Thursday 2nd october,2003 11326العدد الخميس 6 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كيف وصل الأمريكيون إلى نجلي الرئيس المخلوع؟! كيف وصل الأمريكيون إلى نجلي الرئيس المخلوع؟!
الذين عرفوا «عدي» يقولون إن علاقته بـ «نواف الزيدان» كانت دوماً متوترة وسيئة !

  * باريس - ياسمينة صالح:
ابتهاج العراقيين بمقتل نجلي الرئيس المخلوع كان ممزوجا بالحزن. ربما لأن الذاكرة العراقية المجروحة ماتزال تختزن الكثير من الحكايات ومن الحوادث البشعة التي عاشتها في زمن النظام البائد. ولأن اسمي «عدي وقصي صدام حسين» ارتبطا أيضا بالكثير من تلك الحكايات والحوادث التي تثير في نفسية العراقيين التقزز والالم، ومع ذلك سقط خبر موتهما فجأة ليكتشف ذلك المواطن العراقي البسيط أنه عاجز عن الابتهاج بموتهما حقا كما هو عاجز عن الحزن عليهما.. فمثلما عاشا بغموض مرحلة دامية ودامعة ماتا بنفس الأسئلة ولم يعطيا لأحد حق سؤالهما أو حتى إدانتهما على ما اقترفاه في عهد والدهما.. !
وهكذا انتهت «أسطورة» الولدين الرهيبين لتنتصب الأسئلة الأكبر.. ما الذي حدث بالضبط؟
الكثير من الصحف حاول الرد على الأسئلة، ولكن جريدة «لومانيتي» الفرنسية اقتربت من الموضوع أكثر عبر نشرها لتحقيق أرادت الرد فيه على السؤال الكبير: كيف وصل الجيش الأمريكي إلى نجلي الرئيس العراقي المخلوع؟
كيف لشخصين عرفا بالنقيض وبعدم احتمال أحدهما للآخر أن يتواجدا في نفس البيت؟ الذين تفاجأوا بخبر مقتل نجلي الرئيس العراقي تفاجأوا بخبر قتلهما معاً في نفس البيت وفي نفس المدينة وفي منطقة يشعر المرء بالاستغراب كونها مفتوحة ليس على الجنود الأمريكيين في عمليات تفتيشية وتمشيط شبه اليومية، بل وعلى عيون المخبرين سواء كانوا عراقيين أو أجانب، لأن الأمر تعدى كونه انتقاما من نظام تتهمه نصف الكرة الأرضية بالهمجية وليس لأن المطالبين بالثأر كثر، بل لأن أسماء المطلوبين من عائلة الرئيس العراقي وضعت لها الولايات الأمريكية مبالغ مالية مغرية مقابل كل رأس يسقط منهم. هذا هو أكبر الأسباب التي جعلت عملية المطاردة شبه ناجحة، فالذين يجرون بحثا عن أثر لرئيسهم الأسبق، يريدون الربح من ورائه، وبالتالي اعتقاله أو قتله يظل سيان بالنسبة إليهم طالما العملية مربحة بهذا الرقم المهول من الدولارات.. تلك هي اللعبة التي لعبتها الإدارة العسكرية الأمريكية اليوم جيدا، فهي تريد القضاء على النظام العراقي من خلال القضاء على صدام حسين وأبنائه وكل الذين تعتبرهم الولايات الأمريكية «أوفياء» له وتقصد بذلك رجال المقاومة العراقية الذين منذ الإعلان عن نهاية العملية العسكرية الغربية في العراق، بدأت تلوح خطورتهم على الأمريكيين والبريطانيين من خلال عمليات في غاية الدقة والتي صارت تؤلم الأمريكيين يوما بعد يوم.
