Saturday 4th october,2003 11328العدد السبت 8 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان لـ« الجزيرة »: المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان لـ« الجزيرة »:
منذ بداية الانتفاضة وحتى وقت قريب استشهد ما يزيد عن «500» طفل«95» % منهم طلاب
رصاص الاحتلال الثقيل وشظايا قذائف دباباته فجَّرت قلب الطفلة آية فياض

* غزة - بلال محمد أبو دقة:
كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف من مساء يوم السبت الموافق الثلاثين من الشهر الماضي، الطفلة آية فياض «عشرة أعوام» كانت تقود دراجتها الهوائية في الحي النمساوي الواقع إلى الغرب من محافظة خان يونس..استأذنت أمها في الخروج للحظات كي تشتري البوظة والشيبس من بقالة قريبة، واستوقفتها زوجة أخيها الوحيد طالبة منها أن تشتري لها ملح الطعام.. وما هي إلا لحظات بسيطة حتى اهتز الحي بأكمله من صوت القذائف، واخترق سمع عائلة فياض رصاص من نوع ثقيل، وسمع صراخ الأطفال.
نظرت والدة الشهيدة فاطمة عبدالله «52» عاماً من شرفة منزلها الواقع في الطابق الرابع من العمارة رقم «3» لتجد طفلتها غارقة في دمائها أمام مدخل البيت..
قالت الأم المكلومة ل«الجزيرة»: قتل اليهود طفلتي بدم بارد وسالت دماؤها قبل يوم واحد من بدء العام الدراسي الجديد، قطفوا زهرة آية التي كانت تملأ البيت بعطر طفولتها البريئة..
واستذكرت الأم آخر لحظات من حياة طفلتها قائلة: كانت آية قد أصرت على أن تشاركني صيام أول أيام شهر رجب، وقالت لي: سأذهب يا أمي لأشتري البوظة والشيبس لأتناولها بعد الافطار مباشرة، لأنه عندما تغرب الشمس يزداد الخطر نتيجة لاطلاق النار المتواصل من برج مراقبة مقام على مستوطنة «نفيه ديكاليم» التي لا تبعد عن حينا سوى مائة وخمسين متراً.. إنهم قتلوا طفلتي بشظايا صواريخهم وأصابوها في قلبها برصاصهم الغادر.. صرخت طفلتي قبل استشهادها بلحظات قائلة «ماما»..ومسحت الأم دموعها ولم تستطع أن تكمل حديثها لكي تواصل شقيقتها بسمة «14» عاماً الحديث قائلة ل«الجزيرة»: كانت آية شعلة من نور في بيتنا، كنا ننام بجوار بعضنا البعض، كانت توقظنا لصلاة الفجر، ومنذ استشهادها لم نصل على سجادة واحدة.. استهدف اليهود قلبها المفعم بحب الخير والوفاء.. وأشارت شقيقة الشهيدة بسمة التي تكبرها مباشرة إلى ملابس شقيقتها الشهيدة والتي علقت في خزانة بسيطة قالت: لم تفرح بملابسها وقرطاسيتها كانت تواقة لدخول المدرسة في العام الدراسي الجديد لكي تترفع إلى الصف الرابع الابتدائي في «مدرسة سهام الابتدائية» إلا أن رصاص الاحتلال وقذائفه أرقداها في قبر صغير بمقبرة شهداء محافظة خان يونس..
حياتنا في الحي النمساوي كالجحيم
فيما قال عصام فياض «33» عاماً شقيق الشهيدة الوحيد والمعيل لأحد عشر من أفرادها بعد أن توفي والده قبل ثلاث سنوات: أطلقت دبابة اسرائيلية ثلاث قذائف باتجاه البنايات في الحي النمساوي دونما أي سبب وأمطروا الأهالي بعيارات نارية ثقيلة أصابت قلب شقيقتي.. إن حياتنا في الحي النمساوي كالجحيم، ننام على صوت اطلاق النيران ونصحو مفزوعين على صوت القذائف التي أصابت العديد من البنايات المتاخمة لمستوطنة نفيه ديكاليم.. لقد أصابت قذائف الأحد تلال بيتنا أكثر من مرة، وتضرر بنسبة «60» في المائة، قبل يومين من استشهاد شقيقتي.. فقدت شقيقتي بسمة سمعها أكثر من عشرين ساعة من شدة انفجار قذيفة ارتطمت ببناية مجاورة لنا، وقبل عامين أصبت بشظية في عيني وقد سلمني الله لأطفالي الستة ولشقيقاتي السبعة، وأضاف عصام: بقينا نسكن في الحي المنكوب أهله لأننا لا نمتلك نقوداً للاستئجار في مكان آخر، لقد اشتريت الشقة بالتقسيط ومازلت أسدد الأقساط من راتبي الذي لا يتعدى ألف شيكل.. وبعد أن استهدف رصاص الاحتلال وقذائفه شقيقتي لن نعود للسكن هناك، لقد أصبح الخطر يهدد حياة أطفالنا.ومسحت تغريد فياض «29» عاماً زوجة عصام دموعها قائلة: كانت الطفلة آية تكبر عمرها في تصرفاتها ولبسها وحركتها، قبل استشهادها ذهبت إلى السوق ثلاث مرات لتشتري لنا لوازم البيت على دراجتها التي تحنت بدمائها، كان من المفروض أن ترافق الشهيدة آية طفلي محمود إلى المدرسة هذا العام خاصة أنه في الصف الأول، إلا أن روحها فاضت إلى خالقها لتخلد عصفورة من عصافير الجنة..
