متابعة: تركي إبراهيم الماضي - عبدالله هزاع العتيبي
نبعت الاستراتيجية البيئية من المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض الذي تضطلع به الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وقد تناولت الوضع الراهن للبيئة، والاستراتيجية البيئية التي تم صياغتها..، والسياسات البيئية العامة التي تشمل المدينة والموارد البيئية المختلفة بشكل عام وكذا السياسات الخاصة التي تناولت مناطق محددة في المدينة.
وتأتي هذه الاستراتيجية ضمن عدد من الاستراتيجيات التي تناولت كافة نواحي التنمية بمدينة الرياض.. وستكون موجهة للتنمية في المدينة خلال العقود القادمة.
لقد اعتمدت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض هذه الاستراتيجية ولذا تعتبر قاعدة لجميع الإجراءات والأعمال المتعلقة بالبيئة والتي تقوم بها الجهات ذات الاختصاص بالبيئة.
الاستدامة البيئية
ترتكز استراتيجية البيئة على تطبيق مبدأ الاستدامة البيئية في إدارة موارد البيئة وذلك من خلال تحديد مسؤولية إدارة البيئة وحمايتها وذلك بايجاد جهاز محلي يتولى مسؤولية مراقبة الوضع البيئي في المدينة وتنسيق جميع الشؤون البيئية في الجهات المختلفة. والمحافظة على الموارد البيئية الطبيعية وخاصة مصادر المياه والمحافظة على العناصر التاريخية وتحسينها واستغلالها وتفعيل استراتيجية وادي حنيفة من خلال تحديثها ووضع خطة تنفيذية لها، والتحكم في التلوث من مصادر مختلفة ووضع خطة اصلاح بيئي لمنطقة جنوب المدينة، والمراقبة المستمرة لمستويات جودة البيئة في المدينة «الهواء، المياه، المناطق الطبيعية، الضوضاء»، إجراء التقويم البيئي لمشاريع التنمية، منع ردم الأودية والشعاب ورمي المخلفات فيها، وحمايتها من نشاطات التعدين، ونقل التربة، وتوفير المناطق المفتوحة وايجاد روابط بينها.
الضغط على الموارد
أدى النمو السريع لمدينة الرياض خلال العقود الماضية إلى الضغط على الموارد البيئية المتاحة للمدينة بشكل تجاوز القدرة التعويضية لتلك الموارد، وقد أدى ذلك إلى تدهور الكثير منها بشكل يؤثر سلباً على التنمية الحالية للمدينة، وقد ساعد في ظهور ذلك غياب الإدارة البيئية الفعالة لحماية تلك الموارد والمحافظة عليها إضافة إلى غياب التنسيق بين الجهات ذات العلاقة من أجل الاستغلال الأمثل للموارد.
إزالة التضاريس
موارد الأرض تمثل الشكل الطبيعي للمدينة، وقد تعرضت تلك الموارد للتغيير بشكل كبير إذ تم اهمال التضاريس أثناء عملية التنمية وأدى ذلك إلى ظهور العديد من المشاكل وفقدان المجاري الطبيعية للسيول وارتفاع منسوب المياه الأرضية وفقدان الشكل المميز لتلك المظاهر الطبيعية والتي كان يجب استغلالها بدلاً من إزالتها، كما أدى الاستنزاف الجائر للموارد الأرضية إلى فقدان التربة الصالحة للزراعة وتدمير مساحات كبيرة منها وإلى تدمير بناء التربة وإزالة غطائها النباتي، ونتيجة لذلك تكونت حفر عميقة يصل عمقها إلى 15 مترا في وادي حنيفة من جراء أنشطة نقل التربة والكسارات وأصبحت تلك الحفر أماكن للتخلص من كافة أنواع النفايات.
وقد ساهمت الخصائص الجيولوجية لبعض المتكونات وخاصة النفاذية الضعيفة للطبقات السطحية في نشوء مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية، وتمثل الكهوف الموجودة في متكون العرب على امتداد العصب التجاري للمدينة أحد التحديات التي تواجه المباني ذات الأدوار العالية وخاصة عند وصول منسوب المياه الأرضية إليها، بينما تمثل الرسوبيات غير المتجانسة في وادي السلي تحدياً آخر للمباني والمرافق في تلك المنطقة إذا ما استمر منسوب المياه الأرضية في الارتفاع إذ تعد نوعية التربة هناك ذات حساسية عالية للرطوبة.
