قرأت ما كتبه الأستاذ صالح العبدالرحمن التويجري بعنوان «الإبل فتكت بالبشر فأين أصحابها» وقد أبدع كعادته في كتاباته الهادفة والقيمة..
الإبل والجمال من أشهر حيوانات الجزيرة العربية.. أوجدها الخالق سبحانه وتعالى في هذه الصحاري الجافة والقاحلة.. لتكون مركباً ولحماً ولبناً.. تتحمل أقسى ظروف الحياة وتأكل الأشواك وتمشي فوق الرمال في جمارة القيظ.. وجدت مع العربي في صحرائه.. يحدو معها حداءه المميز.. ويركبها.. وتحميه ويحميها.. جميلة الخلقة ممشوقة القوام.. تمخر عباب الصحاري ما سميت سفينة الصحراء.. ويا للعجب فقد قيل إن شركة أرامكو السعودية قد فشلت في تصميم سيارات تمخر عباب الصحراء والرمال حيث تغوص جميع السيارات في بحار الرمال، فشاهد أحد الخبراء آثار الجمال على الرمال وهي لم تغوص فيها ففكر في ذلك.. ووجد أن الحل هو في زيادة سطح الكفرات «لاحظوا الفرق بين أخفاف الأغنام وأخفاف الإبل».. وبهذا نجحت الفكرة في هذه الناقلات الضخمة..!!.
الإبل ثروة عرفتها جزيرة العرب منذ غابر الأزمان.. انظروا إلى شعراء المعلقات لا يبدأون معلقاتهم إلا بوصف الإبل والمطايا.. ومن لم يذكرها في مطلع معلقته ذكرها في ثناياها خذوا مثالاً على ذلك طرفة بن العبد يصف ناقته:
صهابية العثنون موجدة القرا
بعيدة وخد الرجل موارة اليد..
وقبل ذلك كانت هي ركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة على ناقته «القصواء» حتى بركت في مكان مسجد رسول الله حالياً..حين نرى قطعان الإبل ترعى في صحاري جزيرة العرب وقفارها وسهولها.. بألوانها الزاهية «الملحاء - العفراء - الشعلاء».. نرى منظراً رائعاً وجميلاً أبدعته يد الخالق سبحانه وتعالى في تناغم مع ألوان الجبال.. وألوان كثبان الرمال.
هذه الثروة الحيوانية من الإبل التي نستفيد من لحومها التي هي أطيب أنواع اللحوم وأقلها كولسترولاً.. ومن ألبانها التي هي أطيب الألبان.. هي ثروة يجب المحافظة عليها وعدم التفريط بها، ولكن الملاحظ أخيراً أن هناك مجازر حقيقية للإبل السائبة على طرقنا.. هي ضحية هذه المواجهات مع السيارات.. مجازر ذهب ضحيتها البشر والجمال على حد سواء.. وحطمت السيارات في حرب ضروس بين الجمل والسيارة.. هي حرب مثل حرب داحس والغبراء.. بل أطول منها وربما أكثر منها ضحايا.. تقول دراسة قام بها فريق من الباحثين مكون من كلٍ من الدكتور علي بن سعيد الغامدي رئيس اللجنة الوطنية لسلامة المرور والدكتور سعد بن عبدالرحمن القاضي والمهندس صالح بن عبدالرحمن العمرو والمهندس هذلول حسين الهذلول: إن الحوادث التي وقعت منذ عام 1398هـ وحتى عام 1417هـ بلغ «7883 حادثاً» وأن حوادث صدم الإبل خلال الفترة من «1410هـ - 1416هـ» أدت إلى وقوع «690 حالة وفاة» و«3530 إصابة» وأن هناك شخصاً واحدا سيلقي حتفه من كل أربعة أشخاص في كل حادث، وأن التكلفة الإجمالية لحوادث الإبل منذ عام 1398هـ وحتى عام 1417هـ «200 مليون ريال» بما في ذلك الإبل النافقة وتكلفة الإصلاح للسيارات.
الحلول المقترحة للحد من حوادث الإبل
لقد بذل فريق الدراسة هذا جهوداً موفقة في اقتراح الحلول للحد من حوادث الإبل السائبة.. وتابع ما قامت به الجهات العالمية في هذا الصدد ومن هذه الحلول:
1- لوحات تحذيرية للسائقين.
2- التوعية بمخاطر الإبل السائبة.
3- السياج على جانب الطريق.
4- معاير الحيوانات السفلية والعلوية.
5- الصيانة الجيدة لحمى الطريق ويقصد بها تنظيف حمى الطريق من الحشائش التي ترعاها الإبل.
6- الإضاءة القوية للطريق.
7- طوارد الحيوانات الكيميائية وذلك برشها على الحشائش والمزروعات بجانب الطريق.
8- المرايا والعواكس: والتي تعمل على عكس أنوار المركبات على جانبي الطريق لإخافة الإبل قبل وصول السيارات.
9- الصافرات العالية التردد وهي أجهزة تثبت على المركبات وعند اصطدام الهواء بها أثناء سير المركبة تصدر منها أصوات عالية التردد تعمل على إخاقة الحيوان ودفعه للهروب بعيداً عن الطريق.
10- تخويف الحيوانات بالروائح وغيرها مثل ر ائحة بول الذئاب المعروف بالاسم التجاري «ولفين».
11- الأخرمة العاكسة للحيوانات: وهي عواكس منشورية ينعكس عليها الضوء ليلاً لرؤيتها من مسافات بعيدة في «مثل عيون القطط».
وفي رأيي أن الحل الأنجع والأنجح لهذه المشكلة ما يلي:
1- فرض عقوبات صارمة على أصحاب الإبل السائبة.. لأنه بدون عقوبة فسيهملون إبلهم ويتركون «الدرعى ترعى».. بل الأدهى والأمر أنني أشاهد هذه الإبل في الطرق السريعة التي عليها سياج.. وبها مصائد لإخافة الإبل عند المخارج..
إن العقوبة يجب أن تتمثل إما في مصادرة الإبل وبيعها والاستفادة من ثمنها لصيانة الطريق.. أو تغريم أصحابها.. أو سجنهم.. أو حتى جلدهم.. لأن ما قاموا به من استهتار بأرواح البشر هو مثل القتل العمد.
2- وضع السياج الواقي حول الرق المفردة التي تكثر حولها المراعي كما هو معمول به في الطرق المزدوجة.. أو وضع «عقم ترابي حولها» وترك معابر محددة لهذه الإبل في بعض المناطق ويوضع قبل المعبر لوحة تحذيرية كبيرة بمقاس 2x2م وعليها صورة جمل وقبلها عيون قطط زرقاء اللون.
3- تجربة وضع المرايا والعواكس التي تخيف الإبل ليلاً.. مع أنني أعتقد أنه سيتم كسرها فوراً.
4- لابد أن تقوم قوات أمن الطرق بدورها.. بحجز هذه الإبل وفرض عقوبات صارمة على أصحاب هذه الإبل السائبة.. ويا للعجب من أنني سمعت أنه حين يصدم أحد هذه الإبل فإن صاحبها يأتي فوراً وينزع «الوسم» منها ويغادر مسرح «الجريمة» ويا للعجب أيضاً حين رأيت هذه الإبل واقفة في الطريق وترعى حوله وفي حماه وصاحبها واقف «يتفرج» عليها..!.
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني
|