إذا ما تم إمعان النظر في الدعوة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في 9 مايو 2003م عن إقامة «منطقة تجارة حرة أمريكية شرق أوسطية»، خلال عشر سنوات، تتضح بجلاء النوايا الأمريكية، التي بدأت ملامحها بالغزو العسكري للعراق، وتهديد دول أخرى في المنطقة نفسها بالمصير نفسه وهو نفس المعنى الذي أعلنه «كولن باول» وزير الخارجية الأمريكية في القاهرة من ان الهدف من الإعلان عن إقامة هذه السوق، هو تغيير المنطقة بحلول عام 2013م.
وبصرف النظر عن الدلالة اللغوية، لكلمة «التغيير»
«The rule regimes change» المستعملة هنا، في هذا السياق، فمما لا شك فيه أننا لسنا ضد «التطوير» وهي الكلمة التي أفضّل استعمالها بدلاً من كلمة «التغيير» وتفعيل آليات العمل في مؤسسات الدول العربية لتواكب التطور والتحديث، الذي يعيشه هذا العصر.. فمن المهم ان تكون دواعي ومحفزات التطوير، فعلاً عربياً وإرادة عربية من الداخل، وليس بفرضيات قوة السلاح والاحتلال الخارجي، وإلا انبعثت دواعي ومسببات التطوير من فعل ورغبة في «التطوير» إلى مطلب «للتغيير» بقوة السلاح التي تُفضي إلى الاحتلال ثم تنشأ عنه حالة من الفوضى والمقاومة، وهدر وانتفاء للأسباب الحقيقية لمطالب النمو.. وحالة غزو العراق التي تمت بدوافع «التغيير» الخارجي، مثال لذلك، ولم يشفع لأصحاب هذا الغزو ما أعلنوه من أسباب ودوافع مجيئهم «للتغيير» فقد كان لأصحاب الأرض فكرهم الجاهز، لفضح نوايا هذا القادم من الخارج، عبر مفهوم مباشر وبسيط، يعتنقه ويعيه المواطن العادي، وهو ان نوايا التطوير الشامل، وترسيخ الديمقراطية، لا تأتي محمولة على رؤوس الجنود وآلة الحرب المدمرة، وان الذي تم كان هدفه التغيير بقوة السلاح، على هيئة غزو واضح.
ومن المثير للاستياء والازدراء، ما أعلنته مصادر أمريكية بالبيت الأبيض، من ان هذه الدعوة «قد تحبط بعض الذين يقاومون منذ فترة طويلة التغيير السياسي والاقتصادي، وكانوا يأملون بمكافآت فورية، بشكل أكبر بعد دعم حرب العراق، التي وجدت معارضة شديدة في المنطقة ومعظم دول العالم» على ان أخطر ما في تلك الدعوة الأمريكية، انها تُحيي في ذهن المواطن العربي، تلك الدعوة التي أطلقها «شمعون بيريز» العمالي الاسرائيلي لإقامة منطقة شرق أوسطية، وهو ما يعني دمج الوجود العربي وإذابته في مفهوم شرق أوسطي جديد، يضم اسرائيل، ويمنحها شرعية وهوية ضائعة تبحث عنها.
وعلى حيز التطبيق العملي، هناك اتفاقيات قائمة فعلا بين الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة في هذا الشأن، من ذلك الاتفاقية بين الولايات المتحدة واسرائيل منذ عام 1985م، أي في أعقاب الدعوة أو التبشير بإقامة «السوق الحرة» التي بدأت في عصر «ريجان» ثم الأردن التي أبرم اتفاقها في عام 2000م، وتسعى كل من المغرب وأمريكا إلى اتفاق سيعلن عنه في هذا العام، وربما يعقب ذلك الاتفاق مع مصر، التي بدأت منذ عام 1999م مناقشات مع الولايات المتحدة لإنفاذ هذا الاتفاق. ولمعرفة خلفيات وآثار هذا الاتفاق مع الأردن، يقول عالم الاقتصاد المصري الدكتور «ابراهيم العيسوي»: «نحن أمام مشروع يسعى لتذويب الكيان العربي أو إلغائه، وإقامة كيان بديل هو الكيان الشرق أوسطي الذي يكرس التفوق الاسرائيلي في المنطقة، ويضع مقادير المنطقة بيد أمريكا وبيد اسرائيل حليفها الأكبر في المنطقة. ومن المهم ان نذكر ان اتفاق التجارة الحرة بين الأردن والولايات المتحدة كان مسبوقاً بإقامة ما يطلق عليه مناطق صناعية مؤهلة، أي مناطق لإنتاج منتجات تدخل السوق الأمريكية دون رسوم جمركية، وذلك بشرط ألا تقل نسبة المكون الاسرائيلي في هذه المنتجات عن 30% أي أن الوجود الاسرائيلي قائم وفعال حتى عندما يقتصر الأمر على إقامة منطقة تجارة حرة ثنائية بين أمريكا وبين دولة من الدول العربية، أو حتى عندما يقتصر الأمر على ما هو دون ذلك مثل المناطق الصناعية المؤهلة، فما بالك لو كانت منطقة التجارة الحرة موسعة وتشمل الدول العربية جميعا واسرائيل والولايات المتحدة؟!»، «الأهرام، 15 يونيو 2003م».
