فإن قصة بداية هذه المسابقة العظيمة، المسابقة الدولية لحفظ القرآن الكريم، وتلاوته، وتفسيره، تعود إلى ربيع الأول من عام 1397ه عندما عقد ملتقى لتلاوة القرآن الكريم، ومن خلال الاقتراحات التي تم تقديمها في هذا الملتقى جاءت فكرة إقامة منافسات سنوية لتلاوة القرآن الكريم، وتبنت وزارة الحج والأوقاف آنذاك هذه الفكرة، وعرضتها على خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه الذي كان حينئذ نائبا لرئيس مجلس الوزراء، فأصدر قراره ذا الرقم 5/5/15626 المؤرخ في 4 رجب 1397ه بالموافقة على ذلك، وأعد هيكل عام لهذه المسابقة، ورصدت لها ميزانية تبلغ مليونين، وثلاثمائة ألف ريال.
واختيرت مكة المكرمة لتكون حاضنة لهذه المسابقة الجليلة، وأي مكان أحق باحتضان هذا الحدث العظيم من مكة المكرمة؟!
فهي المكان الذي شهد أول نزول الوحي في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بجوار بيت الله العتيق الذي هو أول بيت وضع للناس لعبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ، )فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) }.
وإنما أوردنا قصة بدء هذه المسابقة؛ لما تشتمل عليه من دلالات ذات مغزى عميق:
أولا: إن المملكة هي أمل المسلمين، في تحقيق طموحاتهم، وآمالهم، ولذلك اتجهت أنظار العالم الإسلامي إلى المملكة في تحقيق أمنية إقامة المسابقة.
ثانيا: إن المملكة كانت وما زالت ونسأل الله أن تظل دائماً عند حسن ظن المسلمين أينما كانوا، فهي لم تخيب أمل أهل القرآن في إقامة مسابقة القرآن العالمية.
ثالثا: إن خادم الحرمين الشريفين حفظه الله كان منذ نعومة أظفاره سباقاً إلى المكرمات، مسارعاً إلى كل ما فيه خدمة الإسلام والمسلمين، وعلى وجه الخصوص كل ما يتصل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقد توج حفظه الله تلك العناية المنقطعة النظير بكتاب الله تعالى، بإنشاء أعظم صرح علمي شهده التاريخ لخدمة كتاب الله، وطباعته، وتفسيره، وترجمة معانيه إلى مختلف اللغات العالمية، ونشره في جميع أنحاء العالم، ذلكم هو مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة.
ولا عجب أن ينال كتاب الله تعالى هذا الاهتمام من ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية، فهو أعظم الكتب السماوية، وأكملها، وخاتمها والمهيمن عليها، كما قال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ }، فأخرج الله به الناس من ظلمات الخرافات والجهل والشرك، إلى نور الحقيقة، والعلم، والإيمان، والتوحيد، كما قال تعالى: {(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) }، وقد أثبت الواقع والتجربة العملية أن التمسك بهذا القرآن العظيم هو سبيل النجاة، وطريق السعادة في الدنيا والآخرة، وأن عدم العمل به، هو سبب الشقاوة، والضلالة، مصداقاً لقوله تعالى: {(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ ولا يّشًقّى"، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) }.
وقد كان من ثمار تحكيم المملكة العربية السعودية لكتاب الله، أن عمَّ فيها الأمن والأمان، وانتشر العدل، والاطمئنان.
وهذه المسابقة الدولية التي مضى على ولادتها ربع قرن من الزمان، تعد من الشواهد الناصعة على مدى ما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني حفظهم الله ورعاهم من عظيم العناية وفائق الاهتمام للقرآن الكريم، وعلومه. هذه المسابقة التي صارت تحمل اسم الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله تقديراً وعرفاناً بفضل هذا الملك المجاهد، الذي وحد بلاد الحرمين الشريفين على هدي القرآن، وربى أبناءه الكرام على آداب القرآن، وكان هو وأبناؤه من بعده أسوة حسنة للشعب السعودي في التمسك بالقرآن.
نسأل الله عز وجل أن يديم على هذه البلاد نعمة التمسك بهدي الإسلام، والاعتصام بالسنّة والقرآن، في ظل القياة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني حفظهم الله ورعاهم .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
*وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد للشؤون الإدارية والفنية
|