يعتبر الكثيرون داخل الولايات المتحدة الامريكية وخارجها أن كتاب (Bush At War) بوش في الحرب) للكاتب (بوب وودوارد) أكثر كتبه إثارة للجدل، فبوب وودوارد من أشهر كتاب صحيفة الواشنطن بوست مجلة النيوز ويك وله رصيد 10 كتب قبل هذا الأخير، جميعها كما يقول النقاد تميزت بالجرأة وبوصفه أكبر مشاغب للبيت الأبيض.
وربما أحد لا ينسى أن بوب وودوارد حقق شهرته مع زميله (كارل برنشتاين) عندما أطاحا بالرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، لنشرهما عن (فضيحة ووترغيت) الشهيرة.. في جريدة للواشنطن بوست.
لكن كتابه الأخير بدا فيه بوب وودوارد وقد انقلب في موقفه من البيت الأبيض 180 درجة، ويفسر ذلك الصحفي الأمريكي (أندو فيرغسون) علانية في صحيفة (بلومبرغ نيوز) بأن ذلك ثمرة مقابلات صحفية بين وودوارد والرئيس بوش إحداها في مزرعة الرئيس بوش بولاية تكساس في شهر اغسطس الماضي واستغرقت 150 دقيقة، وأخرى في البيت الأبيض واستغرقت 90 دقيقة.
والذي قال عنها بعض المراقبين ان وودوارد حصل فيها على مكافأة من الرئيس بوش ومن الصحيفة التي يعمل بها مقابل ما نشره بعد 11 سبتمبر، ويقول فيرغسون إن الرئيس بوش تعلم درس الكتب والتأثير الذي يمكن أن تحققه في الرأي العام.. وأدرك بوش أن ساحة الكتاب السياسي هي ملعب بوب وودوارد ولذلك قرر ان يمارس هذه اللعبة.. فكان هذا الكتاب الأخير لبوب وودوارد هو تلك المكافئة حيث نشرت مجلة النيوز ويك التي تمتلكها الواشنطن بوست قصة كبيرة في حلقات عن هذا الكتاب كما حظي هذا الكتاب بتغطية واسعة من أهم محطات التلفزيون الأمريكية مثل (سي بي أس) أو (سي أن أن) في برنامجها الشهير (لاري كينغ) ولقد لعبت الواشنطن بوست دورا مهما في عملية الترويج الكبرى لهذا الكتاب الذي يقدم للرأي العام أفكار وسياسات الرئيس بوش في أروع صورة ممكنة.
كما واجه بوب وودوارد إتهاما صريحا عبر الصحف بأنه دعي الى البيت الأبيض ليقوم بكتابة سيرة نبيلة عن الرئيس، كما واجه كتابه الكثير من النقد لكونه لم يقدم إجابة على العديد من الأسئلة الهامة والجوهرية مثل ماذا حدث بالفعل بالنسبة للتحذيرات التي تلقتها حكومة بوش قبل هجمات 11 سبتمبر؟
هل تعمدت إدارة بوش عدم الدفع بقوات أمريكية إلى أفغانستان في بداية الحرب مما أتاح الفرصة لهروب بن لادن؟
لماذا بدأت واشنطن تغير اولوياتها منذ فبراير 2002م لتركز على العراق بدلاً من بن لادن؟
هل يعكس هذا التغير حيلة انتخابية أم استراتيجية عسكرية؟
كيف تخوض امريكا حرباً أخرى ضد العراق بينما ملف 11 سبتمبر والحرب ضد الإرهاب لم يغلق بعد؟
ومن أهم الانتقادات الموجهة من قبل الكتاب والمحللين السياسيين لهذا الكتاب، انه جرى العرف ان ينتظر المؤرخون والكتاب السياسيون أعواما عديدة حتى يستوعبوا ابعاد القرارات الخطيرة التي يتخذها الرؤساء والحكام خلال الأزمات الساخنة ويقيموها.. بينما بوب وودوارد قدم صورة ايجابية مبالغ فيها للترويج لأفكار وسياسات رئيس امريكي ما زال يجلس في المكتب البيضاوي.
