* القاهرة مكتب الجزيرة - محمد العجمي:
على مدى خمسة أيام في منتجع كانكون المكسيكي عقد المؤتمر الوزاري الخامس لمنظمة التجارة العالمية وعجز عن تقديم بيان مشترك ليعلن فشله في التوصل إلى حلول بشأن القضايا الزراعية وسياسات الدعم التي تصل إلى 3 ،8 مليارات دولار غير أن الدول العربية نجحت في طرح رؤيتها حول انضمام الدول العربية وخاصة المملكة العربية السعودية التي حضرت المؤتمر كمراقب وطالبت الدول العربية بسرعة انضمام الدول للمنظمة وعدم فرض التزامات تفوق التزامات الدول الاعضاء خاصة أن الدول الراغبة في الانضمام تواجهها صعوبات كثيرة حيث خرجت المنظمة بالتزام 123 دولة باتفاقيات جولة اوروجواي في مؤتمر مراكش عام 1994 وحتى تاريخه لم يحصل عدد دول المنظمة سوى 146 بعد الموافقة على نيبا ل وكمبوديا، واكدت الوفود العربية على ضرورة انضمام السعودية التي تعد بلداً تجارياً رئيسياً، فشل المؤتمر في التوصل إلى بيان ختامي يطرح تساؤلات حول مستقبل النظام التجاري في ظل عدم رغبة الدول المتقدمة في تقديم أي تنازلات بشأن سياسة دعمها الزراعي وحول امكانية استمرار المنظمة أمام هذا الكم من الخلافات بين الدول الاعضاء، فقد كشفت جلسات المؤتمر عن انعدام العدالة في النظام التجاري الدولي متعدد الأطراف خاصة وأن الدول المتقدمة ترفض مطلبا شرعيا هو إنهاء سياسة الدعم الزراعي والتي تصل 3 ،8 مليارات دولار سنويا للدول الصناعية الكبرى وهذا التمسك بالدعم الزراعي يشوه الاسعار ويصبح الدعم الزراعي المفروط ونظام الحصص والقيود الكمية ودعم الصادرات الزراعية هي التي تقرر الأسعار وليس القارات التنافسية وما حدث داخل المنظمة يدل على افتقار المنظمة للشفافية وعدم تعبيرها عن مصالح الدول النامية الاعضاء في المنظمة.
خسائر فادحة
ما تقدمه الدول الصناعية من مساعدات ضخمة لمزارعيها يهدد أكثر من 97% من المزارعين في العالم الثامن واذا كانت الدول العربية تعتبر أكثر الدول استيرادا للمواد الغذائية وسياسة الدعم في صالحها إلا أن سياسة الدعم ألحقت خسائر هائلة بمزارعي الدول النامية التي تفقد صادراتها الزراعية 40% من قيمتها بسبب انخفاض الاسعار وعجزت عن تحقيق اي انجازات فيما يتعلق بحصتها في التجارة العالمية للغذاء طوال العقدين الماضيين حيث لاتزال هذه الحصة حبيسة نسبة لا تزيد مقدراها على 23% حسب منظمة الزراعة والأغذية (فاو) هذا في الوقت الذي تنفرد فيه الدول الصناعية بنحو 73% من تجارة الغذاء.
والغريب أن الدول المتقدمة وعلى رأسها أمريكا والاتحاد الأوروبي تطالب بثمن مقابل تقديم تنازلات في شأن الدعم الزراعي، ورغم أن أصابع فشل مؤتمر المكسيك تعلق في عنق الدول المتقدمة، فقد حاولت أوروبا ابعاد الفشل عنها بأنها أقرت العام الماضي سياسة زراعية جديدة تتضمن تخفيض الدعم المقدم للصادرات الزراعية وتخفيض الرسوم الجمركية على واردات الدول النامية بنسبة 15% والسماح بنفاد أكبر للمنتجات الواردة لاسواقها.
