* القاهرة مكتب الجزيرة عثمان أنور على البلهاسي:
وسط الفوضى الضاربة التي تعم العراق جاء حادث اغتيال الزعيم الشعيي محمد باقر الحكيم ليمثل نقطة فارقة وسط هذه الفوضى ليوشك العراق على الدخول إلى النفق المظلم وهو الفتنة الداخلية وذلك رغم تحذيرات الدول العربية كافة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية من دخول العراق هذا النفق.. وبقدر ما أثار حادث اغتيال باقر الحكيم العديد من التساؤلات حول الجهة أو الجهات التي نفذتة فهو أثار أيضاً المخاوف الكبيرة من حدوث الحرب الطائفية والعرقية داخل العراق «الجزيرة» استطلعت آراء محللين وخبراء استراتيجية حول أسباب وتداعيات الأحداث في العراق ومخاطر واحتمالات نشوب حرب أهلية.
يرى الدكتور مصطفي علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن اغتيال باقر الحكيم يدخل العراق نفقا مظلما بما يهدد وحدته الوطنية خاصة بين شيعة العراق من جانب وبينهم وبين الطوائف الأخرى من جانب آخر سواء ان كانت سياسية أو دينية وتنطلق هذه التهديدات من المواقف التي اتخذها الحكيم قبل اغتياله والذي كان يدعو فيها إلى وقف الهجمات ضد الأمريكان انطلاقا من عدائه المسبق لصدام حسين وأعوانه.
ويضيف علوي أن المخاوف كثيرة وأبرزها اشعال روح الفتنة بين أبناء الشعب العراقي فتداعيات الحادث يمكن أن تشمل تجمعات الشيعة في دول الجوار إيران لبنان وغيرهما لتزداد حدة التوتر بالمنطقة وترسيخ الهدف الأكبر وهو إثارة نعرة الصراعات الطائفية الدينية والعرقية في المنطقة ليحقق مبدأ الاستعمار القديم فرّق تسد وتتحول دول المنطقة إلى حروب وتصفيات داخلية ولذا لا بد من تحرك رجال الدين بالمنطقة لاستيعاب ما يحدث واحتواء أية بوادر للفتنة ولا بد من إنهاء حالة الصمت العربي والإسلامي والدولي على ما يحدث في العراق.
ومن جانبه، يرى الدكتور سيد عليوة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان أن الشارع الشيعي في العراق لن يظل كما كان بعد اغتيال باقر الحكيم وأن الشيعة لن ينسوا ما حدث ومن المتوقع أن يؤدي اغتيال الزعيم الشيعي إلى اشتعال التوتر الداخلي والمزيد من المواجهة مع قوات الاحتلال التي لا تزيد عن 150 ألف جندي تحاول احتلال 25 مليون عراقي يعيشون في دوله كبيرة وفي نفس الوقت تواجه أمريكا تزايد حالات الجنود المنهارة إضافة للقتل من عمليات المقاومة العراقية وجاء اغتيال الحكيم ليزيد من حالة انعدام الثقه العراقية في قدرة قوات التحالف أو مجلس الحكم على توفير الأمن لهم خاصة مع استمرار هجمات المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية والمنشآت البترولية الحيوية ووقوف القوات الأمريكية عاجزة عن مواجهة هذه الهجمات وكانت علاقة باقر الحكيم مع أمريكا قد شهدت حالات من المد والجزر حيث كانت الإدارة الأمريكية تنظر له بعين الشك بسبب علاقته الوثيقة بإيران ودعوته المتكررة لإقامة حكومة دينية في العراق على النمط الإيراني كما ينظر له الكثيرون على أنه من الأصوات المعتدلة في الوسط الشيعي.
ويرى الدكتور محمد مورو أن الهدف من جريمة النجف هو إشعال واضح لفتنة دينية طائفية بين الشيعة في العراق والذي قام بهذا الإشعال أو محاولة دس الفتنه ليس من العراق، فطوال عمر الصراعات الداخلية بين الشيعة لم يصل رجال الدين إلى هذه النقطة وهذا يبدو جليا أن المستفيد من الحادث هو قوات الاحتلال لقد دخلت أمريكا العراق بدعوى أسلحة الدمار الشامل التي لم يجدوا لها أثرا ثم برروا دخلوهم بالقضاء على الإرهاب وتحولوا هم إلى إرهابين ثم كانت مقوله تحويل العراق إلى نموذج للحرية والديمقراطية يسيل لها لعاب الشعوب الأخرى في المنطقة لكن حدث عكس ذلك فكل ما فعله الأمريكان أنهم حولوا العراق إلى فوضى وساحة للنهب والتخريب والجريمة بكل أنواعها وبدت واشنطن غارقة حتى أذنيها في مستنقع لا تعرف الخروج منه.
ويقول الباحث محمد إبراهيم مبروك إن حادث مقتل الحكيم يضاف إلى حادث تفجير السفارة الأردنية وإلى حادث تفجير مقر الأمم المتحدة وكل هذه الحوادث تمت من خلال تفجير سيارة مفخخة وكانت كلها ضد أطراف تثير استياء قوات الاحتلال خاصة بعد أن صرح ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق الراحل سيرجيودي يميللو بأن الاحتلال الأمريكي للعراق مذل وجارح للعراقيين. وقال مبروك إنه رغم مبادرة الحاكم الأمريكي في العراق باتهام عناصر النظام السابق كذلك اتهام البعض للمقاومة العراقية إلا أن المظاهرات الشيعية التي شهدها الشارع العراقي قد اجمعت على مسؤولية قوات الاحتلال عن الحادث وحملت قوات الاحتلال المسؤولية في إطار محاولتها إشعال الصراع بين الشيعة والسنة وبين الشيعة بعضهم بعضا وهو ما يندرج تحت شعار فرّق تسد الذي استخدمته قوات الاحتلال تاريخيا لتمزيق وحدة الشعب العراقي والغريب أن قوات الاحتلال التي تعد المستفيد الأول من الحادث قد ألقت التهمة كالعادة على الإرهابيين وهى دعاية تستهدف المزيد من الإساءة العالمية للمسلمين ومن الضروري للشعب العراقي وقيادته السياسية والدينية الحقيقية وليست المستوردة من الخارج أن يتجنبوا الانزلاق إلى أي صراعات داخلية وأن يوحدوا صفوفهم للعمل من أجل حرية واستقلال العراق على أساس وطني عام.
ويقول الدكتور مصطفي اللباد خبير شؤون إيران وتركيا إنه من الصعوبة التنبؤ بتطورات الأحداث في العراق بعد مقتل باقر الحكيم خاصة أن هناك توقعات باستمرار محاولات اغتيال قيادات طائفية أخرى ربما تكون من الشيعة أو من طوائف أخرى ولكن الموقف أصبح معقدا والأمور بالفعل مرشحة لحرب أهلية إن لم يتم تدارك الأمور وتحدث محاولات جادة من جانب الإدارة الأمريكية للسيطرة على الأمور فهناك مؤشرات على امكانية حدوث نزاع عرقي وطائفي ومن قبل حدث الصدام بين الأكراد والتركمان في الشمال أما في الجنوب فالوضع عند الشيعة قابل للانفجار.
وأشار اللباد إلى امكانية حدوث نزاع آخر داخل طائفة الشيعة نفسها، وقال إن هذا النزاع كان موجودا بالفعل قبل اغتيال باقر الحكيم ولكنه بعد هذه الحادثة مرشح للتطور، فالمعروف أن هناك ثلاث كتل رئيسية داخل طائفة الشيعة في العراق الأولى بقيادة السيستاني وهو المرجع الأعظم للشيعة في العالم ويستمد قوته من الحوزة العلمية وله وكلاء في العديد من مناطق العالم والكتلة الثانية التي كان يقودها محمد باقر الحكيم وتستمد قوتها من عدة أسباب أولها أن والد محمد باقر الحكيم كان المرجع الأعظم للشيعة في العالم كما أن باقر الحكيم كان مؤسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وله علاقات طيبه بإيران وهذه هي الكتلة الشيعية الوحيدة التي تمتلك قوات متمثلة في فيلق بدر الذي يضم من 10 إلى 15 ألف مقاتل. أما الكتله الثالثة فيقودها مقتدي الصدر وهو شاب له حضور داخل مجلس الحكم وله علاقات مع العشائر العراقية وابن شهيد وعمه شهيد ويتمسك بالروابط العربية وهو الأكثر صداما مع الإدارة الأمريكية.
وأضاف أن النزاعات السابقة ومحاولات الاغتيال الأخيرة سواء التي نجحت أو التي فشلت تعني أنه ليس هناك توحد داخل الطائفة الشيعية هناك نزاع واضح بين كتلة مقتدي الصدر وكتله آل الحكيم وربما اشتد النزاع حول من سيقود الطائفة في الفترة القادمة.
وأكد اللباد أنه بعيدا عن النزاع حول من سيقود الشيعة في الفترة القادمة فمن المؤكد أنه سيكون أكثر تشددا مع الأمريكان من باقر الحكيم الذي كان مؤيدا لمجلس الحكم وتراجع عن حديثه عن الدولة الإسلامية ولم يحمل على الإدارة الأمريكية كقوة احتلال ولا شك أن مواقف الشيعة من الأمريكان ستختلف فقد كانوا معلقين الأمل عليهم للتخلص من صدام حسين ونظامه أما الآن فهم يطالبون بدولة تكون لهم فيها حصة تمثيل تتناسب مع عددهم ولعل الإدارة الأمريكية تأخذ ذلك في الحسبان وقد راعت ذلك منذ البداية من حيث تمثيل الشيعة في مجلس الحكم العراقي وان كانت الشخصيات الشيعية الموجودة فيه ليست ضد أمريكا والأمريكان يحرصون على كسب ود الشيعة وطمأنتهم على حقوقهم، فالمقاومة حتى الآن ضد القوات الأمريكية تقريبا سنية فما بالنا لو شارك فيها الشيعة على كثرة عددهم وبوش نفسه يعمل حساباً لذلك وقد قطع رحلته وأدان حادث اغتيال الحكيم وإذا كانت هذه الحادثه ساعدت أمريكا على تضخيم امكانيات البعثيين والموالين لصدام وتأليب الطوائف العراقية عليهم فإن هذا سينقلب ضدها إذا حدثت اغتيالات أخرى ولم تسيطر القوات الأمريكية على الأمور والأمن.
وحذَّر الدكتور بهجت قرني أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة من أن تسهم الأحداث الأخيرة في العراق في تحوله إلى ساحة حرب أهلية بين الطوائف والعرقيات المختلفة الموجودة فيه وهو ما قد يجدد الدعوة لتقسيم العراق إلى دويلات على أساس عرقي ومذهبي وهو صراع يبدو بلا نهاية بين المذاهب والأعراق وهذا يتطلب من العراقيين الوقوف في وجه هذه المحاولات لبث روح الفتنة بينهم والاتفاق على هدف واحد هو توحيد الصفوف والعمل معا من أجل إنهاء الاحتلال في أسرع وقت وعودة العراق كدولة مستقلة ذات سيادة وإن كان هذا الاتفاق سيحتاج إلى تنازلات وضمانات مشتركة ومتبادلة بين الطوائف وبعضها البعض وهو ما يحتاج إلى رغبة حقيقية من جانب هذه الطوائف في اغلاق الطريق أمام محاولات بث الفرقة بينهم والعمل سويا لما فيه مصلحة العراق.
وأضاف أن نذر حرب أهلية في العراق لن تضر العراق وحده بل ستهدد المنطقة بأكملها خاصة أن الطوائف والأعراق المختلفة التي توجد في العراق لها امتدادها في الدول المجاورة وخاصة تركيا وإيران ودول عربية مجاورة واندلاع حرب أهلية بين هذه الطوائف سينعكس بالسلب على جيران العراق وربما أدى إلى حدوث قلاقل واضطرابات في الدول المجاورة وسيزداد الأمر سوءا إذا تدخلت إحداها كطرف في الصراع ويبدو أن هذا حدث بالفعل بالتدخل التركى في النزاع الدائر بين الأكراد والتركمان في الشمال وربما حدث تدخل إيراني إذا حدث نزاع داخلي بين الشيعة والسنة أو بين الشيعة وبعضهم البعض في الجنوب بعد محاولات اغتيال المراجع الشيعية ومقتل محمد باقر الحكيم وهذه المحاولات قد تتكرر مرة أخرى مما سيؤثر على علاقة الشيعة بالطوائف الاخرى إذا أحسوا بأن قياداتهم الدينية مستهدفة .
وأكد قرني أن الأوضاع في العراق خطيرة وتحتاج إلى تحرك عربي واقليمي من دول المنطقة المجاورة للعراق لمنع تفاقم الأزمة وبذل الجهود من أجل منع تفجر النزاعات بين الطوائف العراقية وكذلك ممارسة الضغوط على الولايات المتحدة للقيام بدورها في الحفاظ على الأمن في العراق وحماية القيادات والزعامات الدينية والسياسية العراقية وكذلك العمل على سرعة إنهاء الاحتلال وتشكيل حكومة عراقية منتخبة يكون فيها تمثيل حقيقي لجميع الطوائف والأعراق والحفاظ على وحدة العراق وإعطاء دور أكبر للأمم المتحدة في إعادة العراق والحفاظ على الأمن.
|