فيما ركَّزت على المظاهر الشكلية، ومدة التصفيق بعد انتهاء كلمتي الرئيسين الأمريكي جورج بوش والفرنسي جاك شيراك، واعتبرت شيراك فائزاً على بوش في عقر داره لاستمرار موجة التصفيق للرئيس الفرنسي أضعاف مدة ما حصل عليه الرئيس الأمريكي.. لم تهتم الكثير من الصحف بالمأزق الذي يحاصر بوش دولياً ومحلياً، وخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وما أعقبه من كشف إلى حدٍ بعيد لتآكل التأييد الدولي لأمريكا بالنسبة لحربها في العراق، وهذا ما جعله يعود من اجتماع الجمعية العامة خالي اليدين بعد أن لمس هو ومرافقوه من كبار المسئولين الأمريكيين وجود أغلبية كبيرة من الدول لا ترغب في تقديم تعهدات كاملة في المشاركة الميدانية في الوضع العراقي، سواء في تقديم جنود أو أموال.
وهكذا وأمام المعارضة الدولية المتنامية والاستياء الشعبي المتزايد داخل الولايات المتحدة، حيث أخذت الأصوات تتعالى بمعارضة الوجود العسكري في العراق إلى حد توجيه الاتهامات إلى وزير الدفاع رامسفيلد، وارتفاع عدد القتلى والجرحى في القوات الأمريكية المحتلة للعراق، بدأ موقف بوش وإدارته يتغيَّر دون أن يعترف الرئيس وإدارته بالخطأ الذي ارتكبه في التفرُّد بالعمل خارج الأمم المتحدة. ولهذا لم يطرح بشكل مباشر طلب مساعدة قوات عسكرية للعمل إلى جانب القوات الأمريكية. ولم يفصح بوضوح بطلب الأموال التي كانت الولايات المتحدة تطالب بها سابقاً، بل ضمَّن خطابه فقرات تطالب بمساعدة العراق في وضع الدستور ومراقبة الانتخابات وإعداد الإدارة الحكومية.
ووضح من خلال حضور الرئيس بوش ولقاءاته رغبة الأمريكيين في إعادة ترميم العلاقات مع الثلاثي المعارض «فرنسا، ألمانيا، روسيا» والتي تضررت بسبب تفرُّد أمريكا بالحرب على العراق مع حليفتها بريطانيا، وقد أمكن للرئيس بوش ترميم علاقاته وبلاده مع المستشار الألماني وبلاده شيرودر، كما ساهمت اللقاءات والمباحثات التي شهدتها حدائق وممرات وردهات كمب ديفيد في ترميم العلاقات مع روسيا، في حين لا تزال الفجوة واسعة بين بوش وشيراك وواشنطن وباريس رغم كل ما أبداه الرئيس شيراك من لفتات دبلوماسية وإشارات ملطفة، إلا أن «حرب المصالح» بين البلدين ظلت تحرك العلاقات بينهما.
ولكن وعلى الرغم من التقرُّب من برلين وموسكو.. وتخفيف العداء مع باريس، إلا أن بوش والإدارة الأمريكية لم يحصلوا من الحلفاء القدامى العائدين إلى الحظوة الأمريكية على أي شيء جدي وفعَّال، فلا روسيا ولا ألمانيا قبلا إرسال جنود، وكل ما قدماه هو الامتناع عن معارضة القرار الأمريكي الجديد بشرط أن يراعي التحفظات الفرنسية.
وهكذا فإن بوش وإدارته لا تزال محاصرة في مأزق حرب العراق، وأن عليه أن يدفع فاتورة التفرُّد الذي انتهجته الإدارة الأمريكية في الوقت الذي تطالب فيه دافعي الضرائب من المجتمع الدولي برصد موازنة ضخمة تتجاوز 87 مليار دولار أمريكي لتغطية تكاليف ومدفوعات للصرف على ما تسميه الإدارة الأمريكية بحرب مكافحة الإرهاب.
|