لم تستطع موارد المياه في المدينة الوفاء بمتطلبات مياه الشرب مما حدا إلى الاستعانة بمصدر آخر هو مياه البحر المحلاة من الخليج العربي إذ تعتمد المدينة على هذا المصدر لامدادها بثلثي الامدادات الحالية لمياه الشرب بينما يتم استخراج الجزء الباقي من الآبار العميقة التي تعتمد على متكونات غير متجددة فيما يتم استخراج جزء بسيط من الآبار السطحية ذات المصدر المتجدد.
ونظراً لتوقف إنتاج مصادر مياه الشرب عند حدود طاقتها القصوى والتي بلغت 000 ،337 ،1م3 يومياً في عام 1412هـ وازدياد الطلب على المياه نتيجة النمو السكاني والعمراني المستمر فقد تم البدء بتوزيع المياه على الأحياء أياماً محددة في كل أسبوع منذ ذلك التاريخ، ويترتب على ذلك مخاطر بيئية نتيجة توقف الضخ في الشبكة واحتمال تسرب المياه الأرضية الملوثة إليها وكذلك زيادة فترات تخزين المياه في الخزانات.
وتعد مدينة الرياض مدينة صحراوية لا تتعدى معدلات كمية الأمطار المتساقطة عليها سنوياً 100ملم ومع ذلك فهي تعاني من مشاكل تصريف السيول نتيجة الردم المستمر للشعاب والأودية وعدم اعتبارها أثناء التخطيط، في هذه الظروف تعاني بعض مناطق المدينة من مشكلة ارتفاع منسوب المياه الأرضية إذ يصل منسوب المياه إلى السطح في بعض الأحياء، وتتلوث هذه المياه بدرجات متفاوتة نتيجة تسرب مياه البيارات وكذلك تسرب المشتقات البترولية والزيوت من الخزانات الأرضية أو رميها في المواقع المختلفة في أنحاء المدينة، وقد حد ذلك من فرص الاستفادة من هذه المياه.
وتقوم الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض على تنفيذ مشروع لخفض منسوب المياه الأرضية، حيث يصل معدل ما يصرفه إلى وادي حنيفة حوالي 200 ألف متر مكعب يومياً، وتضاف هذه الكمية إلى ما يقارب 300 ألف متر مكعب يومياً من مياه الصرف الصحي المعالجة في محطة منفوحة ليشكل نهراً جارياً طوال العام في وادي حنيفة. وقد أدى ذلك إلى آثار بيئية سلبية وايجابية على الوادي إذ أدت تلك المياه وكثرة التعديات على مجرى الوادي إلى تقليل سعة الوادي لاستيعاب تدفق مياه السيول مما يؤدي إلى زيادة احتمال حدوث فيضانات وسط وأسفل الوادي بينما أدى الجريان المستمر للمياه وتكون بحيرات الحاير إلى نشوء حياة فطرية جديدة في الوادي. وتتم الاستفادة حالياً من حوالي 15% فقط من المياه التي تستهلكها المدينة لأغراض زراعية وصناعية وذلك لا يتناسب مطلقاً مع طبيعة المدينة الصحراوية، كما ان التعرفة المنخفضة لمياه الشرب لا تساعد في دفع جهود الترشيد ونجاحها، وتحتاج هذه الجهود إلى تنسيق أكبر بين الجهات ذات العلاقة.
جودة الهواء
تعاني جودة الهواء في مدينة الرياض من تدهور مستمر نتيجة عدم وجود نظام للتحكم في مصادر تلوث الهواء، وتعد وسائل النقل المتعددة ومحطات توليد الطاقة ومصنع الاسمنت ومصفاة الرياض والمصانع الأخرى أكبر تلك المصادر، وقد أجريت دراسات عديدة في أوقات مختلفة دلت في معظمها على ارتفاع مستوى التلوث بالرصاص والعوالق الصلبة وأكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت وأول أكسيد الكربون والهيدروكربونات في أجزاء مختلفة من المدينة، وقد بدأ الرصد المستمر لجودة الهواء المحيط من محطات منتشرة في المدينة تشغل بواسطة مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ويتوقع ازدياد حجم تلوث الهواء بزيادة عدد السيارات وعدد محطات الطاقة أو توسعتها، وكذلك زيادة عدد المصانع وذلك مرتبط بمدى تطبيق الأنظمة البيئية لكل شكل من أشكال النمو.
فطرية وأثرية
عانت الحياة الفطرية في المدينة من امتداد النمو العمراني والنشاطات المصاحبة له إذ تم فقدان الكثير من أنواع الحياة الفطرية داخل النطاق العمراني بينما تدهور الغطاء النباتي في المناطق الملاصقة للنمو العمراني نتيجة الرعي الجائر والنشاطات الترفيهية غير المنظمة أو نتيجة الأنشطة المخلة بها.
