عنوان بارز من عناوين مجلة المستقبل الإسلامي التي تصدرها الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض، في عدد شهر رجب 1424هـ يقول: «التعليم في العالم العربي والإسلامي كارثة»، وصاحب هذه العبارة هو الدكتور طارق السويدان، ولولا أنَّ أبا محمد من أصحاب الجهود المتميزة في عالمنا الإسلامي في مجال صناعة القيادة، والإدارة الناجحة والإبداع البشري لما وقفنا هذه الوقفة أمام عبارته السابقة لأن الصحافة ووسائل الإعلام كثيراً ما تبالغ في صياغة العناوين اللافتة للنظر، يضاف إلى ذلك أن هذه العبارة وردت على غلاف مجلة «المستقبل الإسلامي»، وهي من المجلات الموثوقة الرزينة التي تخدم الحقيقة، ولا تبالغ في الإثارة الصحفية، ومن هنا كانت هذه العبارة مهمة وخطيرة وجديرة بالتأمُّل والتساؤل.
وحتى نُلمَّ بالموضوع من أطرافه يحسن بنا ان نقرأ رأي الدكتور طارق كاملاً، يقول: موضوع التعليم في العالمين العربي والإسلامي يشكل كارثة حقيقية، بل يمثل خطراً جسيماً على الأمن القومي، ومن يتأمل الاحصاءات المتداولة عن التعليم والتحصيل يعرف بوضوحٍ حجم الخطر الداهم، ولا أكون مبالغاً إذا أطلقت هذه الأوصاف والنعوت، ويواصل د. طارق حديثه قائلاً:
كيف لا تكون كارثة وعدد الأميين في عالمنا العربي يصل إلى 65 مليون أمي، وهذا يشكل 43% من السكان، وأنا اطلعت على احصاءات منظمة اليونسكو وهي تقول: إن نسبة الأمية في العالم العربي تعد أعلى نسبة أمية في المتوسط العام في العالم، فكيف تستطيع أمة النهوض وحشد الطاقات، وهذا حالها التعليمي؟، ثم يقول: الأمر خاص باستراتيجيات الدول، وماذا تريد أن تفعل؟ وما هي خُطَطها؟، وأنا اطَّلعت على بعض الخطط الاستراتيجية لدول عربية ووجدت الخلط في «المفهومات»، فنحن نريد دولة صناعية وزراعية واستثمارية وسياحية، وهذا خلط في الخطط والرُّؤى من دون تحديد شيء، وهناك مثل يقول: الذي يريد ان يعمل كل شيء لا يمكن أن يتقن شيئاً، وهذا هو الذي يحدث في عالمنا العربي والإسلامي، فهل سألنا أنفسنا سؤالاً محدَّداً ما هي الهوية التي نريد أنْ نصنعها؟ وما هي الرؤية التي نريد ان نحققها، وبالتالي، نحدد بوضوح وبدقة نوع التعليم الذي نريد ان نصل إليه ليحقق رؤيتنا، فمثلاً في الدول النفطية، هناك كليات للبترول والتكنولوجيا ويتم تدريس مواد ويتخرج الطالب وهو أمي في هذه الناحية، ويواصل الدكتور طارق حديثه قائلاً: للأسف، ما تنفقه الدول العربية على التعليم يكاد يوازي ما تنفقه الدول الغربية، وأنا أقصد هنا الدول الخليجية، بل إنها قد تفوق معدلات انفاق دول مثل كندا واليابان والدول الأوروبية، فالقضية هنا ليست في حجم الانفاق، لكن في الإدارة الصحيحة، من السهل أن نشيد مدرسة، ونعين مدرسين، ولكن كيف ندير هذا الصرح التعليمي، أما التعليم الحكومي فإننا ننفق عليه مبالغ تستطيع أن تصنع أحسن مدارس في العالم، إذا كان هناك هدف، وهناك خطة، ورؤية استراتيجية.
ثم قال الدكتور طارق: ما يطلبه الأمريكيون من تغيير مناهج التعليم والاتهامات التي يوجهونها للتعليم الإسلامي مرفوضة، وهي نظرة عنصرية بغيضة، أما ما نطلبه نحن فهو من قبل هذا الهجوم الأمريكي، فنحن مطلبنا إصلاح جاد للتعليم في بلادنا.
هذا ما قاله د. طارق السويدان للمجلة المذكورة، وهو يطرح عدداً من القضايا المهمة التي يصعب على المنصف الحريص على بناء الأجيال المسلمة الواعية تجاوزها، ويمكن حصر تلك القضايا فيما يلي:
1 التعليم في العالم العربي والإسلامي كارثة حقيقية
2 يمثل التعليم في العالم العربي بوضعه الحالي خطراً على الأمن القومي
3 إحصاءات التعليم والتحصيل توضح حجم الخطر الداهم
4 43% من عدد السكان في العالم العربي أميون «65 مليون نسمة».
5 نسبة الأمية في العالم العربي أعلى نسبة أمية في المتوسط العام في العالم
6 هنالك خلط واضح في المفهومات وخطط التعليم والرؤى المستقبلية في العالم الإسلامي
7 كثير من خريجي كليات البترول والتكنولوجيا في العالم العربي، والدول الخليجية يظلون أمّيين في هذا المجال إذا تخرَّجوا منه
8 معدَّلات الإنفاق على التعليم في الدول الخليجية تفوق نظيراتها في مثل كندا واليابان والدول الأوروبية
9 ضخامة الإنفاق على التعليم الحكومي في المنطقة يحتاج إلى تحديد واضح للهدف، والخطة، والرؤية الاستراتيجية.
10 المطالبة بإصلاحٍ جادٍ للتعليم في بلادنا، على طريقتنا، ووفق حاجاتنا وليس استجابة لدعوة تغيير المناهج الأمريكية.
نقاط عَشْرٌ تستحق أن توضع تحت المجهر لأنها صادرةٌ من رجلٍ ذي خبرة وتجربة واسعةٍ في مجالات التخطيط والإِدارة، وله أدوارٌ لا تخفى في صناعة الإبداع البشري، وصناعة الأجيال القادرة على القيادة السليمة والعطاء، وله علاقة بالدراسات الأكاديمية المنظمة الجادة من خلال إدارته لأكاديمية الإبداع الأمريكية في الكويت لفترةٍ من الزمن.
نحن حينما نتوقَّف عند مثل هذا الطرح الجريء الواضح لا نريد ان نتسابق إلى إنكاره انتصاراً لجهودنا التعليمية في العالم العربي في المرحلة السابقة، ولا أن نسلِّم به دون مناقشة مثمرةٍ توصلنا إلى الهدف المنشود.
ولعلَّ الوقوف عند ضعف أثر التعليم في بناء الأجيال الفاعلة المبدعة هو الأجدر بنا، دون إغفالٍ لقضية ارتفاع نسبة الأمية التي أشار إليها الدكتور طارق في حديثه.
ما مدى دقَّة ما أشار إليه الدكتور من «كارثة التعليم، وخطر المستوى التعليمي الضعيف على مستقبل الأمة وأمنها القومي»؟؟.
سؤال مهم جديرٌ بأن يفتح لنا أبواب مناقشة جادَّةٍ ذات أثرٍ وقيمة في الرُّقيِّ بمستوى التعليم في عالمنا الإسلامي:
إشارة
مازال في الأرض ميدان ومتَّسعٌ
للخير يدركه مَنْ جدَّ في الطلبِ
|
|