الإعلام طاقة، وفي العقود الأخيرة تحولت إلى طاقة عظمى بامكانها أن تسهم في صياغة القرارات على جميع المستويات سواء أفراداً أو مؤسسات أو دولاً.
المهم هي الطريقة التي تقارب بها هذه الطاقة وفك رموزها ومعرفة شيفرتها وأرقامها السرية، إما النظر إليها بمنظور الرافض والعاجز والخائف المتوجس، هو تماماً كمن يسكن بخيمة قلب الصحراء ويمر بجانبه أعمدة الكهرباء، فيرفض أن تدخل خيمته، كونه سمع بأنها خطرة. والإعلام تماما (كعفريت القمقم) المهم أن نعرف تعويذته السحرية ليصبح في خدمتنا.
ولغة الخطاب الإعلامي في العالم العربي ما برحت تكابد الكثير من المعوقات البيروقراطية والمحاذير والاستعمال والتوظيف البدائي لهذه الطاقة، فعلى الرغم من أننا نمتلك العديد من الأقمار الصناعية، وآخر ما توصلت إليه تقنية الاتصالات إلا أنه على الرغم من هذا ما برحنا نراوح في منطقة الخطاب الإعلامي السطحي والفج المباشر، الذي يحتوي الكثير من الزعيق والصياح والتطبيل والجوقات المرددة، تلك الجوقات التي تردد أي شيء من قصائد المديح العصماء وإلى أقذع وصلات الشتم والردح كما كان يحدث في النظام العراقي سابقاً على وجه المثال.
عند صدور الفتوى ضد سليمان رشدي بسبب روايته آيات شيطانية، حيث علم الجميع أن هذا الكاتب مهدد بالقتل نتيجة ذلك، كان الصحافي الأمريكي جون أينس يضع نسخة من الرواية مدة أشهر عديدة على طاولته خلال تقديم برنامجه التلفزيوني دون التطرق بكلمة واحدة إلى الكاتب أو إلى رشدي أو آية الله الخميني. إلا أن مجرد وجود الكتاب إلى جانبه كان بمثابة تضامن مع مصير الكتاب ومؤلفه.
وبعيداً عن رواية رشدي الشيطانية التي نرفضها ولا نوافق الكاتب على ما جاء فيها، إلا أن أسلوب الصحافي الأمريكي، كان يقدم نموذجاً للغة إعلامية متجاوزة للخطب والتدبيجات العصماء، المليئة بالترهل اللغوي والإنشاء المفرغ من الفحوى.
|