ولكن توجد بعض أشكال الحياة الفطرية شمال وجنوب وادي حنيفة، وخاصة منطقة البحيرات وكذلك في المناطق المحيطة بالمدينة، مثل المناطق المسورة التابعة لمطار الملك خالد ومتنزه الثمامة والحرس الوطني في خشم العان، والمناطق المسورة والمحميات التابعة لوزارة الزراعة في وادي حنيفة، وشرق وشمال المدينة والتي تحتاج إلى الحفاظ عليها ووضع ضوابط للحد من تأثير النمو الحضري عليها، إضافة إلى الموارد الجمالية لوادي حنيفة والجبال المحيطة مثل جبال طويق ومنطقة هيت.
كما يوجد عدد من الأماكن الأثرية التي تم رصد بعضها وحمايته مثل مدينة الدرعية وغيرها من المواقع في وادي حنيفة، وبعض المواقع التي يحتمل وجود آثار هامة فيها مثل مطار الملك خالد الدولي ومتنزه الثمامة وخشم العان ووادي نساح ولكن هذه المواقع تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة وذلك من أجل حماية ما يمكن العثور عليه من آثار.
محطات النفايات
توجد في مدينة الرياض محطتان رئيسيتان في منفوحة لمعالجة الصرف الصحي وعدد من المحطات الصغيرة والمنتشرة في أرجاء المدينة، بينما يتم الصرف عن طريق البيارات في المناطق التي لا تتوفر فيها خدمات الصرف الصحي ويتم سحبها احياناً بواسطة صهاريج الصرف الصحي، وتقدر كمية مياه البيارات المسحوبة بـ45000 م3 يومياً يعالج ثلثا هذه الكمية بمحطة الصرف الصحي في منفوحة بينما يتم صرف ما يقارب 15000م3 يومياً من النفايات السائلة في موقع مخصص كمكب للنفايات السائلة دون أية معالجة أو تحكم، وحتى منتصف عام 1421هـ كانت النفايات السائلة بما فيها الزيوت العادمة تصرف في مكب قرب مدفن السلي للنفايات الصلبة ومن ثم تم اختيار موقع بديل في طريق خريص على بعد 30كلم من المدينة نظراً لما سببته النفايات السائلة من أضرار ومشاكل بيئية وصحية في منطقة السلي.
ويوجد في المدينة خمسة مدافن للنفايات البلدية الصلبة يعمل ثلاثة منها حالياً ومنها مدفن السلي الذي يصل إليه ثلثا كمية النفايات الصلبة، وقدر المعدل اليومي للنفايات الصلبة التي تم ردمها عام 1414هـ بحوالي 5000 طن تشكل مخلفات البناء 45% منها، ويتم رمي الكثير من النفايات البلدية في أماكن مختلفة وخاصة الأراضي البيضاء المجاورة للعمران أو الأودية وخاصة وادي حنيفة إذ وصلت كميات النفايات في وادي حنيفة إلى 1500متر مكعب يومياً من مخلفات البناء، ولا يوجد تحكم في رمي مخلفات البناء، كما لا يوجد أي مرافق أو مدافن خاصة للنفايات الطبية والصناعية بالرغم من وجود أكثر من 1600 مؤسسة طبية و1800 مؤسسة صناعية تنتج نفايات تتطلب معالجة خاصة ولا توجد معلومات دقيقة عن حجم تلك النفايات ولا طرق جمعها والتخلص منها.
إدارة فعالة
يعد غياب الإدارة البيئية الفعالة أهم الأسباب التي أدت إلى ظهور العديد من المشاكل البيئية في المدينة، إذ لا يوجد في المدينة جهة محلية مسؤولة عن مراقبة جودة البيئة وتطبيق الأنظمة والتشريعات البيئية أو إصدار أنظمة وتشريعات جديدة، وقد أدى ذلك إلى إهمال البيئة في الأنظمة التخطيطية للأحياء السكنية وكذلك التصميم العمراني حيث لم تراع توزيع المناطق المفتوحة والساحات وممرات المياه وحركة المرور والظروف المناخية في التصميم العمراني، وتتم معالجة القضايا البيئية غالباً عن طريق لجان تشكل لغرض معين من جهات مختلفة، ويتطلب تشكيل وعمل وتنفيذ توصيات تلك اللجان وقتاً طويلاً لا تحتمله بعض المشاكل البيئية، كما ان هذه اللجان تشكل عند ظهور مشاكل محددة.
ويتطلب الوضع الحالي للبيئة بمدينة الرياض تحديد جهة محلية قادرة على وضع خطط بيئية طويلة المدى وتطبيقاتها وذلك للمحافظة على الموارد البيئية المتبقية واستغلالها الاستغلال الأمثل من أجل مساندة التنمية في المدينة.
