ظن العالم العربي أن بمجيء الفضائيات العربية في وقت الأمة في أمس الحاجة إلى ذلك ستوحدهم وتقرب فيما بينهم فتوحد ثقافاتهم وأحلامهم وطموحاتهم.
وبالتنسيق والتعاون فيما بينهم يمكن حل الكثير من المشكلات الاجتماعية والشبابية والثقافية والسياسية.. إلى آخره من المشكلات الملحة والهامة.
لكن من يستعرض الوضع الحالي لمعظم الفضائيات العربية لا بد أن يجده مخيبا ومحبطا لكل الآمال والأحلام كما يجده مهينا لأمتنا وتعاليمنا وأخلاقنا وكل ما هو متعارف عليه في مجتمعاتنا، لحساب من؟.. وعلى حساب من؟..
كيف نقدم النماذج السلبية اللا مبالية والمفتقرة للثقافة والعلم والدين إلى الشباب على أنها المثل الأعلى، ما هذا المثال السيئ ليحذوا حذوه، كما يمكن أن نتفهم بدون مجهود المواصفات والمتطلبات التي يجب توافرها في مقدمة ومقدم البرامج بالنسبة للمظهر والأداء والسلوك والمواهب المتعددة ....... كم برنامجاً يقدم ثقافة عامة ومادة هادفة وكم برنامجاً يقدم مواد سامة ومفسدة للعقول ومشجعة على الرذيلة كما أن لغتنا العربية الجميلة أُفسدت هي أيضاً استبدلت بالعامية الركيكة جهلاً بقيمة هذه اللغة التي اختارها الله ليخاطب بها البشر في محكم كتابه الكريم، لماذا نتبرأ منها ولم نعد نتشرَّف بها؟ كيف يجيز المسؤولون في بعض الفضائيات العربية هذا التعميم للعامية بهذا الشكل المهين؟ ما هذا التفاني والجهد في إفساد هذا الجيل؟
وما يزيد من الأمر خطورة هو التزايد الكبير في عدد الفضائيات التي تبث فقط من أجل الغناء والرقص والفيديو كليب، وسيطرة ظاهرة البرامج التي تروِّج للغناء فما إن ينتهي برنامج من «مسابقات الغناء» حتى يبدأ برنامج آخر يحمل نفس الرسالة ونفس المضمون لفرض مفهوم جديد للطموح لدى الشباب وبشكل ملح وسط زخم إعلامي كبير ووسط ترويج مخيف إلى حد الفائز في تلك المسابقات يستقبل كبطل وطني قام بعمل بطولي خارق، فلقد انتزع حقاً من الحقوق العربية المغتصبة أو أعاد بعضاً من الأراضي العربية المحتلة أو برَّأ الإسلام والمسلمين من تهمة الإرهاب.
أنا أسمع الموسيقى في بعض الأوقات وأحترم الكثير من الفنون الراقية الهادفة التي لا تعرف الابتذال، لكن أن نحول طموحات واهتمامات الشباب ونحصرها في هذا المفهوم وبهذا الإصرار الغريب ما إن ينتهي برناج من هذا النوع حتى يبدأ آخر وبإصرار على نفس تلك الرسالة والأمر يتكرر على الكثير من الفضائيات العربية تباعاً.. فهذا يطرح سؤالاً كبيراً:
ما هو المضمون الخطير والعظيم وراء تلك الرسالة ومن يقف وراء ذلك في فضائياتنا العربية؟
لماذا لا نقدم بنفس هذا الحماس والإصرار وبنفس هذا الزخم الإعلامي والترويجي رسالات أخرى للشباب تناقش قضاياهم ومشاكلهم وتشجعهم على العمل والانجاز للقضاء على البطالة والفراغ وتزرع فيهم حب العمل وكراهية الفراغ، فمهما كان العمل بسيطاً ومتواضعاً عليهم أن يقبلوه حتى يتعلموا الاعتماد على النفس والانضباط ويكسبهم الخبرة، عوضاً عن هذا الإصرار على أن الغناء والرقص والفيديو كليب هو الانجاز الأهم والأعظم لشباب الأمة.. إن الأمة تواجه تحديات جساماً للنيل من دينها ومقدراتها وثرواتها وأمنها.. فمن سيتصدى لذلك؟!
لا بد أن يعي ويستوعب الشباب تماماً لتلك المخاطر التي نواجهها ولا بد أن تكون وسائل الإعلام العربية وخاصة الفضائيات العربية أول وأهم الوسائل المتاحة للتصدي لذلك لنعد هذا الجيل والأجيال القادمة ونهيئهم ليكونوا مستوعبين تماماً لقضايا أمتهم وقادرين على مواجهة تلك الأخطار، ليكونوا مسلحين بالعلم والإيمان ومشبعين بالإرادة والروح الوطنية العالية، ليكونوا قادرين على التصدي لذلك وعلى البذل والعطاء من أجل وطنهم وأمتهم وقادرين على حماية أوطانهم ولا يمكن تضليلهم أو انجرافهم وراء تيارات هدامة والسيطرة على عقولهم.
نحن لا نستطيع متابعة استمرار تلك المهازل في صمت كالشيطان الأخرس، إدراكاً منا للمسؤولية وللأمانة التي تحتمها علينا أقلامنا التي تمثِّل السلطة الرابعة..
أين الرقابة وماذا ينتظر المسؤولون، لماذا نترك المشكلات دائماً في أمتنا حتى تتفاقم وتصبح معلَّقة لأجل غير مسمى ونتناول الأمور بعد فوات الأوان ..... بأوان؟
متى تؤخذ الخطوات الحاسمة؟ أليست مشكلة الفضائيات قضية هامة وخطيرة جديرة بالإسراع والجدية في التناول لأنها تعني الجيل الحالي والأجيال القادمة، لماذا ننتقد ما يأتينا من الخارج ولا ننظر لما يأتينا من داخل أمتنا، أليس ما يحدث أشبه بمؤامرة محكمة تتوافر فيها كافة عناصر النجاح للنيل من هذا الجيل وإفساده والقضاء على تطلعاته وتدمير طموحاته.
هل نكتفي بالاشمئزاز والحزن فقط على هذا التدهور والوضع المأساوي المطروح أمامنا على الفضائيات، إن الأمر يستهدف إفساد عقول الشباب بشكل مباشر فيقضي على تطلعات وطموحات جيل حالي وأجيال قادمة، لو كان الأمر بيدي لأحلت القائمين على بعض تلك الفضائيات للتحقيق بتهمة إفساد هذا الجيل والأجيال القادمة.. مع سبق الإصرار والترصد.
*عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
فاكس - 6066701
ص.ب 4584 جدة 21421
|