الى مصاف دول النمور الآسيوية في المستقبل القريب. في حين أخفقت جميع دول بني يعرب اخفاقاً اقتصادياً ذريعاً، الأمر الذي جعل من «الفقر» والعربي صنوين لا يفترقان.
العراقيون في عصرهم الجديد حاولوا التحرر من المفاهيم الديناصورية العربية مثلما حرر الشيخ راشد بلاده منها، فأعلن وزير المالية العراقي كامل الكيلاني في دبي ان العراق الجديد يرحب برأس المال الأجنبي لتملك العقارات والمؤسسات الاقتصادية، باستثناء الموارد الطبيعية «كالنفط والغاز»، دون أن يُفرض عليهم شريك محلي أي ان بامكانهم تملك الأرض ووسائل الانتاج 100%. كما ان المستثمر الأجنبي سيعامل على قدم المساواة مع المستثمر المحلي كما هو العمل في الدول المتقدمة. عندها ثار الديماغوجيون العرب بكل ألوان أطيافهم واعتبروا ان ذلك تنازلاً للأجنبي عن أهم ما يملك الانسان وهو تراب «الوطن». فجاءت المقالات وصدرت الفتاوى، وانبرى المتخلفون للتنديد بهذه الخيانة التي لا يعدلها خيانة، فكيف يبيع الإنسان أرض وطنه؟..
أذعن مجلس الحكم الانتقالي لهذه الهجمة، وتخلى عن هذا القرار، مدعياً ان وزير المالية ليس مخولاً رسمياً باتخاذ مثل هذه الاجراءات، وان التعامل مع الاستثمارات من اختصاصات المجلس. فوأد الديماغوجيون العرب خطوة كان بامكانها ان تعجل من نهوض العراقيين اقتصاديا، بعد ان أثقل النظام البائد كواهلهم بالديون والالتزامات المالية. وبعد ان أتت الحرب الأخيرة، ناهيك عن بقية الحروب التي خاضها صدام دونما هدف أو غاية، على ما تبقى من البنى التحتية الخدماتية فخربتها تخريباً شبه كامل.
والغريب ان العروبيين وأعداءهم اللدودين الاسلاميين اتفقوا على هذا الموقف. فالعروبيون أعلنوا رفضهم لبيع الأوطان للأجنبي من حيث المبدأ، و«ابهروا» موقفهم بالقول: إن الصهاينة سيتصرفون في أرض العراق كما يتصرف الملاك في أملاكهم. في حين ان الاسلاميين اعتبروا ان قراراً مثل هذا سيمكن العدو الكافر من تملك أراضي المسلمين، وهذا في رأيهم لا يُجيزه الاسلام. أما المعضلة الاقتصادية، وتدهور البنية الخدماتية، وتفشي البطالة، وانتشار الفقر، والتخلف الحضاري، فكل تلك أمور لا تعنيهم، وليست لديهم بذات بال. المهم أن لا يخرج العراق عن شعارات العروبيين، ولا عن فقه الإسلاميين، حتى وان جاعوا وتعروا وتخلفوا مئات السنين..
والعالم اليوم أصبح كالقرية الواحدة، واقتصاديات الدول لا يمكن قياسها بنفس المفاهيم والمعايير السائدة في الماضي، فدول العالم في عصرنا الحاضر تتبارى وتتنافس على اغراء الرساميل الأجنبية للمشاركة في العمليات التنموية داخلها. حتى أضحت الاعفاءات الضرائبية يُخص بها الأجانب دون المواطنين، كل ذلك رغبة من تلك الدول في تشجيع الاستثمارات الأجنبية، بعدما أثبتت التجارب ان علاقة الرقي الاقتصادي بالاستثمارات الأجنبية هي علاقة طردية، إذا زادت هذه زادت تلك.. ورغم ان التاريخ، وبالذات في دول جنوب شرق آسيا، قد أثبت بما لا يدع مجالاً للشك هذه الحقائق، ورغم ان نجاحات مثل هذه السياسات لا يكاد يختلف عليها اثنان، يصر بنو يعرب في المقابل على تخلفهم، ويثبتون للمرة تلو الأخرى، ان علاقتهم بما يجري خارج نطاقاتهم الجغرافية، وأنساقهم الثقافية، هي تماما كعلاقة امرؤ القيس بهندسة الجينات الوراثية. ولله في خلقه شؤون!..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved