أوردت صحيفة أم القرى خطاباً تاريخياً للملك عبدالعزيز رحمه الله ألقاه في الحفل الذي أقيم في القصر الملكي بمكة المكرمة في غرة ذي الحجة عام 1347ه الحادي عشر من مايو 1929م، وهو خطاب تاريخيٌّ مهم لأنَّ فيه بياناً واضحاً للأسس التي انطلق منها «صقر الجزيرة» في رحلة التوحيد المباركة التي بنت بتوفيق الله هذا الكيان الكبير «المملكة العربية السعودية»، وتأتي أهمية هذا الخطاب التاريخيّ من أهمية الموقف الذي أُلْقي فيه، والتاريخ، والقضيتين اللتين تناولهما: التجديد وفق المفهوم الإسلامي الذي يؤمن به، والوهَّابيَّة وفق حقيقتها التي تناقض مايثيره حولها الأعداء، والمغرضون من المسلمين وغير المسلمين، من شُبَهٍ باطلةٍ لا تقف أمام التحقيق والتوثيق.
يقول عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود:
«يسموّننا بالوهابيّين، ويسمُّون مذهبنا الوهَّابي، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كانت يبثُّها أهل الأغراض.
نحن لسنا أصحاب مذهبٍ جديد أو عقيدةٍ جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنَّةِ رسول صلى الله عليه وسلم، وماكان عليه السلف الصالح.
نحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا، هذه هي العقيدة التي قام الشيخ محمد بن عبدالوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل، خالصةً من كل شائبة، منزَّّهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه، هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محنٍ وأوصاب.
أما التجديد الذي يحاول البعض إِغراء الناس به، بدعوى أنه ينجينا من آلامنا، فلا يوصِّل إلى غاية، ولا يُدنينا من السعادة الأخروية، إنَّ المسلمين في خيرٍ ماداموا على كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة.
إننا لا نبغي التجديد الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا.. إننا نبغي مرضاة الله عز وجل، ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه، وهو ناصره، فالمسلمون لا يعوزهم التجديد، وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح، ولقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فانغمسوا في حمأة الشرور والآثام، فخذلهم الله جل شأنه ووصلوا إلى ما هم عليه من ذلٍّ وهوان، ولو كانوا متمسكين بكتاب الله، وسنة رسوله لما أصابهم من المحن والاثام ما أصابهم، ولما أضاعوا عزّهم وفخرهم».
خطاب من الملك عبدالعزيز واضح الفكرة، صريح العبارة، مشرق المعنى، ليس فيه ما يمكن ان يضطرب في فهمه أحد، خطاب يدلُّ على وضوح الهدف في ذهن ذلك الرجل الذي قال في الخطاب نفسه: «لقد فتحت هذه البلاد وليس عندي من الأعتاد سوى قوَّة، الايمان، وقوَّة التوحيد، ومن العدد غير التمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فنصرني الله نصراً عزيز».
إنَّ هذا الوضوح في رسم الأهداف، وبيان الأسس التي تقوم عليها الدولة، وإيضاح حقيقة الارتباط بالعقيدة الإسلامية الصافية، لهو الأسلوب الأمثل لتوطيد العلاقة بين الوالي والرعية، ولتوثيق الصلة بين عامة الناس وولاة أمرهم، وعلمائهم، وهو الأسلوب الأمثل أيضاً لكسب احترام الآخرين وتقديرهم، وللردِّ على المغرضين الذين يصفون الأشياء بغير أوصافها الصحيحة، ويلبسونها أثواباً لا تناسبها أثواباً لاتناسبها.
التجديد الواعي وفق أوامر الشرع الإسلامي مطلوب، والعقيدة الإسلامية الصحيحة هي الأساس، وهي التي نادى بها محمد بن الوهاب يرحمه مع الله ولا مكان بعد ذلك لاتهامات الاعداء، وأقاويلهم الكاذبة.
إشارة:
وبنى عبدالعزيز الحصن فيها
شامخ الرأس قويَّ الَّلبنات
|
|