يضاف إلى هذا الاعتبار، ما قد يكون ميسوراً على القارئ العادي غير المتخصص فهمه، ان أي شراكة بين طرفين أحدهما قوي والآخر ضعيف، الأول لديه فائض مما ينتجه، يصدر للبلاد العربية كل شيء حتى أكل القطط والكلاب معلبة، ويفرض شراءها من الشركات الأمريكية، ضمن برنامج المعلومات أو القروض الأمريكية، التي تقدمها الولايات المتحدة للدول طالبة هذه المعونة أو المقترضة، هو ما قد يكون سؤالاً يطرحه المواطن العربي العادي: ماذا لدى البلاد العربية ان تقدمه في الشراكة التجارية بين هذه الدول والولايات المتحدة. هل تقيم فيها ورشاً أو مصانع تحضر المواد الأساسية للصناعات الأمريكية، حيث تقل التكلفة فيما يتعلق بالأيدي العاملة، ثم تعيد تصدير هذه المنتجات إلى البلاد العربية، هل ستقيم الخبرة الأمريكية مصانع، وبها كليات ملحقة لتعليم العمال العرب أسرار صناعة «المواطير» أو «ماكينات» السيارات والطائرات. إن البلاد العربية، في أقصى ما توصلت إليه أو سمح لها بالتوصل إليه، هو «تجميع» قطع السيارات التي تصل إلى الورش جاهزة ويتم تركيبها، ودهان «البودي» هل سيسمح للعرب بامتلاك أسرار التكنولوجيا المتقدمة، ومنها صناعة الأسلحة المتقدمة، كما يسمح الآن لاسرائيل، أو حتى أسلحة الردع الوقائي، أو إقامة مفاعل نووية للأغراض السلمية، دون ان تثار حيالها الشكوك لإعلان الحرب على دول المنطقة، بينما لدى اسرائيل مفاعلات نووية وقنابل نووية محمولة بصواريخ عابرة.
وفي ظل قراءة سريعة لاتفاقية التجارة الحرة بين الأردن، والولايات المتحدة الأمريكية، التي أبرمت في 24 أكتوبر 2000م، يسترعي الانتباه ان مثل هذه الاتفاقيات التي تعقد بين الدول المتقدمة، والدول النامية هي ملحقات ممهدة لاتفاقية منظمة التجارة العالمية، حيث تتركز أهداف هذه الاتفاقيات على برمجة المساعدات المالية «التمويل» التي تقدمها الدولة الممولة المساعدة، عبر فتح الأسواق في الدول المستفيدة من هذه البرامج، أمام السلع والخدمات التي تنتجها هذه الدول المتقدمة، بل ووضع المعايير والضوابط باتجاه تحرير التجارة القادمة من الدولة صاحبة الإنتاج الأوفر، «وقد وافقت الأردن على القضايا المطروحة في هذه الاتفاقية وما يترتب عليها من تبعات، رغم انها قد لا تتوافق مع بعض المصالح الاقتصادية، ومتطلبات التنمية في الأردن»، «مغاوري شلبي علي، اتفاقيات التجارة الحرة وأثرها على الصادرات المصرية، كتاب الأهرام الاقتصادي عدد 188، ص 93، 2003م».