واذا كان المؤتمر الخامس فشل فان العوامل مازالت موجودة مما قد تؤدي لتشوية عمل المنظمة في الفترة القادمة فما هي متطلبات المرحلة القادمة؟ وما هي رؤية خبراء الاقتصاد والاعمال؟
الملف الزراعي
الملف الزراعي المتهم الرئيسي في فشل المفاوضات خاصة مع عدم رغبة الدول المتقدمة في التنازل عن دعمها للمنتجات الزراعية وهو ما يؤدي إلى تشوهات في الاسعار وتشير احصائيات منظمة التجارة العالمية أن القيمة الاجمالية للدعم الزراعي المباشر تصل في مجموعة الدول الصناعية الكبرى OECD إلى 318 مليار دولار عام 2002 بما تشكل 1 ،2 من قيمة الناتج المحلي الاجمالي لهذه الدول وكان المتوسط السنوي 302 مليار دولار في الفترة من 1986 إلى 1988 تشكل 2 ،3 % من النتاج المحلي الاجمالي وارتفع متوسطه السنوي إلى 315 مليار دولار في الفترة 2000 إلى 2002.
كما تشير تقديرات الدعم الزراعي الاجمالي في الدول الرئيسية بمجموعة الدول الصناعية الكبرى إلى ضرورة الاصلاح للتوافق مع قواعد منظمة التجارة العالمية حيث يبلغ 112 ،5 مليار دولار لدول الاتحاد الأوروبي في عام 2002 مقابل 110 ،7 مليارات دولار كمتوسط سنوي للفترة من 1986 إلى 1988 وحقق ارتفاعا ملحوظا في الولايات المتحدة الأمريكية ليصل إلى 97 ،5 مليار دولار عام 2001 و90 ،2 مليار دولار عام 2002 مقابل متوسط سنوي قيمته 86 ،5 مليار دولار خلال الفترة من 86 إلى 1988 وفي حالة كوريا الجنوبية، فقد ارتفع إلى 21 مليار دولار في عام 2002 مقابل 13 ،3 دولارا كمتوسط سنوي للفترة من 86 حتى 1988، وتقدر قيمة الدعم الزراعي المباشر للمزاعين بنحو 235 مليار دولار في عام 2002 وهو نفس معدل عام 2001 ويشكل ثلاثة أرباع الدعم الزراعي المباشر وغير المباشر وتخصص 17% من القيمة الاجمالية للدعم الزراعي للخدمات المساندة للزراعة في الدول الصناعية الكبرى ويصل الدعم الزراعي المباشر 31% من دخل المزراعين عام 2002 ويرى الخبراء أن الدعم الزراعي يشكل خللا لقواعد اقتصاديات السوق في مجموعة الدول الصناعية الكبرى حيث تتيح الفرصة للأقل كفاءة للبقاء في السوق اعتمادا على الدعم وخلافا لجميع قواعد المنافسة وخاصة أن التقديرات تشير إلى أن دخل المزراع في اليابان وكوريا الجنوبية والنرويج وايسلندا وسويسرا في ظل الدعم يصل إلى ضعف الدخل الذي يمكن أن يحققه اعتمادا فقط على معايير السوق الطبيعية دون دعم وعلى مستوى الدول الصناعية الكبرى فالمزارعون حققوا دخلا اضافيا نسبته 46% في عام 2002 نتيجة لسياسات الدعم وتظهر ضخامة الدعم في أن المزارع الامريكي الفرد يتلقى دعما سنويا مباشرا يصل إلى 360 الف دولار للقواعد المطبقة للسياسة الزراعية الجديدة المطبقة منذ عام 2002.
مواجهة الضغوط
يقول شفيق بغدادي وكيل اتحاد الصناعات المصرية أن هناك كثيرا من الموضوعات كانت مثار جدل في المؤتمر منها الاستثمار الاجنبي وسياسات التنافس إلا أن الموضوع الأساسي الذي كان محور خلاف حاد هو ملف الزراعة، فالدول الأوروبية والأمريكية تريد استمرار الدعم لمنتجاتها الزراعية والذي يصل إلى 3 ،8 مليارات دولار سنويا، مما يتيح لمنتجاتها الحصول على ميزة تنافسية كبيرة في مواجهة المنتجات الزراعية المثيلة للدول النامية بالإضافة إلى تشوه الاسعار لتطبيق العديد من الدول نظام الحصص لأعلى وارداتها للعديد من هذه المنتجات الزراعية خاصة من الدول النامية. مما يحد من حجم هذه الوادرات.