كما يرى الكثيرون من المراقبين في الولايات المتحدة الأمريكية أن انضمام صحيفة مثل الواشنطن بوست وكاتب مثل بوب وودوارد الى تحالف بوش من أجل الحرب إنما يعكس اتجاها خطيرا نحو انضمام الإعلام الأمريكي إلى مؤسسة السلطة ليصبح احد اجهزتها أو وكالاتها، الأمر الذي قد تترتب عليه نتائج خطيرة بالنسبة لحرية الصحافة الأمريكية.
إن الفصل الجدير بالاهتمام ويحمل بعض المصداقية في هذا الكتاب هو الفصل الذي حمل عنوان (السلام مع إسرائيل مهمة مستحيلة) ولقد حمل عدة اتهامات لوزير الخارجية الأمريكي كولن باول أولها من (كارل روفا) كبير مستشاري الرئيس الامريكي للشؤون السياسية الذي اتهم باول بأنه خارج إطار الضبط السياسي، وأنه فقد الإيقاع، ويغرد خارج السرب، ويتصرف دون اعتبار للصلاحيات، مما جعل باول معزولا سياسيا لبعض الوقت، وحرمه البيت الأبيض من المقابلات التلفزيونية لفترة، وظل (رامسفيلد وتشيني) هما بطلا ماكينة الحرب الدائرة ومستعدين دائما لتجهيز البنادق وامتطاء الخيول.
وعندما احتد النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ووصل ذروة العنف اصبح الأمر يهدد بابتلاع الحرب ضد الإرهاب فأرسل الرئيس بوش (باول) إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة وقبل أن يلقي باول خطابه هناك وصلته عدة تحذيرات من نائبه وصديقه الحميم (ريتشارد أرميتاج) نقلها عن (كوندليزا رايس) التي حذرت من أن على باول تخفيف خطابه، وألا يتبرع بالتزامات حول المفاوضات المستقبلية مع الفلسطينيين، فلقد كانت هناك مخاوف لدى الإدارة الأمريكية بأن باول قد تخطى الحدود، ويميل أكثر مما يجب إلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وأن البيت الأبيض سيجهض مساعيه، كما ابلغه أرميتاج أن رايس قلقة من أنه ربما ألقى على كاهل الرئيس وعلى عاتق الإدارة الأمريكية التزامات اعمق مما يرغبون فيه. استشاط باول غضبا وقال إن كل واحد يريد أن يخضع الأشياء لمقاييسه الخاصة ولا أحد يريد أن تكون لديه الجرأة لمواجهة الواقع، يريدون أن ينحازوا إلى جانب إسرائيل ويتركوا لي الحقيبة الفلسطينية لأحملها وحدي، إنني أعمل في ظل محظورات كثيرة، إنني في مهمة مستحيلة. كما ابلغه بعض الصحفيين الامريكيين المرافقين له بأنهم سمعوا من مصادر إعلامية موثوق بها في وزارة الدفاع الأمريكية ومكتب نائب الرئيس الأمريكي، ان هناك مدفعية ثقيلة ستنطلق ضده.. وربما ذلك يفسر بشكل أو بآخر ما أعلنه باول مؤخرا بأنه لن يكون في الإدارة الأمريكية القادمة حتى لو فاز بوش بفترة رئاسية جديدة.
فإن كان باول وهو وزير الخارجية الأمريكي المخضرم ورجل عسكري قبل ان يكون سياسياً يرى أن مهمة السلام مع إسرائيل هي (المهمة المستحيلة) نظرا لعدم حيادية الوسيط بل انحياز الوسيط وراعي عملية السلام بشكل مطلق لإسرائيل، وإن كان بوب وودوارد المتهم بالترويج لسياسة الإدارة الأمريكية اليمينية المتطرفة الحالية وتبرير أفعالها في كتابه الأخير يعترف بأن مهمة السلام مع إسرائيل هي المهمة المستحيلة، ويعترف هو الآخر بانحياز الوسيط ويفرد لذلك فصلا كاملا في كتابه.
فعلينا أن نطرح السؤال الكبير.
هل كانت تلك الحقيقة وهذا الواقع غائبا عن أمتنا وننتظر (كولن باول) أو (بوب وودوارد) كي يضعاه نصب أعيننا؟
*عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس: 6066701
ص. ب 4584 جدة 21421
|