الزواج هو نواة المجتمع، وأصل وجوده، وهو القانون الطبيعي الذي يسير العالم على نظامه، والسنة الكونية التي تجعل للحياة قيمة وتقديراً.
وأنه هو الحنان الحقيقي والحب الصحيح، وهو التعاون في الحياة والاشتراك في بناء الأسرة وعمار الأرض.
الزواج سنة من سنن الله في الخلق، وهي الأسلوب الذي اختاره الله للتوالد والتكاثر، واستمرار الحياة، بعد أن أعد كلا الزوجين وهيأهما، فجعل اتصال الرجل بالمرأة اتصالا كريماً، مبنياً على رضاهما.
وعلى ايجاب وقبول، كمظهرين بهذا الرضا، وعلى اشهاد، على أن كلاً منهما قد أصبح للآخر.
وبهذا وضع للغريزة سبيلها المأمونة، وحمى النسل من الضياع، وصان المرأة من أن تكون مباحة لكل ذئب.
وبذلك تكون الزوجة الصالحة كنزاً يضاف الى رصيد الزوج فيضاً في السعادة يغمر البيت ويملؤه عزة وكرامة والزواج يُهدِّئ الغريزة الجنسية من الاضطراب، وتسكن النفس عن الصراع، ويكف النظر عن التطلع الى الحرام، وتطمئن العاطفة الى ما أحل الله.
والزواج هو أحسن وسيلة لانجاب الأولاد، وتكثير النسل، واستمرار الحياة مع المحافظة على الأنساب ثم ان غريزة الأبوة والأمومة تنمو وتتكامل في ظلال الطفولة، وتنمو مشاعر العطف والود والحنان والشعور بتبعة الزواج رعاية الأولاد يبعث على النشاط في تقوية ملكات الفرد ومواهبه. فينطلق الى العمل من أجل النهوض بأعبائه، والقيام بواجبه. فيكثر الاستغلال في تنمية الثروة وكثرة الانتاج، وتوزيع الأعمال فالمرأة تقوم على رعاية البيت وتدبير المنزل، وتربية الأولاد، وتهيئة الجو الصالح للرجل ليستريح فيه ويجد ما يذهب بعنائه، ويجدد نشاطه وعلى الرجل توفير ما يحتاج إليه البيت من مال ونفقات.
وما يثمره الزواج من ترابط الأسر، وتقوية أواصر المحبة بين العائلات وتوكيد الصلات الاجتماعية.
ولذلك فإن اختيار الزوجة المناسبة مهم فهي سكن للزوج، وحرث له، هي شريكة حياته، وربة بيته وأم أولاده ومهوى فؤاده، وموضع سره ونجواه.
وهي أهم ركن من أركان الأسرة، إذ هي المنجبة للأولاد، وعنها يرثون كثيراً من المزايا والصفات، وفي أحضانها تتكون عواطف الطفل، وتتربى ملكاته ويتلقى لغته، ويكتسب كثيراً من عاداته وتقاليده، ويتعرف على دينه، ويتعود السلوك الاجتماعي، فهي خير متاع ينبغي التطلع اليه والحرص عليه، وصلاح المرأة بالمحافظة على الدين والتمسك بالفضائل ورعاية حق الزوج، وحماية الأبناء، وفي تحديد المرأة الصالحة، أنها الجميلة المطيعة البارة الأمينة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «خير النساء من إذا نظرت اليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك».
فإن الدين هداية للعقل والضمير ثم تأتي بعد ذلك الصفات التي يرغب فيها الانسان بطبعه وتميل اليها نفسه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك» ويقول «تزوجوا الودود الولود» وهي المرأة التي تتودد الى زوجها وتتحبب اليه، وتبذل طاقتها في مرضاته.
ومما ينبغي ملاحظته أن يكون ثمة تقارب بين الزوج والزوجة من حيث السن والمركز الاجتماعي، والمستوى الثقافي والاقتصادي. فإن التقارب في هذه النواحي يعين على دوام العشرة، وبقاء الألفة. هذه المعاني التي أرشد اليها الاسلام، ليتخذها مريدو الزواج نبراساً يستضيئون به ويسيرون على هداه.
لنجعل من بيوتنا جنة ينعم فيها الصغير، ويسعد بها الزوج، وتعد للحياة أبناء صالحين، فعلى الزوج إكرام زوجته، وحسن معاشرتها، ومعاملتها بالمعروف وتقديم ما يمكن تقديمه اليها، مما يؤلف قلبها، فضلاً عن تحمل ما يصدر منها أو الصبر عليه ومن مظاهر اكتمال الخلق أن يكون المرء رقيقاً مع زوجته وإكرام المرأة دليل على الشخصية المتكاملة وإهانتها علامة على الخسة واللؤم لقول الرسول «ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم».
ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها وان يرفعها الى مستواه، وأن يتجنب أذاها، حتى ولو بالكلمة النابية، ثم أن على الرجل ألا ينسى مزايا الزوجة وفضائلها، ويتجسد في نظره بعض ما يكره من خصالها، بل ويجب عليه الموازنة بين حسناتها وسيئاتها، وأنه إذ رأى منها ما يكره - فإنه يرى منها ما يحب ويجب على الزوج أن يصون زوجته، ويحفظها من كل ما يخدش شرفها، ويثلم عرضها، ويمتهن كرامتها، ويعرض سمعتها لمقالة السوء،وهذه من الغيرة التي يحبها الله، ولا يمنع من تأديبها وارشادها الى الصواب إذا اعوجت في أي أمر من الأمور، وكذلك فإن من حق الزوج على زوجته ان تطيعه في غير معصية وأن تمتنع عن مقارفة أي شيء يضيق به الرجل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها» وأكثر ما يدخل المرأة النار، عصيانها لزوجها، وكفرانها إحسانه اليها، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «اطلعت على النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن العشير، لو أحسنت الى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط».
وكثيرا ما يتطلع الناس الآن الى المال الكثير، أو الجمال الفاتن، أو الجاه، أو النسب العريق في خطبتهم لأولادهم، غير ملاحظين كمال النفوس وحسن التربية. فيكون ثمرة الزواج مرة، وتنتهي بنتائج ضارة. لذا لابد للأسرة ولولي الأمر بالعودة الى تعاليم الاسلام فيما يتصل بتربية الفتاة وتنشئتها على الفضيلة والعفاف والاحتشام واحترام حقوق الزوج.
ولعل قصة خطبة «عمرو بن حجر» ملك كنده، أم «أياس بن عوف» لما حان زفافها إليه خلت بها أمها «أمامة بنت الحارث» فأوصتها وصية، تبين فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة وما يجب عليها لزوجها فقالت: احفظي له خصالاً عشراً، يكن ذلك ذخراً. أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة، وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح. وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة. وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله ورعايته وعلى خدمة عياله، وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير، وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً، فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره. ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتماً والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.
وفي الختام أتمنى أن يدرس في المرحلة الثانوية للبنين والبنات في مادة الفقه منهج تربوي يتعلق بقضايا الزواج ابتداء من الخطبة وعقد الزواج والمهر والجهاز وحقوق الزوجين وغير ذلك من أمور فقهية تكون عوناً لهم على مفهوم الزواج الناجح في المستقبل.
|