* «الجزيرة» استطلعت في التحقيق أحوال النظافة في محافظة جدة من خلال مشاهد تتحدث الإهمال وتشير إلى مسؤولية أكثر من جهة.
* «جدة» التي عاشت قبل سنوات تكرار الأزمات مع النظافة مازالت حتى اليوم في انتظار المزيد لإحكام السيطرة على مسببات هذا التهاون الذي يضيف الأعباء على شركة النظافة أو يجعلها في موضع الاتهام بالتقصير وكذلك البلديات التابعة للأمانة.
استطلاع :
عبدالرحمن إدريس
نبش الحاويات
المحاولة في تحديد إطار معين للإهمال تتضح من خلال الصور حيث تمارس عمالة أفريقية من النساء مهمات نبش حاويات النظافة بحثا عن بقايا مفيدة في المخلفات ويؤدي ذلك إلى بعثرة اكياس الزبالة وما بها وزيادة الطين بلة بإتاحة الفرصة لتكاثر الذباب والبعوض والروائح الكريهة وتناثر المحتويات في مساحة أكبر.
* ويبقى الحال على ما هو عليه لساعات وفي أماكن كثيرة ليوم ويومين في انتظار تغطية شاحنات شركة النظافة ومرورها وفق جدولة مناطقية قد تعجز عن سرعة الإنجاز المطلوب.
* أعداد (الحجّات) كما يطلق على الأفريقيات منذ ان كان وجودهن في الحجاز قديماً يقتصر على بيع الفصفص واللوز السوداني: تأخذ في الزيادة وذلك يعني اعداداً أكبر من حاويات النظافة التي تتعرض للنبش وكأنه البحث عن الكنز المفقود!!
مهمة الفجر
* توقيت مدروس بتلقائية للبعد عن المشكلات يأتي بالنساء الافريقيات إلى أماكن الحاويات فجراً وقبل شروق الشمس وتبدأ المهمة بعيداً عن الأنظار وفي هدوء يتيح لهن انتقاء نوعية المخلفات وان كان التركيز الأكبر على عبوات المياه الغازية الفارغة والأخشاب وغيرها من الخردة التي تجمع ثم تباع لمحلات وورش تستفيد منها بشكل أو بآخر..
* (الحجّات) تغيرت مواعيد مهماتهن فهي تبدأ في الثلث الأخير من الليل بالتجمع ثم الذهاب إلى أماكن القمامة ولا تشرق الشمس حتى يختفين عن الأنظار ثم يخاطر بعضهن بالعمل في الشمس الحارقة والمساء المبكر.
عربات الأطفال
تدفع هؤلاء النسوة بالعربات التي كانت مخصصة للأطفال بعد تحميلها بالمخلفات المنتقاة وتكون وسيلة نقل عالجت التخفيف من تعب الحمولة فهناك احتمال الزيادة أثناء الطريق باكتشاف اكياس زبالة بجوار الحاويات أو داخلها..
ولايزال هاجسهن حلما بالعثور على ما هو أفضل بين المهملات وما يرمى من الأطعمة قبل ان تفسدها أو تنقض عليها القطط..
عربات الأطفال وسيلة نقل جيدة في هذه المهمات ولا تستعمل كثيرا من قبل الأمهات حسب طبيعة وظروف مجتمعنا فيتم التصدق بها لهذه العمالة وهي بحالة جيدة..
والمشاهد في حمل المخلفات حين تدفع داخل هذه العربات يثير الشفقة أحياناً ويبعث على احتمال خطورة المرور اثناء العبور بها في الشوارع والتقاطعات المزدحمة بالسيارات.
نظرة إنسانية
* كيف يتعامل السكان مع هذه الظاهرة؟
- الإجابة كانت موضحة لانطباعات متفاوتة حول هذه الظاهرة حيث يقول «محمد المسفر» بأن هناك طبيعة إنسانية متأصلة في مجتمعنا بالعطف والشفقة على المساكين وعندما نتحدث عما يحدث يجب ان ننظر إلى أنهن كبيرات السن ومعدمات فهي عملية كسب العيش بأقل من القليل وهو شيء محزن فعلا ويثير الشفقة وقد يكون هذا سبباً في عدم الاعتراض على ما يحدث من نبش للحاويات بحثا عن القوت أو ما يمكن الاستفادة منه ناهيك عن كثير من المخلفات التي تلقى في القمامة وتصلح لهن ويفرحن بها..
* «سالم علوي أحمد» يضيف بأن إحساساً ومشاعر مشتركة تنتاب الجميع تجاه هذه الفئة من الحجات ونحن لانعرف إذا كن متخلفات أو بإقامات ولكن المسؤولية في هذه الناحية مناطة بالجهات المختصة أما من جهة المواطن فهو يحتار في أمره عندما لايجد قدرة السيطرة على هذا الإحساس بالتعاطف الإنساني مع فقيرات إلى هذا الحد وقد يجد البعض فائدة منهن في تخفيف كميات المخلفات من حاويات النظافة.
* وللحقيقة كما يقول - سالم علوي - فهن لايبعثرن مابداخل الحاويات بل البحث عما يسد الرمق من خبز جاف وكميات من فضلات الطعام التي كثيرا ما تلقى في القمامة وهي لم تمس أو فائضة من الولائم.
* أغلبية التقتهم «الجزيرة» كانوا إلى وجهة النظر هذه في إثارة المشهد للشفقة مع ملاحظة قدرة مايحدث من بعثرة الحاويات وان حدث فهو للأكياس بجوارها التي لن تسلم من خربشة القطط التي تشتم رائحة الأسماك عن بعد وتجد ضالتها في مخلفات سكان جدة وهم من أكلة البحريات بشكل شبه يومي.
إهمال متعمد
* من الذي يقوم بالقاء المخلفات بجوار الحاويات وليس بداخلها؟
- جزء من الإجابة يشير بأصابع الاتهام إلى من تعارفنا تسميتهم ب (حارس العمارة) وهذه العمالة الرجالية للنظافة تتقاضى أجوراً تعادل للحارس ثلاثة أضعاف ما يحصل عليه عامل نظافة الشركة أو أكثر.. حول ذلك يوضح «محمد الغامدي» بأن سكان عمارة بها عشر شقق وعشرون يعتمدون على الحارس في نقل مخلفاتهم من أمام الأبواب كل يوم مقابل 50 ريالاً بالشهر عدا راتبه من صاحب العمارة والمفترض ان يتحمل المسؤولية ويكون في مواجهة عقوبة المخالفة حيث إننا نشاهد في كثير من الأحيان تصرف هؤلاء العمال بإهمال وضع أكياس الزبالة في الحاويات.. وأحيان أخرى تكون العملية عن طريق الخادمة..
- «محمد الغامدي» يقترح متابعة البلديات لما يحدث وهي مهمة في غاية السهولة كما يقول في الوقت الذي ستؤدي إلى التخفيف من معاناتنا مع النظافة وتسهيل مهمة الشركة التي يقتصر دورها في نقاط معينة وشوارع كثيرة على التعامل مع الحاويات فقط.
- إلى نفس هذا الاقتراح كان رأي «نبيل العمودي» وإشارته لما يحدث من إهمال النظافة نتيجة عدم وعي سكان العمارات وإهمالهم ويقول بأن لائحة عقوبات المخالفات صريحة وواضحة في هذا الشأن إلا ان المطلوب هو التطبيق والتنفيذ العملي الذي سوف يجعل النظافة سلوكا حضاريا متبعا والأحرى بأمانة محافظة جدة وضع الاجراءات اللازمة في حيز التنفيذ.
- والاقتراح بالعقوبات المالية جديرة بأن تجبر السكان بالالتزام في وضع المخلفات في أماكنها المخصصة وقد يكون هذا الأنسب إلى جانب أدوار التوعية المستمرة بالاهتمام بنظافة الشارع فكما يقال الشارع النظيف عنوان أهله وللأسف لم يعد الاكتراث بذلك موجوداً بالشكل الذي نقترب فيه إلى المثالية..
(الحجّات) والنظافة
- علاقة الأفريقيات بالنظافة ارتبطت بوجهات نظر أخرى فيقول «بشير المسيري» بأن وجودهن يرجع إلى عقود من الزمن ونظراً لتمتعهن بأجسام قوية كانت الأعمال التي يقمن بها صعبة حتى على الرجال وقبل 70 عاما كما يتذكر البعض كانت الدلالة على قوة احتمال المرأة الافريقية (من جنوب السودان ونيجيريا وغيرهما) فعرفت جدة بائعات الماء الذي يجلب من (الكنداسة) في (تنكة) وزنها 20 كيلوغراماً أو أكثر وتقوم بتوزيعها على البيوت.
- وهي العمالة التي كانت أيضاً تقوم بنظافة البيوت واكتساب قدرة التحمل ترجع إلى الطبيعة القاسية ومهمات المرأة في بلادهن أما حالياً في جدة فالمهمة مع النظافة يجدن فيها البديل وبجهد أقل خاصة ونابشات الحاويات من الكبيرات في السن وليس أمامهن مجال آخر خاصة بعد دخول العمالة المنزلية من شرق وجنوب آسيا إلى البيوت والذي انتشر منذ عشرين عاما على وجه التقريب..
- الفارق كبير بين مايمكن الأخذ به للمساعدة في النظافة وهو يرجع إلى البيئات التي نشأت فيها هذه الجنسيات.. وما يمكن الآن هو دور الوعي بأهمية النظافة وذلك باحساس من المواطنين بأن الجميع مشارك في هذا الدور ولا يشفع الإحساس بالشفقة بالإهمال والتغاضي عن إهمال النظافة في مختلف الاشكال.
