تعليقاً على ما ينشر في «الجزيرة» من مواضيع حول البطالة أقول: إن البطالة تؤرق جميع المجتمعات على مر العصور لا سيما المجتمعات الفقيرة والمكتظة بالسكان.. ومجتمعنا ولله الحمد مجتمع غني في ثرواته، مستحوذ على مساحة كبيرة ومتسعة من الارض فهي قارة واسعة، وسكانها ليسوا بالكثرة التي نشاهدها في المجتمعات الأخرى رغم اننا مقبلون على انفجار سكاني مع التغيرات الاقتصادية التي تحتاج منا الى إعادة النظر فيما نقوم به من ايفاد للعمالة الى بلدنا.. فالعمالة بدأت تفد الى بلادنا قبل الطفرة وتكاثرت أثناءها واعتمد رجال الاعمال وغيرهم عليها لانخفاض تكاليفها ولتوفر العمل في البلد بسبب التطور والنمو السريع في جميع المجالات سواء الصناعية منها او العمرانية. فبدأت هذه العمالة تزاحم المواطن على خيرات وثروات بلدنا فأصبحت فيما بعد سببا في اقصاء شبابنا من ان يحصلوا على أعمال تناسب قدراتهم وامكاناتهم وحاجاتهم في بلدهم مع تزايد اعداد الشباب العاطلين عن العمل والمؤهلين نتيجة زيادة عدد السكان والنمو السريع للبلد.. والتاجر بطبعه الاناني لا يبحث إلا عن العمالة المنخفضة التكاليف بغض النظر عن أي اعتبار آخر فالوافد يكفيه ما يقدمه له رب عمله من مرتب زهيد بالنسبة للمواطن لانه يعتمد على عملة قوية بالنسبة لعملة بلده تجعل منه ثريا في مجتمعه مع ما يوفر له من بدل سكن وإعاشة وعلاج وتذاكر سفر الى بلده وغيرها يفتقدها المواطن الذي يشكو من ضعف اجره اليومي الذي لا يسد حاجته نحو مواجهة متطلباته الحياتية في بلده في ظل العادات والتقاليد والروابط وارتفاع مستوى المعيشة مما سبب عزفه عن الأعمال المتوافرة له في القطاع الخاص والاتجاه فقط للأعمال الحكومية او التقوقع والخنوع والوقوع في براثن الاحباط مما فتح شهية العمالة الخارجية بالقدوم الى هذا البلد والرضى بما يقدم لهم من رواتب منخفضة الذي ادى الى زيادة اعدادهم الى ما يقارب الست مليون نسمة.
وهذا العدد الكبير من العمالة تنبئ بأن الأعمال في بلدنا ولله الحمد فيها وفرة عالية ربما تسد حاجة نسبة كبيرة من المواطنين ولكن للأسف تم سلبها من المواطن وتقديمها للوافد الاجنبي سعيا خلف وهم التكاليف المنخفضة وجشع ارباب العمل مع اغفال حاجة السوق وترك الشباب دون توجيه من قبل المسؤولين.. ولا يمكن ان نلقي اللوم كاملا على القطاعات الحكومية في عدم توظيف الشباب لأنه مهما توفرت بها الوظائف فإنها محدودة لا سيما وان الدولة تتجه نحو المؤسسات وخصخصة بعض القطاعات الحكومية مع ما نشاهده من تطور ونمو في هذا الوطن. فالقطاع الخاص له دور بارز في تطور مجتمعنا واستيعاب شباب البلد بتدريبه والاستفادة من طاقاته، مع المسؤولية الجسيمة التي تقع على عاتق الجهات الحكومية المعنية في التنظيم والتقنين لعملية توطين القطاع الخاص والتوازن بينها وبين استقدام الأيدي العاملة، ومن هذا المنطلق لا بد ان تكون هناك عملية فلترة او ترشيح للعمالة الوافدة. فمن المعلوم ان بعض رجال الأعمال يسعون للعمالة ذات التكاليف المنخفضة فهو لا يبالي بنوعية من يفد الى هذا البلد من حيث مستوى مهارته او صحته او سلوكه او غير ذلك، ولا يبالي ايضا بما تستنزفه هذه العمالة من اقتصاد بلدنا وتسريبها الى بلدانهم.