امتزجت دماؤها بالبوظة والشيبس
ولم تستطع رباب فياض «21» عاماً أخت الشهيدة حبس دموعها من شدة الأسى على شقيقتها الصغرى آية فقالت ل«الجزيرة»: بعد أن سمعت صوت القذائف والأعيرة النارية الثقيلة هبطت مسرعة من شقتنا إلى مدخل البيت فوجدت آية غرقة في دمائها، البوظة ساحت وامتزجت بالدماء، وعلبة الشيبس تحنت بدماء وأشلاء الشهيدة، وتجلطت دماؤها على الأرض؛ لقد قتلوا طفولتها.
فيما وقفت الطفلة ديالا أبو شمالة «عشرة أعوام» تبكي على فراق زميلتها آية، لم تفارق بيت العزاء طوال ثلاثة أيام، وقد أبكت الجميع وهي تودع صديقة عمرها..
وطوال فترة الحديث مع العائلة لم يتوقف زياد فياض «40 عاماً» عم الشهيدة عن البكاء قال ل«الجزيرة»: كانت زهرة يافعة، كانت نموذجاً طفولياً في الذكاء الخارق؛ إلا أن رصاص اليهود الحاقد قطف زهرتها، لقد تفحصت جثمانها الطاهر في مستشفى ناصر فإذا بتجويف كبير في صدرها وتهتك في ظهرها، وهذا يشير إلى أن الرصاص الثقيل وشظايا الصواريخ استهدفت قلبها مباشرة..
هذا وتلقت «الجزيرة» تقريراً من لجنة زكاة معسكر خان يونس يفيد بأن الطفلة آية محمود فياض اليتيمة الأب تلقت مساعدة الأيتام، وتحصلت قبل استشهادها بيوم واحد على حقيبة وقرطاسية المدرسة، وقال د. جميل مطاوع نائب رئيس اللجنة ل«الجزيرة»: كم تألمنا لفقدان الطفلة اليتيمة كانت تداوم على تلقي المساعدات من لجنتنا، فيما قال الأستاذ أحمد كُلاب المسؤول الإداري فيها: لم تمر سوى «24» ساعة على تلقي الطفلة الشهيدة مساعدتها من اللجنة كانت فياض تبتسم للحياة وفرحة من تلقي المساعدة الانسانية.
يستهدفون قتل أطفالنا
وقال د. حيدر القدرة مدير عام مستشفى ناصر ل«الجزيرة» وصلتنا الشهيدة آية في تمام الساعة السابعة من مساء السبت، وقد أحدث طلق ناري من عيار ثقيل وشظايا قذائف الدبابات فجوة في صدر الشهيدة اخترقت الحجاب الحاجز لتفجر قلب الطفلة البريئة ولتخرج ثاقبة الظهر ممزقة جسدها، وأضاف القدرة وصلنا أيضاً ستة مصابين منهم ثلاثة أطفال أصيبوا بالرصاص الحي وبشظايا القذائف جراح اثنين منهم في حالة الخطر.. ويبدو أن جنود الاحتلال يستهدفون قتل أطفالنا، وهذا يظهر من الاصابات بالرصاص الحي الذي يتركز في أغلب الأحيان على الأجزاء العلوية من أجسام المصابين..
وتوجهت «الجزيرة» إلى غرفة العناية الفائقة لتجد الطفل محمد كايد حماد «12» عاماً راقداً على سرير في حالة حرجة قال الطفل متألماً : كنت ألعب برفقة زملائي في النادي الرياضي المجاور لمستشفى ناصر، وفجأة أصبت في بطني وصدري برصاص اليهود..
وعلى سرير مجاور في نفس الغرفة رقد المواطن عبدالله سعيد أبو سمرة «50 عاماً» وهو يعاني من تمزق في القولون نتيجة لعيار ناري مباشر استهدفه بينما كان يسير في شارع مقابل الحي المستهدف.
وقال طبيب يشرف على علاجهما: إن الطفل حماد يعاني من اصابة في الظهر وتجويف في البطن، وأدت اصابته بالرصاص الإسرائيلي إلى ثقب في الأمعاء وفي الحجاب الحاجز.. فيما يعاني أبو سمرة من ثقوب في القولون وقد تمكنت الطواقم الطبية من السيطرة على نزيف حاد داخل البطن..
وقال عبدالحليم أبو سمرة مدير العلاقات العامة في المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ل«الجزيرة»: استشهد منذ بداية الانتفاضة وحتى وقت قريب ما يزيد عن «500» طفل فلسطيني «95» في المائة منهم من الطلاب.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved