* عرض ورؤية - علي العبدالله:
شهدت السينما المصرية تراجعاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة بسبب اعتمادها على الربح التجاري.. ولكن يبدو أن الجمهور المصري بدأ أكثر وعياً وإلماماً من ذي قبل فلم تعد تنطلي عليه الأعمال الكوميدية المستنسخة لأنه تشبع منها كثيراً. والدليل أن إيرادات الأفلام الحالية أخذت بالانخفاض.. ففيلم الفنان «محمد هنيدي» «عسكر في المعسكر» لم يُحقق الأرباح المتوقعة.. وكذلك فيلم الفنان «محمد سعد» في فيلم «اللي بالي بالك» لم يحقق هو الآخر إيرادات مرتفعة بعكس فيلمه السابق «اللمبي».. ويبقى الفيلم الوحيد الذي حقق أعلى إيرادات هو فيلم «سهر الليالي» الذي ضم أكثر من نجم وأعاد لنا أمجاد البطولة الجماعية.
وأريد هنا أن اتطرق بالنقد التفصيلي لفيلم «اللي بالي بالك» الذي شهد حضوراً سعودياً مكثفاً عندما بدأ عرضه قبل أسابيع قليلة في دور السينما بالبحرين.
المشهد الافتتاحي
منذ ظهور الفنان «محمد سعد» في المشهد الافتتاحي للفيلم ايقنت انه لم يتحرر بعد من حركاته المكررة لأنه يُريد إعادة إنجازه السابق بأي طريقة كانت.. واتضح في هذا المشهد بطء الايقاع الى ان جاءت قضية السرقة التي اتهم فيها «اللمبي» وأدخل السجن بسببها، لتظهر لنا شخصية مدير السجن الضابط «رياض المنفلوطي» وهو شبيه للمبي ولا أدري لماذا تبادر في ذهني لحظتها الشخصيات الساذجة التي كان يُقدمها لنا الراحل «اسماعيل ياسين» ولم انتبه إلا على خطأ فادح في تقمص الشخصيتين المختلفتين فملامح اللمبي الشاب العاطل الذي يتعثر بالكلام ولا يُحسن إخراج الحروف من مخارجها الصحيحة وبين شخصية الضابط ذي الشفة الواحدة! حيث ان اللمبي كرر بعضا من حركاته في شخصية هذا الضابط وتحديداً عند اجتماع الضابط مع السجناء.
وبرز في السجن مشهد من غير مُبرر درامي يُذكر وهو خروج أحد الضباط ليأمر السجناء بالانصراف بالرغم من أنهم اعُطوا هذه التعليمات من قبل.
الاقتباس الفاضح
تعودنا من السينما المصرية اقتباس بعض الأفكار من السينما الاجنبية سواء كانت صالحة ام رديئة.. فعشق الاقتباس بلوى أبتليت بها، ولكن ان يصل الأمر لسرقة لقطة من فيلم أمريكي فهذا يُعتبر استخفافا بعقل المشاهد الذي أتى ليتمتع بفيلم متقن اخراجياً على الأقل دون اقتباسات فاضحة، هذا بالاضافة الى اقتباس فكرة نقل الدماغ عبر العمليات الجراحية التي تبادل فيه اللمبي مع مدير السجن وكان هذا التبادل بشكل ساذج يخلو من المنطق العلمي في مثل هذه النوعية من الحالات الجراحية.
والعجيب في الأمر ان اللمبي أثناء وجوده على السرير الأبيض بعد العملية نلاحظه يقفز وكأن شيئاً لم يكن باتجاه الباب الخارجي للمستشفى، وكأن العملية لا تتعلق بمكان حساس كالدماغ وينبغي له توخي الحذر، وهذه أيضاً فاتت على المخرج «وائل إحسان».ولم يُحسن المخرج اختيار مواقع تصوير جيدة أو حتى استخدام تقنيات سينمائية عالية تساهم في إحداث نوع من الإبهار السينمائي للمتابع حتى في مشهد المطاردة الذي تم بين اللمبي ومدير السجن كان مشهدا أقل من عادي يخلو من عنصري الإثارة والتشويق بالإضافة الى بطء ايقاع هذه المطاردة الباهتة.
الحركات التهريجية
بالغ الفنان «محمد سعد» في إظهار خفة دمه بطريقة لم تنسجم مع أحداث الفيلم او سياق القصة فظهرت خفة الدم هذه بحركات تهريجية مستنسخة من فيلمه السابق «اللمبي» واتضح أيضاً أنه يحاول تقمص شخصية «عادل إمام» في فيلم «الهلفوت» مع إلهام شاهين دون وعي منه ان جمهور الثمانينيات يختلف قطعاً عن الألفية الجديدة.
ففي المشهد الذي يحاول فيه ان يتسلق الشجرة ممثلاً دور العاشق الولهان لزوجته ويسقط فيه أكثر من مرة بشكل ازعج المتابعين وأصابهم بالملل وكانت النتيجة سقوطه من أعلى على رأسه بشكل قوي دون أن يتأثر دماغه مع عدم مرور فترة طويلة على العملية.
عبلة كامل في دور هامشي
قدمت الفنان عبلة كامل مجموعة من الأدوار الفنية القيّمة والرائعة وكان آخرها دورها في مسلسل «أين قلبي» ولكني فوجئت بتواجدها في دور هامشي كان من الممكن ان تقوم به أي فنانة عادية وظهور عبلة اقتصر على مشاهد معدودة وكان ينبغي لها ان لا تُغامر في الاشتراك مع اللمبي في هذا الفيلم الذي أكمل مسلسل مسخرة السينما المصرية بعد «صاحب صاحبه، أمير الظلام، كلّم ماما، وعسكر في المعسكر».
الفكرة الإنسانية
تكمن الفكرة الإنسانية في تقديم صورة ابن البلد الطيب الأصيل الشهم عندما ساعد المساجين ورفض الرشوه.. وقُدمت بطريقة ساذجة لا تتناسب مع لغة السينما الحديثة.. فعندما أخذ اللمبي شخصية مدير السجن بدأ يعاملهم بشكل جيد ودود وخلق نوعا من الألفة والمحبة بين السجناء، وكذلك في أسرة الضابط التي كانت تفتقد لهذا الجو الأسري المرح. وقد استطاع المخرج استدرار عاطفة المشاهدين في مشهد تراجيدي عندما جعل مدير السجن «اللمبي» يسمح لأحد النزلاء المسنين بحضور زواج ابنه بالرغم من عدم حصول هذا على أرض الواقع.
متى نتطور سينمائياً؟
لا أدري متى سيأتي اليوم الذي سنتخلص فيه من الأفكار التجارية التي لا تجسد الواقع إطلاقاً.. فهل انتهت مشاكل المجتمع المصري ليتم تقديم مثل هذه الأفكار الباهتة التي لا تنسجم مع واقع المجتمع المصري والذي نريد ان نتعرف عليه بواسطة لغة سينمائية متميزة.. فهل يتحقق هذا؟
|