الحمد لله الذي أمرنا باتباع رسوله وسلوك سبيله ونهانا عن الابتداع في دينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله حذَّر من البدع، صلى الله عليه وآله وأصحابه ومن تمسك بسنته وسلم تسليما كثيراً أما بعد.
فإن البدعة هي الطريقة المخترعة في الدين التي ليس لها دليل من الكتاب والسنة، يقصد فاعلها ومخترعها التقرُّب بها إلى الله عز وجل كإحداث عبادة لم يشرعها الله ولا رسوله، أو تخصيص وقت للعبادة لم يخصصه الله ولا رسوله صلى الله عليه و سلم لها، أو فعل العبادة على صفة لم يشرعها الله ولا رسوله، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالتمسك بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ففيهما الكفاية والهدى والنور قال تعالى: {فّمّنٌ اتَّبّعّ هٍدّايّ فّلا يّضٌلٍَ الا يّشًقّى"}.
فقد وعد الله سبحانه من تمسك بكتابه وعمل به ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، وتوعد من أعرض عن كتابه فقال تعالى: {)وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) }.
وأخبر سبحانه أن من أطاع رسوله فقد أطاعه، قال تعالى: {مّن يٍطٌعٌ پرَّسٍولّ فّقّدً أّطّاعّ پلَّهّ} وأن طاعة الرسول سبب للرحمة قال تعالى: {وّأّطٌيعٍوا اللّهّ وّالرَّسٍولّ لّعّلَّكٍمً تٍرًحّمٍونّ} وأخبر أن من عصى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو ضال متبع لهواه. قال تعالى: {(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ) }.
وتوعَّد من خالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالعقوبة العاجلة والآجلة فقال تعالى: {(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)}.
قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».
فكل عمل ليس له أصل في الشرع ولم يقم عليه دليل من السنة فهو من ابتداع المضلين.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الابتداع في دين الله وحذّر من البدعة، وبيَّن لأمته أن كل بدعة في دين الله ضلالة، فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وأن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة».
ففي هذا الحديث يحث صلى الله عليه وسلم على لزوم الجماعة والتمسك بالسنة، والابتعاد عن كل المحدثات في الاعتقاد والأفعال و الأقوال والأفكار والتي تؤدي للاختلاف ، فالنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لأمته كل ما فيه صلاح دينها ودنياها وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فالله أكمل لنا الدين قال تعالى: {اليّوًمّ أّكًمّلًتٍ لّكٍمً دٌينّكٍمً وّأّتًمّمًتٍ عّلّيًكٍمً نٌعًمّتٌي وّرّضٌيتٍ لّكٍمٍ الإسًلامّ دٌينْا}.
فالدين كمل بنص هذه الآية الكريمة والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين.
قال تعالى: {(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ }.
وقال صلى الله عليه وسلم للناس وهو يبلغهم شرائع الإسلام وأحكامه ويبين لهم الحلال والحرام وحرمة الدماء والأعراض وكل ما أمر الله به و نهى عنه ألا هل بلغت فيقولون نعم، فيرفع يده إلى السماء وينكتها عليهم ويقول اللهم اشهد اللهم اشهد.
وقد جاء النهي عن مجالسة أهل البدع عن عدد من علماء التابعين لأن صاحب البدعة، إما أن يقذف في قلبك بدعته بتحسينه إياها، وإما أن يمرض قلبك ويؤلمه لما تشاهد من أعماله، وتسمع من أقواله من الأمور المخالفة للشرع، ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله: لا تجالس صاحب هوى فيقذف في قلبك ما تتبعه عليه فتهلك أو تخالفه فيمرض قلبك.
وعن أبي قلابة قال: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من البدع فكان يقول في خطبه «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة».
وما ذلك إلا لخطر البدع وما تؤدي إليه من شرور وفتن.
ومن البدع المحدثة تخصيص يوم النصف من شهر شعبان بصيام وتخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام فليس لليلة النصف من شعبان ولا ليومها خصوصية على غيرها من الليالي و الأيام، فمن كان معتاداً لقيام الليل في سائر السنة فليقم في تلك الليلة كغيرها من الليال.
ومن كان معتاداً الصيام أيام البيض من كل شهر فليصم تلك الأيام من شعبان كعادته في شهور العام، وكذلك من كان يصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع وصادف ذلك يوم النصف من شعبان فليصمه على عادته تابعا لغيره، وهكذا من كان عادته أن يصوم غالب شهر شعبان كما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ولم أره صائما من شهر قط أكثر من صيامه شعبان». فمن اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم وصام غالب شعبان ومر النصف أثناء صيامه فلا بأس، لأنه في هذه الحال صار تابعاً.
وإنما الممنوع تخصيصه، أي تخصيص النصف من شعبان دون غيره.
وللبدع مفاسد عظيمة منها:
1- أنها تحل محل السنن، فكلما جاءت بدعة تركت سنة وهكذا حتى يقضى على الدين بالكلية، قال: صلى الله عليه وسلم «ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها».
2- البدعة تعتبر طعنا في الدين لأن الله سبحانه وتعالى يقول: «{اليوًمّ أّكًمّلًتٍ لّكٍمً دٌينّكٍمً} والمبتدع مكذب لله ورسوله فكأنه يقول بلسان الحال، إن الدين لم يكمل لأنه قد بقي عليه هذه الشريعة التي ابتدعها يتقرَّب بها إلى الله عز وجل.
3- ومنها أن البدع تعيد الجاهلية إلى حياة الناس فتورث التفرق والاختلاف.
4- ومن مفاسد البدع: أنها تفسد الدين الصحيح، وهذا ما يريده شياطين الجن والإنس من الكفار والمنافقين فأعداء الدين يحاولون إفساده بشتى الوسائل، وأهم سلاح يستخدمونه في ذلك هو البدع والخرافات ليشوهوا بها الإسلام ويغطوا بها وجه الدين الصحيح.
5- وللبدع أضرار على القلوب عظيمة، فما ابتدع قوم في دين الله بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها أو أشد كما ذكر ذلك بعض أهل العلم من السلف، والمبتدع متبع لهواه.
أخي المسلم تمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ففيهما النجاة والخير والفلاح في الدنيا والآخرة.
والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(*) مدير عام فرع الرئاسة العامة بمنطقة الحدود الشمالية بالإنابة.
|