حرب الخليج الاولى
الذين عرفوا أبناء الرئيس العراقي يؤكدون أنه من الصعب على الشقيقين المقتولين أن يلتقيا في نفس المنطقة، ففي ظروف حرب ماضية كانا مختلفين في المسألة الأمنية حين يتعلق الأمر بشخصيهما. في حرب الخليج الأولى لم يكن ممكنا التقاء الشقيقين في بيت واحد، الذين عرفوهما شخصيا يؤكدان أن المسألة الأمنية الشخصية بالنسبة ل«عدي» و«قصي» تبقى من أولويات الأولويات لجهاز الأمن بالنسبة لهما حتى لو كان ذلك الجهاز متكونا في النهاية من بضعة أشخاص فقط، لأن نظرتهما إلى ما يطلقان عليه «الأمن الشخصي» هو الابتعاد عن بعضيهما وعن الأماكن الأكثر ريبة وشكا.. ففي حرب الخليج الثانية التي كانت فيها الولايات الأمريكية قادرة على الدخول إلى بغداد ومطاردة الرئيس العراقي ومن معه، التزم الشقيقان بخطة التواصل عن بعد مع بعضيهما ومع أبيهما أيضا، فما بالك اليوم ورؤية «الأمن الشخصي» قد وصلت إلى درجة عالية من الإتقان للرئيس ولولديه اللذين لم يكونا ليلتقيا معاً في نفس المكان أكثر من ساعة واحدة على أكثر تقدير، على رأي أحد أقرب الحراس السابقين ل«قصي صدام حسين» في حرب الخليج الثانية وبالخصوص أيام انفجار الوضع الأمني في الجنوب العراقي، فكيف تتكسر الرؤية الأمنية إلى هذا الحد ليقرر الشقيقان الاختباء في نفس البيت؟
منطقة الخصوم!
الذين شاهدوا الفيلا التي حوصرت من قبل الجنود الأمريكيين عن قرب استغربوا أكثر، فهي تقع على مشارف أهم الشوارع الرئيسية في الموصل، محاطة بالعديد من المنازل التي لا يحتاج سكانها إلى منظار خاص لرؤية ما يحدث بداخلها، وفي ساحتها أو حديقتها.. ناهيك عن أن منطقة الموصل بالذات تعد آخر المناطق التي يمكن الاختباء بها على اعتبار أنها تضم العديد من خصوم النظام العراقي السابق. وبالذات خصوم عائلة الرئيس العراقي المخلوع!
كلها استنتاجات لا يمكن تجاوزها ولهذا يعتقد أكثر الناس دهشة أن مصدر الاستغراب نفسه هو الذي ربما جعل البيت يؤوي نجلي الرئيس العراقي، وبالتالي كانت خطة «المكشوف الغامض» تعني الذهاب إلى الفخ بنفس الاعتقاد أنك تهرب منه.. هكذا يقول الجيران الذين يعتقدون جازمين أن نجلي الرئيس العراقي كانا فيه. وأن الحركة غير العادية التي كانت تحوم حول البيت جعلت الكثيرين منهم يتساءلون عن مصدرها مؤكدين أن صدام حسين نفسه جاء إلى هنا أكثر من مرة. الجيران كانوا يعتبرون الأمر «أمرا خاصا بصاحب البيت» الذي كان واحدا من أصدقاء الرئيس العراقي.
الزيدان تحت المجهر
كان «نواف الزيدان» صاحب البيت أحد الأسماء المهمة في المنطقة لأمواله الطائلة التي كانت نتيجة «المكانة» التي كان يتمتع بها داخل النظام العراقي السابق.
صدام حسين نفسه كان يأتي شخصيا إلى بيته في التسعينيات، وكان يكفي ذلك ليصنع من «نواف الزيدان» شخصا قويا وذا سلطة ونفوذ في المدينة.. المسألة بهذا الشكل تبدو سهلة الطرح (تقول الجريدة) فإن يأتي نجلا الرئيس إلى «ذلك البيت» أمر لا بد أن الإدارة الأمريكية تضعه في الحسبان فقد نشرت جريدة «الدايلي تلجراف» قبل فترة أن كل البيوت والشخصيات العراقية التي كانت على علاقة طيبة مع الرئيس العراقي الأسبق موجودة تحت المجهر منذ سقوط النظام العراقي.. هذا يؤكد أن بيت «نواف الزيدان» موضوع تحت نفس المجهر على اعتبار أن الجميع يعرف علاقته «المتميزة» بالرئيس العراقي..! الشيء الثاني يكمن في علاقة نجل الرئيس الأكبر «عدي» بالشيخ «نواف زيدان».
