من الواضح ان تخفيض المصروفات، رغم تفاوته من موقع الى آخر، ومن نشاط اقتصادي الى آخر، لا يزال هدفا مفضلا لمعظم دور الاعمال والتي تلجأ اليه خاصة عند تخفيض عدد مواردها البشرية من عمال وموظفين لتحسين انتاجيتها.. الا ان الأعمال قد تفشل في تحقيق خفض حقيقي ودائم لمصروفاتها دون مواكبة تغيرات جذرية في طرق العمل ونظمه. فالعمل الذي كان يؤدى تقليديا بواسطة العاملين المستغنى عنهم سيحال ببساطة الى غيرهم، ويغرقهم بمزيد من المهام، فتضعف تدريجيا جهود العاملين الباقين، وتتضاءل فاعليتهم بشكل ملحوظ، لهذا فان التخلص من القوى العاملة ليس بالطريق الصحيح لخفض تلك المصروفات مع البقاء في المنافسة. هذا اذا ما اضفنا دور الاعمال الاقتصادية تدرك الواقع القاسي لاتخاذ قرارات الفصل على الموظفين المستغنى عنهم وعلى حياتهم الشخصية والعائلية، الا انها ترتكز على فلسفة تقول بأن مجال الاعمال لا يوجد فيه شيء اسمه الولاء، بل لم ولن يوجد. فالاعمال تبقى لا شخصية، مجردة من العواطف والاحاسيس، ومبنية على منطق البقاء تماما مثل اي كائن حي. وللأعمال ان تتخذ كل السبل والطرق لتحمي نفسها في اوقات الخسارة لبقائها. وان تفعل اي شيء ممكن في طريق ازدهارها، وهذا ما يحدث عادة. وترى ان كل حالات الفصل التي تتم في اروقتها انما تعتمد وبشكل اساسي في قراراتها على انتاجية الموظف او العامل نفسه. وهي قرارات اتخذت بناء على الوضع المالي العام للمؤسسة وقت الكساد، او تراجع معدلات المبيعات فيها. وبهذا فإن انتاجية الموظف تشبه اي شيء يباع ويشترى. خاضعا لقانون العرض والطلب. فاذا تراجعت الارباح واشتدت المنافسة فعلى الذين ما زالوا يعملون فيها ان يشكروا الله ويحمدوه لبقائهم على قيد العمل وللموظفين ان يفهموا ان معظم الاعمال فما تبحث عن بقائها اولا وقبل اي شيء آخر، ولهم ان يواجهوا ويفهموا الطبيعة الحقيقية للولاء وواقع وحال الاعمال المتقلب بكل شجاعة ووعي. نحسب ان توفير التدريب اللازم لتعليم الموظفين على الاساليب الجديدة، وتحفيزهم ماليا ومساعدتهم في تحقيق مهامهم كجزء من فريق متكامل قد يكون أنسب الخطوات لتغير منهجية تلك الاعمال في الفصل والاستغناء. كما ان تحديد رؤية امتداد اعمالها المستقبلية وتطويرها والتركيز على فهم واكتشاف انواع نشاطاتها قد يساعدها على التحرر من اشكال الروتين التقليدية لتصبح مرنة ومتحركة ومتشابكة لما يمليها عليها السوق. فاذا كانت الاسواق تتغير كل يوم، وتتنقل من طراز الى آخر، فان الاعمال التي تلغي الروتين وتدار طبقا لاحتياجات السوق هي الاعمال التي سوف يكتب لها البقاء. وفي عالم متغير باستمرار فإن الاعمال قد تحتاج الى الكثير من السرعة والمعرفة والجودة لا الى الاستغناء والفصل.
|