أذكر انني قرأت في مجلة الجزيرة منذ وقت قريب ما مفاده أن الخبراء الأمريكيين في طريقهم إلى اختراع نوع من الأسلحة القادرة على ارسال ما يشبه الصواعق المنتجة من أشعة (المايكروويف) والقادرة على تدمير كافة ما لدى الخصم من العتاد الحربي والأجهزة الإلكترونية.
والجديد في هذا الخبر هو حقيقة أن هذه الصواعق تدمر أسلحة العدو ولا تصيبه شخصياً بسوء، ومهما يكن فتلك خطوة على الطريق الصحيح، فطالما تمنى منذ القدم العلماء والشعراء والمفكرون وغيرهم أن تصل الإنسانية يوماً ما إلى مستوى من الرقي بحيث يتوقف بسبب مسلسل القتل الوحشي للإنسان من قبل الإنسان في الصراعات والحروب.
وعلى العكس مما يتعلل به الكثيرون فمجرد حقيقة حتمية الحروب بحد ذاتها توجب اختراع مثل هذه الأسلحة مما سيؤدي على الأقل إلى تخفيف هذه الوحشية، ولاسيما إذا تذكرنا ان الهدف الرئيس من أي حرب هو فرض (السيطرة) وتلك بالإمكان أن تتأتي بطرق غير القتل مثل أن يتم التوسع في اختراع ما يشل حركة الخصم ويحقق السيطرة عليه دون اللجوء إلى إبادته بكل وحشية!
ويبدو أن هذا هو ما يتحدث عنه العلم في وقتنا هذا مما محوره ما يعرف بالأسلحة الصامتة؛ وتلك تشمل الأسلحة التي بوسعها تدمير أسلحة وعتاد الخصم من دون قتله، وقد بدأت أولى خطوات التفكير العلمي بتصنيع مثل هذه الأسلحة منذ وقت بعيد وعلى وجه التحديد في السبعينات الميلادية من القرن الميلادي الفارط وفقاً لما أورده مؤلفا كتاب «أشكال الصراعات المقبلة»: (عالم الاجتماع الأمريكي الشهير: توفلر وزوجته هايدي)، غير أن التفكير الجدي في أمر اختراعها قد بلغ ذروته بعيد حرب الخليج وازداد إلحاحاً في نهاية التسعينيات الميلادية ليخرج أخيراً إلى حيز التطبيق في وقتنا الحاضر. إذن فالأسلحة الصامتة قد تكون هي إحدى السمات التي ستتميز بها ما سوف يعرف مستقبلاً بالحرب (الناعمة) التي ستحل بديلاً لمصطلحات القتل والدمار التي اجتررتها إنسانية هذا القرن - وما قبله - من قبيل الحرب التقليدية والحرب النووية والحرب الباردة والحرب البيولوجية ونحو ذلك، هذا وتتعدد أنواع الأسلحة الصامتة: ما له مثل تأثير المواد المهدئة أو المنومة بحيث يؤدي إلى تخدير الإنسان وتشل قدراته، ومنها أيضاً أنواع من الزيوت ذات اللزوجة الفائقة والقادرة على أن تشل حركة المعدات الحربية كالقطارات والطائرات والدبابات وذلك بجعلها تتزحلق (وتدور بوش!) حيث هي على الأرض، منها كذلك أنواع كيماوية لا لون لها وذات قدرة هائلة على (تلصيق) مثل هذه المعدات بأمكنتها بحيث لا تستطيع بعد ذلك حراكاً.
في الختام لا أحد يملك سوى الإعجاب بمثل هذه التقنية العجيبة القاتلة بصمت (القارصة باسكات!)..
فيا أيتها التقنية ماذا سيكون - في ضوء أسلحتك الصامتة - مصير الترسانة اللغوية للظاهرة الصوتية اليعربية من قبيل، صهيل الخيل ووغى الجيوش وقعقعة وصليل السيوف وأزيز الرصاص ودوي المدافع وهدير الطائرات..؟!
|