إن موارد الرياض البيئية ونوعيتها في تدهور مستمر وغير مستغلة بكفاءة تواكب التنمية الحالية والمستقبلية للمدينة، كما ان غياب التنسيق بين الجهات المسؤولة حدّ من فرص الاستفادة القصوى والمتعددة الأغراض من مشاريع التنمية المؤثرة على البيئة.
المناطق المفتوحة
تعكس المناطق المفتوحة ومواردها في مدينة الرياض ماهية السكان وإدارة المدينة، وستساهم استراتيجية التطوير الحضري لمدينة الرياض في تحقيق التطور المستدام للمناطق المفتوحة ومواردها من خلال مراجعة الأوضاع الراهنة والتوجهات المستقبلية المتوقعة.
تتضمن موارد المناطق المفتوحة مجموعة واسعة من الأنشطة وتخصيص قطاعات من الأراضي الحكومية العامة وغير العامة والأراضي الخاصة لاستخدامها كمنافذ للدخول لمنطقة تزيد مساحتها 000 ،11كلم2 وكإطار للمراجعة تم تحديد شبكة تضم أكثر من 30 موقعاً رئيسياً تصلح للاستخدام كمناطق مفتوحة مساحتها الإجمالية 000 ،10 كلم2 في القطاعات الدائرية الأربعة حول وسط المدينة ومن هذه المساحة الاجمالية تم تعريف وتحديد مواقع شبكة تزيد على ثلاثين منطقة مفتوحة رئيسية تزيد مساحتها الاجمالية على 4000كلم2.
لم تعمل الخطط والسياسات السابقة على تطوير أو تنفيذ أية شبكة مناطق مفتوحة مهمة إذ انها لم تستند إلى أية معايير أو تصورات، وبمثل التطوير الحالي لمتنزه الثمامة المنطقة الحكومية المفتوحة الوحيدة مع ان ذلك لم ينفذ كجزء من خطة تخص مدينة الرياض.
إن استخدام المعايير الدولية لتخطيط المدن والخاصة بالمناطق المفتوحة وليس المتنزهات والحدائق، لا ينطوي على إعطاء اهتمام خاص بالبيئة الصحراوية القاسية وبالتقاليد الاجتماعية والثقافية للسكان المستخدمين لها.
تم اقتراح وضع معايير محلية بشكل مؤقت «أكثر من 500م2/شخص» للمناطق الصحراوية المفتوحة وتطبيقها لتشكيل شبكة من تلك المناطق المفتوحة الخارجية.
تشمل شبكة المناطق المفتوحة كلاً من الأراضي المتاح دخولها للجمهور والأراضي الحكومية، والأراضي الخاصة وشبه الخاصة التي لا يتاح الدخول إليها، وهنالك مناطق أخرى قد لا يتاح للجمهور الدخول إليها أو امتلاكها لكنها لا تزال تخدم كمناطق مفتوحة، وتشمل تلك المناطق المزارع والمناجم والأودية وحرم سكة الحديد وخطوط الأنابيب والمناطق العسكرية والأمنية والأماكن المحيطة بالمناطق الرياضية والترفيهية الهامة والأراضي الفضاء داخل المدينة للمتنزهات، تم ادخال الأراضي الحكومية غير العامة نظراً لأن بعضها يقع ضمن حدود النطاق العمراني المستقبلي الاستراتيجي.
أحوال المناطق
تعكس أحوال المناطق المفتوحة المتدهورة حالتها حول الرياض نتائج عدم تنفيذ الأنظمة والمتطلبات الحالية وانعدام التمييز بين الأراضي «البيضاء» و«المناطق المفتوحة»، كما لا توجد ضوابط فعالة على استخدام المناطق المفتوحة المهمة بوادي حنيفة وجبل طويق وجبل الجبيل والمناطق المفتوحة الأخرى المشمولة بالحماية. وسيؤدي عدم تطبيق طرق إدارية ذات فعالية مستمرة على موارد المناطق المفتوحة وانعدام جودتها إلى زيادة استعمالها غير الفعال وغير المجدي. سوف تؤدي زيادة عدد سكان مدينة الرياض بمقدار ثلاثة أضعاف، مع استمرار أنماط التطوير المنتشرة بشكل غير منتظم، إلى زيادة الطلب على الاستعمالات الترفيهية والمناطق المفتوحة، مما يؤثر سلباً على استخدامات المناطق المفتوحة ضمن حدود النطاق العمراني ومنطقة حماية التنمية ومناطق التأثير المحيطة، كما ان التوسع المستمر خلال الخمس والعشرين سنة القادمة سيؤدي إلى المزيد من النقص في قاعدة موارد المناطق المفتوحة.
|