ويشير بغدادي إلى أن المرحلة القادمة بداية جديدة من المفاوضات لاتراعى فيها مصالح الدول النامية ويجب أن تأخذ الدول النامية ذلك في اعتبارها، موضحا أن الدول المتقدمة ستركز خلال الفترة القادمة على مراعاة مصالحها من خلال عقد اتفاقيات تجارية ثنائية مع الدول النامية فمن مصلحتها عقد اتفاقيات تجارية متعددة الأطراف ويشمل ذلك الاتفاقيات الاقليمية مع ضرورة استمرار التنسيق بين الدول النامية في الفترة المقبلة للتعامل في مجال المفاوضات التجارية الدولية من خلال رأي وموقف واحد، واكد أن اتحاد الصناعات سيبدأ مع اتحاد الصناعات المثيلة في الدول العربية للعمل على زيادة التعاون الصناعي والاستفادة من الخبرات المتاحة لتكوين قاعدة صناعية عربية بحيث تكون الأساس في تكوين تكتل اقتصادي عربي يتضمن تحقيق اقصى استفادة ممكنة من الطاقات الاقتصادية العربية الضخمة والمتنوعة بحيث يشمل ذلك تفعيل واستخدام الآلتين الجديدتين اللتين اقرهما مجلس الوحدة الاقتصادية العربية لتشجيع كل من الاستثمار والتجارة العربية مما يتيح مجالا لتكوين تكتل وقوة اقتصادية عربية تعتبر جزءا اساسيا ومهما في النشاط والمواقف الموحدة لمجموعة الدول النامية، وذلك في مواجهة مصالح ومطالب الدول المتقدمة حول قواعد ونظم التجارة العالمية في الفترة المقبلة.
خالد أبو إسماعيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية يثني على الدول العربية وموقفها في المفاوضات ومساندتها للدول الراغبة في الانضمام للمنظمة ويرى أن ما حدث في مؤتمر كانكون يؤكد على قدرة الدول النامية في الدفاع عن مصالحها كما أن عدم التوصل إلى اتفاق حول الملف الزراعي في مؤتمر لا يعني فشله أو انتهاء الحوار بين الدول وانما التفاوض بين الدول سيستمر سواء في جولات معلنة أو في اجتماعات منظمة التجارة العالمية ليتم التوفيق بين وجهات النظر، ويتوقع خالد أبو إسماعيل أن تمارس الدول المتقدمة في مفاوضاتها مع الدول النامية محاولات للضغط على كل دولة على حدة بدعوى حصول ديونها أو في صادراتها إلى دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مطالبا الدول النامية بالتنسيق فيما بينها والا تقبل مبدأ المفاوضات الفردية.
يرى الدكتور سامي عفيفي أستاذ الاقتصاد الدولي بجامعة حلوان أن الدول المتقدمة اخلت بتعهداتها بالنسبة لما التزمت به من تعهدات بنقل التكنولوجيا وتقديم مساعدات لإصلاح اقتصاديات الدول النامية وهو ما خلق شعوراً لدى الدول النامية بأن منظمة التجارة الدولية تتجاهل حيث لم تأخذ رأيها في اعداد جداول الأعمال بالإضافة إلى وجود خلافات أخرى كثيرة حول قضية اعتبار البيئة عنصرا من عناصر التجارة الدولية إلى جانب رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق قواعد تحرير التجارة العالمية على الاستثمارات الدولية وهو مطلب الشركات متعددة الجنسيات.
ويضيف أن فشل مؤتمر كانكون هو بداية لضبط إيقاع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وكما انه يعتبر نجاحا للدول النامية، فقد استطاعت أن تستفيد من تجربتها مع الدول الكبرى ولم تخضع لما تلوح به الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من مزايا تعود عليها بحدوث انفراجة ومكاسب تعود عليها بعد تحرير تجارة الخدمات تقدر بنحو 900 مليار دولار سنويا واصرت على التفاوض وجها لوجه.
|