فلذلك لابد ان يتم إنشاء دائرة معينة موحدة تعمل على ترشيح العمالة وإحلال المواطن السعودي مكانهم وذلك بأن لا يقوم أي مستقدم بإيفاد أي عامل إلا بعد ان يتقدم الى هذه الدائرة لتقوم بتلبية وتوفير احتياجاته من العمالة السعودية اولا والتي تتوافر فيهم المهارة والقدرة والكفاءة والتي عملت على استقطابهم مسبقا عن طريق وسائل الإعلام المختلفة واستقبال أوراقهم ومعرفة رغباتهم ومن ثم عملت على توجيههم وتدريبهم واكسابهم الخبرة اللازمة بناء على ما يتطلبه ويستوعبه سوق العمل من كفاءات وقدرات ومن ثم يتم تصنيفهم وارسالهم الى القطاعات الخاصة وتلبية حاجتها بمواطن والعمل على إحلاله محل الوافد الذي طلبه رب العمل مع فرض راتب معقول يتناسب مع ساعات العمل الذي يؤديه ويتم تحديده وتقنيته بحيث لا يضر العامل ولا رب العمل مع عمل العقود اللازمة التي تحفظ حقوق العامل السعودي وصاحب المؤسسة وبذلك نضمن استيعاب العاطلين وتدوير اقتصادنا في بلدنا، واذا ما تعذر وجود المواطن المناسب لمزاولة العمل او المهنة المطلوبة فإنه بعد ذلك يتم ايفاد العامل من قبل هذه الدائرة ايضا عبر مكاتب لها في الخارج بعيدة كل البعد عن الاستغلال المادي او غيره «كما تفعله بعض مكاتب الاستقدام»، حيث تعمل هذه الدائرة على ايفاد واختيار المناسب من العمالة بعد معرفة مدي مهارتهم وكفاءتهم برسوم مناسبة يتم فرضها على صاحب العمل لقاء خدمة اختيار العامل المناسب وتطبيق الشروط والأنظمة المتبعة داخل بلادنا وبذلك نستطيع ان نحد من جشع بعض أرباب العمل باستقدام عمالة سيئة لانخفاض تكاليفها او لأي اعتبارات أخرى تخدم مصلحة الجشعين من أصحاب المؤسسات او مكاتب الاستقدام وبذلك تحصل عملية الفلترة للوافدين واستبدالهم بمواطنين او بايفاد المناسبين منهم.. فبهذه الدائرة يمكن ان نحصل على عمالة ماهرة نضمن بها سلامة مجتمعنا من ان تتم معاملته كفئران تجارب للعمالة الوافدة التي تأخذ الخبرة والمهارة وتذهب لبلادها جاهزة مدربة وماهرة على حساب جودة الأعمال داخل بلدنا نتيجة التدرب والتجارب وما ينتج عنها من افساد وتدني في الجودة، وبهذه العملية يتم سد باب التحايل على النظام، كما تتمكن الجهات المسؤولة من ان تكون على علم ودراية بكل عامل يفد الى بلدنا بتتبع تصرفاته وتحركاته ومكان تواجده وعمله وذلك بوضع ملف لكل وافد بحيث لا يتم إغلاقه إلا بعد إخلاء طرفه وترحيله.
كما تقلل من عملية التستر وتسيب العمالة التي تعمل لحسابها الخاص باسماء سعودية وهمية، وتعمل ايضا على الحد من هروب العمالة التي تكررت في الآونة الأخيرة.. ويتم ضمان المحافظة على حقوق العمالة التي ربما يبخس رب العمل هذا العامل حقه او يظلمه ويكون سببا في ان ينقل هذا العامل عن بلدنا ومجتمعنا سمعة سيئة التي ربما تسيء الى عامة المجتمع إذا ما عممت نتيجة نقل تصرفات سيئة من قبل افراد. مع ما يتم تحقيقه من هدف سام اتجاه الوطن والمواطن وهو التقليل او القضاء على البطالة واستغلال قدرات وامكانات شبابنا داخل بلدهم بما يحصل الاكتفاء الذاتي بإذن الله من العمالة.
والله من وراء القصد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
محمد بن علي القضيبي
البكيرية - مدرسة الحديبية
|