وعلى المستوى التطبيقي للواقع الفعلي، فان صادرات الأردن إلى الولايات المتحدة لا تمثل ما يحقق له جدوى اقتصادية، بالقياس الذي يؤثر فيه فتح الأسواق الأردنية أمام الصادرات الأمريكية التي سوف تحظى بتخفيض في التعرفة الجمركية فضلا عن تحقيق الأفضلية في مشروع المناطق الصناعية المؤهلة لمنتجات ذات منشأ أمريكي واسرائيلي، يعاد تجميعها وتصديرها، وتتمحور صادرات الأردن في السلع الكمالية، كالمشغولات الذهبية والمجوهرات والملابس والسجاد، وهما سلعتان تخضعان للمنافسة الدولية، ولهذا فان عوائد الأردن الاقتصادية من صادراتها لا تضيف لها قدراً محفزاً، وقد خضعت حالة الأردن لتقييم المجلس الأمريكي للتجارة العالمية «USITC» الذي أكد تقريره، انه لا يتوقع ان يكون لهذه الصادرات الأردنية، تأثير ملموس على واردات الولايات المتحدة من الأردن باستثناء قطاع المنسوجات.
وتتركز في المقابل الصادرات الأمريكية، التي تستفيد من المميزات التي توفرها هذه الاتفاقية، في مجموعة من السلع الاستراتيجية مثل القمح، الذي سيحظى بإعفاء جمركي يصل إلى 5% فقط وقطع غيار السيارات وتعريفتها 10%، والذرة 5% والأرز 5% والملابس المستعملة!! ما بين 20% إلى 30% وقطع غيار الطائرات 10% وبالرغم من ان هذا الإجراء، سوف يخفض أسعار هذه السلع، ويجعلها في متناول المستهلك على المدى القصير الا أنها ستؤدي إلى زيادة الاعتماد على المنتج الأصلي «أمريكا» على المدى الطويل.
أما اتفاقية التجارة الأمريكية الحرة مع مصر، فقد تأخر انفاذها ولا يزال، لوقوعها أمام مجموعة من المشاكل «التعقيدية» حيث لم تراع الولايات المتحدة في اعتبارها خصوصية مصر في المنطقة العربية، رغم انها الدولة العربية الأولى التي وقعت اتفاقية السلام مع اسرائيل.
لكن حالة مصر تخضع لجملة من التعقيدات، من حيث وضعها العربي كدولة رائدة في المنطقة، ولوجود جبهة من المعارضة الشعبية، لديها قدر كاف من الحساسية في مواجهة الهيمنة الخارجية «وينظر إليها الرأي العام المحلي على أنها علاقة تقوم على أوامر وتعليمات من طرف، وقبول وتنفيذ هذه الأوامر والتعليمات من الطرف الآخر مما يعد قضايا وشؤوناً مصرية داخلية، حيث ان بعض تلك الأوامر الأمريكية تحاول التدخل في الشؤون المصرية، في إطار مغلف بحقوق الإنسان أو في رداء كالمناخ السياسي العام وحقوق وحرية المرأة، وهذه أمور ترتبط في معظمها بالخصوصيات المصرية، ترتبط بمجموعة من القيم والتقاليد في المجتمع المصري»، «مغاوري شلبي علي، ص 88، 89، مصدر سابق» ومن أهم الشروط التي ترفعها الولايات أساساً لقيام اتفاقية السوق الحرة بينها وبين مصر ما يلي:
قيام مصر في إطار الاتفاقية بالدخول في مناطق صناعية مؤهلة مع اسرائيل، على غرار النموذج المعمول به مع الأردن كشرط لدخول الصادرات المصرية إلى الأسواق الأمريكية.
تتخذ مصر إجراءات ملموسة لتحسين المناخ السياسي، وزيادة حرية التعبير، وتوسيع دور المجتمع المدني، وتوطير ثقافة هذا المجتمع من خلال عدة وسائل أهمها وسائط الإعلام.
ضرورة تدخل الحكومة المصرية، لمنع ما تطلق عليه معادات السامية في الصحف والإعلام المصري.،
معالجة مناهج التعليم التي تعمل على زيادة الكراهية للولايات المتحدة ولاسرائيل.
إدخال وتعديل بعض التشريعات، وإنفاذ الإجراءات التي توسع من دور المرأة في النواحي المختلفة، سياسية واقتصادية، وزيادة حرية المرأة، «والتي قد تصل إلى المطالبة في بعض الأحوال بأمور تتنافى مع منظومة القيم والتقاليد المصرية» «المصدر السابق ص 89».