الذين عرفوا «عدي» يقولون أن علاقته ب«نواف» كانت دوما متوترة وسيئة جدا، زاد من صعوبتها المزاج السيئ ل«عدي» بعد الأزمة النفسية التي تعرض لها في96 والتي جعلت أطباء نفسانيين يأتون من فرنسا ومن ألمانيا للإشراف عليه.. يقول « سامي الحمود» الحارس الشخصي السابق ل«عدي صدام حسين» أن أسباب الضغينة بين «عدي» و«نواف» تكمن في فكر كل واحد منهما إزاء حبهما للمال وللسلطة ولهذا كانت مكانة واستثمارات «نواف» في الموصل تثير حنق «عدي» عليه، إلى درجة أنه (أي عدي) أشهر المسدس في وجهه في إحدى المرات التي كان يحضر فيها حفلا عائليا.. الخيوط كلها تبدو غامضة جدا (تقول الجريدة). ربما لأن العملية تمت بشكل يبدو سهلا حسب كلام الجنرال «ريكاردو سانشيز» المسؤول العسكري الأمريكي في العراق.. لكن يظل السؤال: من دلهم على المنزل ان جزمنا على أن الجثتين لنجلي الرئيس العراقي المخلوع حقا؟
خيط مهم جدا يوصل إلى شخص آخر في المنطقة التي قتل فيها نجلا الرئيس العراقي المخلوع، وهو أحمد طاهر زناوي الكردي والذي يسكن ليس بعيدا عن بيت «نواف الزيدان». أكثر من ذلك فقد كانت العلاقة بين «الزيدان» و«الزناوي» علاقة حميمة. مع أن «الزناوي» كان أكثر الناس نقمة على النظام العراقي ليس لأنه كردي فقط. بل لأن ابنه «الضابط السابق في الجيش العراقي» حكم عليه بالإعدام في قضية تلفيقية نصبها له النظام العسكري العراقي بعد أحداث 91.
هجوم على المنزل
جابر محمود من سكان الموصل (400 كيلومتر شمال بغداد) يحكي ما جرى في يوم الثلاثاء الموافق 22 يوليو.. يقول: كانت الساعة السادسة صباحا حين بدأت تحوم طائرات هليكوبتر فوق سماء الموصل.. كان الأمر يكاد يبدو طبيعيا لولا القوافل العسكرية التي تحركت من مواقعها لتنتشر في حدود التاسعة صباحا في الشوارع الرئيسية في الموصل.. جيران «نواف» يؤكدون ذلك ويضيفون أن الجنود الأمريكيين جاءوا لمحاصرة بيت «نواف الزيدان» تحديدا وأن الأمر كان واضحا من البداية: أحدهم أخبر الأمريكيين بوجود نجلي الرئيس في ذلك البيت، أصابع الاتهام صوبت نحو «الزيدان» مباشرة لأنه كان المستفيد الأول من العملية. فقد كان يريد الانتقام من «عدي» صدام حسين. وفي الوقت نفسه الحصول على ثلاثين مليون دولار أمريكي.. الجيران تحدثوا أيضا أن زوجة «الزيدان» وبناته الخمسة غادروا البيت يوم الاثنين الموافق 21 مايو أي قبل العملية الكبيرة بيوم واحد.. وهذه ليست صدفة قطعا، تقول الجريدة: الجيران الذين سألناهم، يؤكدون أنهم شعروا بأن شيئا ما سيحدث. ولم يكن أحدهم يعرف ما هو. ربما لأن العديد من الوجوه الغريبة كانت تأتي إلى المنطقة، ناهيك عن السيارات الأنيقة التي كانت تتوقف أمام بيت «الزيدان»، زد إلى ذلك عدد الذين كانوا يدخلون إلى المنطقة بشكل مثير للدهشة بحيث صارت المنطقة كلها خلال أسبوع قبل العملية تحت أعين المخبرين الأمريكيين، وأنه تم افتتاح محل لبيع «الكوكاكولا والبيبسي» والأكلات السريعة الهامبورغر ليس بعيدا عن بيت «الزيدان» إذ بعد يومين من انتهاء عملية قتل نجلي الرئيس المخلوع أغلق المحل واختفى صاحبه عن الأنظار!