- أما والعاطفة تغلبنا أمام هؤلاء النسوة فإن مجال الصدقة متاح وبالشكل الذي لايضطرهن إلى البحث عن لقمة العيش في القمامة فكم من الامراض محتملة في هذه الحالة!
أطفال التسمم
* المسؤولية المشتركة تجاه حضارية السلوكيات وبخاصة في التعامل مع الشارع العام من حيث الاهتمام بالنظافة.. هذه المسؤولية كانت في حديث المرأة أيضاً.. وحول ظاهرة (الحجّات) هذه العمالة النسائية التي تبحث عن البقايا في حاويات وأكياس القمائم كان الرأي النسائي:
- «عبير عبدالمجيد السلاوي» طبيبة أطفال تقول:
حقيقة فنحن نتعاطف مع هؤلاء النسوة ونألف وجودهن في التجوال بالشوارع منذ سنوات أما نسبة منهن وهي قليلة حسب ملاحظاتي فهي التي تبعثر القمائم وتتركها عرضة للإساءة للشارع العام وعلى كل حال فنحن مع الأخذ بايجابية هذه العاطفة تجاهههن ولكن تجربتي كانت غير ذلك فقد تكررت حالات التسمم لدى اطفالهن وهو ما يجب ان يؤخذ في الاعتبار تفعيلا للتعاطف الايجابي والانساني وتقدم للمحتاجين الأطعمة قبل القائها في القمائم ولا تضطرهن تحت العوز محتاجات لحمل بقايا أطعمة فاسدة إلى أطفالهن وان كان هذا مايحدث فعلا كذلك فإنني أذكرهم بقوله تعالى {لّن تّنّالٍوا پًبٌرَّ حّتَّى" تٍنفٌقٍوا مٌمَّا تٍحٌبٍَونّ }.ودوافع الحرص هنا هي محافظة على صحة أفراد موجودين في مجتمعنا على كل حال ويجب أن تتفاعل الجهود لنشر وعي صحي بين هذه الفئة ولن نعدم الوسائل إلى ذلك..
- «ناجية وليد» أخصائية اجتماعية تقول بأن إهمال السكان هو فعلاً السبب المباشر في انتشار ووجود هؤلاء النساء واختيارهن
لصناديق القمائم للبحث عن استياء مفيدة ومنها الأطعمة وأغلبها فاسدة بالطبع ونحن عندما نكون بصدد معالجة ظاهرة يقال إنها تشويه للمنظر وإساءة لوجه مدينتنا فيجب ان نبدأ بأنفسنا أولاً وهنا جانب التوعية القادرة على الوصول الى قناعات السكان بأهمية ذلك وللأسف ينطبق المثل الذي يقول (من نظافة الشارع نعرف مستوى السكان) فالنظافة في البيوت قد تأخذ كل الاهتمام وكان الشارع ملقى للنفايات والزبالة.
أين العقوبات
- تختتم «منى الحربي» الحديث عن هذه الظاهرة فتقول بأن هؤلاء الأفريقيات (الحجّات) يقمن بدور مساهم في النظافة بالتخفيف من أكداس المخلفات حول وداخل الحاويات وبالمشاهدة فإن هذه المخلفات لم تعد فضلات مطبخ وأطعمة بل كل شيء يلقى به من سجاد قديم وموبيليا تالفة وملابس قديمة وبلا مسؤولية أو إحساس بالتشويه الذي نراه..- ولا أنسى التأكيد هنا أن العمالة الوافدة من بوابي العمارات السكنية وأصحاب المحلات التجارية وبنسبة كبيرة جدا وملحوظة من الوافدين الذين لايهمهم بالطبع مسألة كيف التعامل مع النظافة والتقيد بأسبابها وإذاً لقد حان الوقت لتدخل البلديات وهي الغائبة كما يبدو والمقصرة في تطبيق العقوبات على المستهترين بنظافة شوارعنا.. أما تغاضي المواطن عن هذا الاهمال فهو لا يعفيه كصاحب عمارة أو ساكن من الغرامة وبالنسبة لهذه العمالة النسائية فلا أعتقد انها الطرف الأساسي في المشكلة.
وماذا بعد؟!
نصل أخيراً إلى مقترحات يعتقد بأنها مناسبة لإسكات نبضات الشفقة في الإحساس أو البعض منه في الشعور بالحزن أمام هذه المشاهد البائسة.
- أولاً مع اتفاق بأنها عمالة مسالمة إلى أبعد الحدود وتستحق المساعدة وثانياً وليس النهاية أن يتكلف المحسنون وهذا لايقتصر على الأثرياء بتتبع الحالة ومعرفة أماكن سكن هؤلاء المساكين فيحمل اليهم فائض الأطعمة بدلا من إلقائها في القمائم والملابس القديمة وكل ما يستغنى عنه من لوازم أخرى وقد يتاح لهن زيارة البيوت لحملها قبل الزج بها إلى حاويات النظافة.
|