هذا جزء من الشروط الأمريكية، التي تفضح النوايا، مع الجهد الذي بذل لمحاولة وضعه في منظومة صيغة اقتصادية، وفي مواجهة هذه النوايا يقول عضو المكتب الفني لوزير التجارة الخارجية المصري مغاوري شلبي:
«أحقية مصر في ان تتحفظ بشأن قيام العديد من الجهات الأمريكية، وخاصة الكونغرس، بوضع اسرائيل كبعد أساسي في العلاقات بين القاهرة وواشنطن، وكذلك في العلاقات بين واشنطن والعواصم العربية، ومن هنا يأتي الرفض المصري القاطع لإقامة مناطق صناعية مؤهلة مع اسرائيل في إطار إبرام اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والملاحظ ان الرفض المصري ينطلق من أسباب سياسية، أساسها ان مصر ترى ان علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، هي علاقة صناعية مصرية أمريكية، وليس علاقة ثلاثية طرفها الثالث اسرائيل، ورغم إيمان مصر بالبعد الاسرائيلي في علاقاتها مع الولايات المتحدة الا ان من حقها ان ترفض ان يمثل هذا البعد الرهن الكامل على العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، كما ترفض مصر أيضا ان تمر منطقة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال البوابة الاسرائيلية، ومن حق مصر ألا تبدي أي مرونة في هذا الموضوع الا عندما يتم الربط بين التعاون الاقتصادي الإقليمي في المنطقة «بالتحديد مع اسرائيل»، وبين التقدم في عملية السلام، وان هذا التعاون الاقتصادي مع اسرائيل يجب ان يكون موازياً للتقدم في مسيرة السلام إن لم يكن لاحقاً له.».
وتضع الولايات المتحدة، شروطاً عامة أساسية، للدخول معها في منطقة شراكة حرة معها؟ أو بالأحرى الدخول في «نعيم الشراكة الأمريكية». أبسط هذه الشروط هي:
الانضمام إلى عضوية منظمة التجارة العالمية WTO.
التصديق على حماية حقوق الملكية الفكرية TRIPS.
مقاومة الإرهاب.
إقامة نظام حكم ديموقراطي.
ولا يخفى على فطنة القارئ ان الشرطين في آخر هذه البنود، تتولى الإدارة الأمريكية بنفسها تفسيرهما تحت موسغ «عسكرة العولمة» لأن الاتفاق على مدلولاتهما يقع تحت هوى القادرة على الهيمنة، وهو ما يُفسر اعتراض رموز من الاقتصاديين العرب، على إقامة مشروع منطقة التجارة الحرة الأمريكية الشرق أوسطية، يقول الدكتور ابراهيم العيسوي في هذا الشأن:
الاعتراض على مشروع منطقة التجارة الحرة الأمريكية الشرق أوسطية، فهو انه يستهدف ضرب مشروعات التكامل العربي من جهة، وتكريس الهيمنة الأمريكية الصهيونية على المنطقة، والانحياز لإسرائيل في التوصل إلى حل للصراع العربي الاسرائيلي بما يعني إضاعة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وربما لسوريا ولبنان أيضا، من جهة أخرى انه مشروع لإذابة الهوية العربية ضمن كيان هلامي يدعى الشرق الأوسط بهدف أساسي وهو تكريس التفوق الاسرائيلي في المنطقة وضمان قيام مندوب دائم لأمريكا في المنطقة يمكن الوثوق فيه والاعتماد عليه وهو اسرائيل، أي أننا أمام مشروع بناء شرق أوسط جديد بقوة السلاح الأمريكي وفي ظل الغطرسة الاسرائيلية وبالطبع فان هذا كله ليس في صالح العرب»، «مصدر سبق ذكره».
فماذا نحن فاعلون تجاه هذا التيار الجارف الذي انطلق عبر «قطار العولمة» وإذا كنا لا نستطيع ولا يجب ان «نفرمل» عجلات هذا القطار، ليس لأن ذلك في غير مقدورنا، بل لأن هذا القطار قد انطلق وتهيأ لانطلاقة ممارسات بشرية وتطورات مستمرة، كانت تدور في محيط الزمان والمكان، ولذلك فأوجه التغيير والتبدل فيما وصلت إليه العولمة في كل مناحي الحياة المعاصرة، متغير ومتبدل، وإلا لما وصلت إلى ما وصلت إليه، نتيجة لهذا التغير، والتبدل، ولهذا فان التعامل مع هذه المتغيرات يجب ان ينطلق من فهمنا الحقيقي لإمكانياتنا وتعظيمها، وليس لتحقيق ذلك بديل، غير إقامة تجمعات اقتصادية عربية إقليمية، تفضي إلى تجمع اقتصادي عربي، ولنا في التجربة الأوروبية خير مثال، ومن المفهوم علمياً ان سياسة السوق الانفتاحي الحر وعولمته لا تخلق تنمية، إن التنمية فعل بشري يتم صنعه وإقامته بأيدي البشر، أهل الأرض ذوي الثقافات التي تناغم تطورها مع بقائهم وتناميهم على هذه الأرض، لذلك لا بد من تنمية الصناعات الوطنية، وتنمية الأسواق المحلية الوطنية، ووضع زحف السوق القادم مع قطار العولمة، تحت قدرة المنافسة، ووضع قانون الحماية، والدأب على تنمية الاقتصاد الوطني بانفتاحه بقدر محسوب على الاقتصاد العالمي وإلا تعمقت الهوة بين ما ننتجه وما نستهلكه.
إن الانفتاح على السوق، لا بد ان يكون متوازياً مع قدرة متنامية في الإنتاج، وكفاءة اقتصادية، قادرة على المنافسة.. إن شروط المنافسة مكفولة بما لدى الأمم من إنتاج تطرحه في الأسواق.
«قطار العولمة» المنطلق عبر «قضبان» منظمة التجارة العالمية، يحمل معه مجموعة من «الشِراك» ينصبها على طريق العولمة، وينبه إليها الدكتور ابراهيم العيسوي «التنمية في عالم متغير، ص 57، دار الشروق 2001م القاهرة».
شراك المنافسة غير المتكافئة، التي تؤدي إلى قتل الصناعات المحلية، وتجريد البلاد إلى حالة تصنيع عكسي.
شراك التبعية وانسحاق الإرادة والمصلحة الوطنية وتغليب إرادة أطراف خارجية ومصالحها.
شرك الهشاشة أمام الصدمات الخارجية، وفقدان الحصانة أمام ضربات الاقتصاد العالمي التي قد تطيح في أيام بمكاسب تحققت بجهد وعرق سنوات طوال.
شرك التفكك الاجتماعي، تحت وطأة ما قد تؤدي إليه العولمة، غير المنضبطة من تفاوتات صارخة في توزيع الدخول وفساد إداري وأخلاقي.
ومن الملاحظ على هذه الدعوة الأمريكية إذا ما تم إحسان الظن بها انها لم تسع إلى تعزيز السوق العربية المشتركة «التي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي للدول العربية في 19 فبراير 1997م وهو الذي تم تسميته ب «البرنامج التنفيذي لإقامة منطقة تجارة حرة عربية كبرى خلال عشر سنوات اعتباراً من أول يناير 1998م» وإنما كانت دعوتها وسعيها للاتفاق مع دول الطوق، لضمان دخول اسرائيل بشكل ما في هذه الاتفاقيات، كما حدث في الاتفاقية مع الأردن ومحاولة عقاب دول لم تسع إلى دعوتها لحضور الاجتماعات التمهيدية مثل سوريا ولبنان، مما يجعل لتلك الاتفاقيات أهدافها السياسية الواضحة التي تهدف بالدرجة الأولى إلى الهيمنة الأمريكية على المنطقة اقتصادياً وسياسياً وخلق مزيد من الخلافات العربية، عن طريق بروز توجهات عربية معارضة لهذه الاتفاقيات، وضرب الاتفاقيات الثنائية القائمة بين الدولة العربية. بل ان أصابع الضغط الأمريكي، قد تكون ضالعة، وراء تعطيل آليات قيام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى حتى الآن حتى ان مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، أصبح مهدداً، كأي جهاز من أجهزة الجامعة العربية ومؤسسات العمل العربي المشترك بالانهيار، وها هي ثلاث دول: المغرب وليبيا والإمارات، أعلنت انسحابها من عضوية مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، في أواخر عام 1999م.
أما المغرب التي انضمت إلى البرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى بعد ثلاث سنوات من إقراره في 30 يناير 2000م فقد أعلنت في فبراير 2002م عن توقفها عند المرحلة الثالثة من تطبيق البرنامج، ثم أعلنت انضمامها إلى منطقة تجارة حرة رباعية، المزمع قيامها مع مصر وتونس والأردن، وهنا تناقض خفي بين الموقفين يفسدهما عدم اتحاد المقاصد العربية، ويفسرهما قيام تنظيم جديد لهذه السوق الحرة التي قامت بين الأردن وأمريكا، وفي انتظار قيامها مع المغرب ومصر، أما تونس فللمغرب دواع خاصة معها.
أما الإمارات فلها دواعيها الخاصة بها، فهي سوق حرة قائمة بذاتها، تقوم دواعي اقتصادها على الصادرات والتصنيع العكسي، وهو لن يمنحها على المدى الطويل قيام تنمية اقتصادية لها جذورها المهيمنة، القائمة على أسس وقواعد وطنية إنتاجية.
|