قتل الشقيقين
شيء آخر هو أنه أثناء تطويق البيت تمت توجيه كلمات مقتضبة عبر مكبر الصوت، أطلقها جندي أمريكي يتكلم العربية بشكل ركيك .. كان واضحا أن التعليمات كانت: القضاء على من بالبيت وليس إلقاء القبض عليهم. لأن العدد الكبير من الجنود الأمريكيين (250 جنديا) مدعمين بطائرات هيلكوبتر، يكفي لإجبار من بالبيت على الاستسلام على اعتبار أن السلاح الذي كانوا يقاتلون به لا يعدو كونه رشاشات ومسدسات فقط.. العملية كانت مفبركة للغاية يقول «سعيد النوري» (مقيم في المنطقة) كان الجنود يطلقون الرصاص بشكل نسبي. وبعد دقائق خرج «نواف الزيدان» برفقة ولده رافعين أيديهما إلى الأعلى، تقدمت منهما مجموعة من الجنود بلباس مدني، أركبوهما سيارة «جيب» وأخذوهما إلى جهة مجهولة، بيد أن تلك الجهة لم تكن سوى بيت «أحمد طاهر زناوي» !
حماية امريكية
المراسل الصحفي لقناة «سكاي نيوز» في الموصل تحدث عن يوم العملية قائلا: إن «نواف» و«الزناوي» حصلا على ضمانات أمريكية بالحماية وأن الحاكم العسكري في العراق وصفهما «بالرجال الشرفاء» للتعليق على سؤال طرحه أحد صحفيي فرانس بريس الفرنسية..!
العراقيون الذين تلقوا خبر مقتل نجلي الرئيس العراقي المخلوع لم يصدقوا موتهما. ربما لأن اسمي «عدي وقصي صدام حسين» صنعا كوابيس العراقيين لسنوات طويلة ولأن إشكالية «التشابه» ليست جديدة في النظام السلطوي العراقي. فالرئيس العراقي المخلوع نفسه يملك أكثر من شبيه له، فكيف لا يملك ابناه شبيها لهما أو أكثر؟
تلك هي الأسئلة التي رفض الأمريكيون الخوض فيها، بالخصوص بعدما بثت القنوات التلفزيونية الدولية صور المقتولين، بعد أيام من قتلهما. الصحافة الدولية شككت في الموضوع لأن التأخير في بث الصور يعطي فرضية «التزيين السينمائي» والتي تضاهي الرتوشات التي تضيفها عادة سينما هوليود على أفلامها لتعطيها «صبغة مقنعة» وهو الأمر الذي أدى بالإدارة الأمريكية إلى بث الصور بذلك الشكل !
سكان «سامراء» العراقية أكدوا لقناة «السي أن بي سي» الأمريكية أنهم رأوا «عدي صدام حسين» في سامراء بعد يومين من عملية س«قتله»! لكن «بول بريمر» أعلن أنها حرب أعصاب لأن نجلي الرئيس قتلا حقا، وأن قتلهما سوف يخفف من العمليات المعادية للأمريكيين وهو الذي لم يحدث. لأن الرسالة الجديدة التي تلقاها الأمريكيون مفادها أن المقاومة ليست من صنع نجلي الرئيس المخلوع ولا حتى من الرئيس المخلوع نفسه الذي بات يظهر على شكل تسجيلات غير مقنعة.بل المقاومة من صنع العراقيين الذين عرفوا طعم المهانة والظلم والتحقير والاضطهاد من نظامهم المخلوع ويرفضون طعم الاحتلال من الأجنبي حتى لو كان اسمه: الحرية أو العراق المحرر من صدام حسين !

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved