Thursday 2nd october,2003 11326العدد الخميس 6 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
لكِ... وحدكِ...!
خيرية إبراهيم السَّقاف

هذه السَّاعة وضعتُها عُنوة أمامي...
بمثل ما يتحرَّك مؤشِّر ثوانيها، يتحرَّك قلمي على الورق...
تذكَّرت «لعبة» السَّاعة وأنتِ تعلِّمينني الوقت وهو يركض بمؤشريها، وكلَّما استقرّ عند مجمع دقائق...، كنتِ تضعين يديَّ بين راحتيكِ...، وتمثِّلين حركته بحركة أصابعكِ...، تلمُّ أصابعي إصبعاً تلو الآخر...،
ما زلتُ يا نوَّارة تزدحم في دخيلتي كلماتكِ، وأنتِ تؤكِّدين لي: «كلَّما تحرَّك في يدكِ إصبع لتأكلي، لتشربي، لتكتبي، لتمسكي، لتتناولي، لتصافحي، لتؤشِّري...، لا تنسي يا صغيرتي أنَّ زمناً من عمركِ يمرقُ مع لمحة الهواء بين أصابعكِ»...
هذه كانت كلماتكِ، وصوتكِ لا يزال يملأ جوانبي...، أشعرُ معه بمهابة الوقت...
السَّاعة أمامي الآن...، يتحرَّك الوقت فيها...، ينبِّئني بمروق الزَّمن كلمحة الهواء...، مؤشَّراها أحدهما يمضي بتعقُّل شديد المهابة، بالغ التَّذكير...،
والآخر يركض في تحذيرٍ بالغ الإيقاظ...، وصغيرتكِ عدَّت من الزَّمن ما بدأ معكِ....، وما سوف يتوقَّف معكِ...
نوَّارة...
لا يزال لكلِّ لحظةٍ في عمر الزَّمن يمرُّ بي، زخمٌ خاصٌ، وبريقٌ ذاتيٌ لا يطغى عليه بريقٌ آخر...،
من بعض ما عرفته عنكِ. أنَّ لكلِّ أمرٍ، ولكلِّ شيء خصوصية مهما تداخلت الأشياء، والأمور...
ساعة السَّحر لا تزال تعمل في داخلي كالمرجل في فُوَّهة البخار...، فيها أغتسل كما كنتِ تعلِّمينني من رهق النَّهار...، تلك لحظة تجلٍّ...، إمَّا داخل ذاتي، وإمَّا تواصلاً مع آفاقٍ لا ينالها إلاَّ الخيال، أمَّا لحظات ما قبل وبعد الشُّروق...
فتذكرين، كيف علَّمتِني أن ألْقم صغار العصافير...، وأسقيها...
في الآن من حركة السَّاعة...، تتناغم همهماتها، توشك أن تستيقظ.... هذه العصافير... كتلك التي كانت لنا معاً....
نوَّارة...
كيف عرفتِ السُّبل، كلَّ السُّبلِ، لهذا الكون الجميل، في عالم داخلكِ البديع؟
والسِّرُ الذي في حركة الوقت، بين حكمة مؤشرٍ، وحكمة الآخر لا تزال ناهضةً في حسَّي، منذُ لهجتُ أبجديَّتها بين يديكِ...
و...
مؤشرا السَّاعة يراقبان حروفي، وهي تركض فوق ساحة ورقتي...، ترسلان لِسِنةِ القلم لمحة الهواء...، يذكِّرانني .. بأنَّ ثمَّة انتهاءٍ...،
فمسافة السَّطر، والآخر على الورق...، هي مسافةُ البوح. والصَّمتِ الذي يؤوب..
وأنتِ...
تشمخين في مُخيَّلتي يا نوَّارة اللَّحظة....
تحضرين بهيبة حكمتكِ...
وبجمال قولكِ...
وببديع نثركِ...
تنثرين بين إصبعي والآخر، عبقَ الذي لم يعبق في رحلة الزَّمن بي بعدكِ من قيَمٍ بالغة التَّمادي، في آماد الصِّدق، والنُّور، و... الحب... هذا الذي لا يتكرَّر...
نوَّارة...
هذا الزَّمن بين يديَّ...
مؤشران.. أحدهما يُعطي... والآخر يأخد...،
وحتى ألتقيكِ... اسعدي بحكمة الصَّمت.
وسوف أتجلَّى بكِ...

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved