سؤالكِ يا أمَّاه، صَعْبٌ جوابُهُ
ثقيلٌ علينا لفظُه وخطابُهُ
سؤالكِ يا أمَّاه، سَهْمٌ مصوَّبٌ
تُصيب سويداءَ القلوب حِرابُه
سؤالكِ تيَّارٌ من الحزنِ جارفٌ
يُدَكُّ به صبري وتهوي هضابُهُ
«متى يَنْتهي هذا العناءُ» تَسَاؤلٌ
بعثْتِ به، والليل يَهوي شهابُه
ودمعُكِ يجري في دُجَى الليل ساخناً
يعبِّر عن حزنِ الفؤاد انسكابُهُ
وصرختُكِ الحرَّى دليلٌ مؤكَّدٌ
ينبِّه من غطَّى عليه ارتيابُهُ
«متى ينتهي هذا العناءُ»، إلى متى
يطول بشعب الرَّافدين عَذَابُهُ؟
وهل سيظلُّ المعتدي يحصُد الجَنَى
وينهش أعراضَ المكارم نابُهُ؟
وهذي الوجوه المكفهرَّاتُ بيننا
متى سيواري كلَّ وجهٍ غيابُهُ؟!
سؤالُكِ نارٌ يلفح القلبَ حَرُّها
فيزداد في قلب الحزينِ الْتهابُه
رأيتُكِ يا أمَّاه والبيتُ واجمٌ
تضيق بتجَّار الحروب رحابُهُ
تحاصرُه ذكرى «المَهيبِ» الذي طَغَى
وآتٍ غريبٌ لا يَسُرُّ ارتقابُهُ
رأيتُكِ والبيتُ الصغير مروَّعٌ
يُصَرْصِرُ من هول الفجيعةِ بابُهُ
رأيتُكِ والابنُ الوحيد مكبَّلٌ
وفي قبضة الباغي تُلَفُّ ثيابُهُ
يُسَاقُ أسيراً والمساءُ مُضرَّجٌ
بأَدْمُعِهِ، يبكي عليه شبابُهُ
وعيناكِ يا أمَّاه، نهرانِ من لَظَىً
وقلبُكِ يا أمَّاه، جَلَّ مُصابُهُ
وما حيلةُ الإنسانِ في العالم الذي
بما يَهتِكُ الأعراضَ يحكم غَابُهُ؟
سؤالُكِ ما زالت رَحاه تدور بي
وقد أَغلقتْ دَرْبَ التلاقي صِعَابُه
ولا خيرَ فيمن لا يَسوٌء ابتعادُه
محبِّا، ولا يُرضي المحبَّ اقترابُهُ
وما قِيمةُ الرَّوضِ الجميل، إذا جَفَا
بلابلَه شَدْوٌ، وصاح غرابُهُ؟
حنانَيْكِ يا أمَّاه بي، إنني أرى
مطالعَ فجرٍ، لن يطول اغترابُهُ
أُناشِدُكِ الرحمنَ أنْ تصرفي الأسى
بصبرٍ جميلٍ لن يضيعَ احتسابُهُ
عدوُّكِ يا أماه، طاغٍ مكابرٌ
ستهزمُه قبل الجيوش رِغابُهُ
وما اجْتَرأ المحتلُّ إلاَّ لأنَّه
رآنا على درب الخضوعِ نَهابُهُ
وما جاءنا جيشاً كريماً، وإِنَّما
تهاوى على المستنقعاتِ ذُبابُهُ
لقد ثار في أرضِ الفراتِ غبارُه
كثيفاً، ولم يُقْبِلْ إليها سحابُهُ
على ذُلِّهِ الباغي سيرتدُّ صاغراً
يحدِّثه عمَّا جناه اضطرابُهُ
إذا سار في البيداءِ عطشانُ جائعٌ
فلن يَصْرِفَ المأساةَ عنه سَرابُهُ
كأني بمحتلِّ العراقِ، وقد لَوَى
أَعنَّةَ مهزومٍ وتاهتْ ركابُهُ
إذا قدَّرَ المولى هزيمةَ ظالمٍ
تنادتْ بها جَيْئَاتُه وذَهابُهُ
أَيا ابْنةَ أرضِ الرَّافدين، عَدوُّنا
سيُرجعُه صِفْرَ اليدين انسحابُهُ
أيحسَبُ تاريخَ البطولاتِ يَنتهي
لأنَّ صَفيقَ الوجهِ هرَّتْ كلابُهُ
كأني بذرَّاتِ الرِّمالِ نَواطقاً
تقول، وقد أَعْيَا الحكيمَ جوابُهُ:
غداً ينتهي هذا العناءُ، إذا انجلى
عن الحقِّ في هذا الزمانِ حجابُهُ
رويدَكِ يا أمَّاه، فجرُكِ قادمٌ
فقد تَمَّ في أُفْقِ الإِباءِ نصابُهُ
نعم، نحن ما زلنا نرى وجهَ غاصبٍ
دماءُ الثَّكالى واليتَامى خضابُهُ
ولكنّنا أقوى، بنُصْرةِ خالقٍ
يُرَتَّلُ فينا كلَّ يومٍ كتابُهُ