Monday 29th september,2003 11323العدد الأثنين 3 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أهناك ورقة توت تسقط؟ « 2» أهناك ورقة توت تسقط؟ « 2»
د. عبدالله العثيمين

أشرت في المقالة السابقة إلى شيوع عبارة «سقطت ورقة التوت» للتعبير عن انكشاف خزي من كان خزيه مستوراً، وهذا الاستعمال مناسب إذا كان الخزي - في واقع الأمر - خافياً قبل استعمال هذه العبارة، لكن بعض المنظِّرين السياسيين من الكتاب العرب، وبعض محترفي السياسة في الأقطار العربية لم يكتفوا باستعمالها عندما تكون مناسبة لمقتضى الحال، فأصبحت أقوالهم لذلك فارغة المعنى خاوية المدلول، وقلت: إن من الصعب فهم موقف أولئك المنظِّرين السياسيين بالذات لأنهم إن كانوا يكتبون ما يكتبون غير مقتنعين بصحته فذلك مؤلم أشدَّ الإيلام، وإن كانوا مقتنعين بصحته مع كثرة الشواهد، ماضياً وحاضراً، على انتفاء هذه الصحة فذلك مؤلم، أيضا، لأنه من أدَّلة عدم كون القوس في يد باريها، وضربت مثلاً على ذلك بأنه مع وجود الشواهد الواضحة بأن الصهاينة - منذ أن وضحت خططهم للجميع في مؤتمرهم عام 1897م، لا يمكن أن يقبلوا بما تعنيه كلمة «السلام» من معنى - فإن من المنظرين السياسيين المشار إليهم بالبنان من ظلُّوا يردِّدون عبر العقود الأربعة الماضية عبارات مثل: ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل لا تريد السلام، و«اتضح أن إسرائيل لا تعترف بالقرارات الدولية ولا تحترمها». وأُورِد ما يبرهن على أن تلك الدولة لم تُخْفِ، قولاً أو عملاً، موقفها الإجرامي المناهض لما تتفوَّه به كذباً وخداعا من مناداة بالسلام، وأنها لم تستر سوءتها الإجرامية، ماضياً وحاضراً، ولم تضع في يوم من الأيام ورقة توت فوق تلك السوءة فكيف يقال: سقطت ورقة التوت وهي أساساً لم تكن موجودة؟
وفي هذه المقالة سيكون الحديث - باختصار - عن استعمال بعض المنظِّرين السياسيين من الكتَّاب العرب، ومحترفي السياسة في الأقطار العربية، عبارات لا يتناسب مدلولها مع مقتضى الحال عند ما يتناولون مواقف أمريكا من قضية فلسطين، ومن هذه العبارات: «لقد ثبت انحياز أمريكا إلى إسرائيل».
وكنت أشرت في مقالات عدة إلى أن أمريكا لا يمكن أن تكون غير منحازة إلى الدولة الصهيونية، وذلك لتشابه الدولتين، نشأة إجرامية استئصالية لمن احتلت أرضهم، وتاريخاً عدوانياً مستمراً، وإذا كان تاريخ الدولة الصهيونية وعدوانها المستمر واضحاً لكثير من القراء فإن المتأمل في تاريخ أمريكا يرى مشابهة مواقف قادتها لمواقف زعماء الصهاينة.
* وأشار إلى حوادث متفرقة في تاريخها موضحة وجود النزعة الإجرامية لدى بعض من تولَّوا قيادتها.
بالنسبة للقضية الفلسطينية فإن من المعلوم أن الرئيس الأمريكي ولسون - وهو الذي اشتهر بمناداته بحق تقرير المصير - قد أيَّد وعد بلفور الظالم القاضي بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين مع أن هذا التأسيس يتنافى مع حق الشعب الفلسطيني، وكان مما ردَّ به الرئيس روزفلت على الملك عبدالعزيز ما يأتي:
«لقد اهتم الشعب الأمريكي اهتماماً وثيقاً عدة سنين برقي الوطن القومي اليهودي في فلسطين، وكل رئيس، ابتداء من الرئيس ولسون، قد عبَّر عن اهتمامه الخاص في مناسبة واحدة، أو مناسبات عدَّة، بفكرة وطن قومي لليهود، وأبدى سروره بالتقدم الذي وصل إليه إنشاء هذا الوطن.. وإنه في ضوء هذا الاهتمام راقبت الحكومة الأمريكية وشعبها بأشد العطف تدرُّج هذا الوطن، وهو مشروع لعب فيه الذهب ورأس المال الأمريكي دوراً رئيسياً».
وإضافة إلى العون المالي ضغط الرئيس ترومان على بريطانيا أن تسمح بدخول مئة ألف يهودي دفعة واحدة إلى فلسطين، كما أغرى، أو خوَّف، عدداً من دول العالم حتى قبلت دولة الصهاينة عضواً في الأمم المتحدة.
ذلك ما كان من مواقف أمريكا قبل قيام الدولة الصهيونية، أما دعمها لتلك الدولة، مادياً وعسكرياً وسياسياً، فليس خافياً على الجميع، ومن أظهر وجوه ذلك الدعم استعمال حق النقض «الفيتو» في مجلس الأمن أمام أي قرار يدين الجرائم الصهيونية في فلسطين، ولقد لخص وزير خارجيتها في عهد حكومة بوش الأب، جيمس بيكر، في مذكراته اسهامات تلك الحكومة كما يأتي:
1- تمكين دبلوماسيتها وخرانتها إسرائيل من استيعاب مئات الآلاف اليهود، وبخاصة الروس.
2- مساعدة إسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية مع 44 دولة بما في ذلك إعادة العلاقات مع الاتحاد السوفيتي.
3- الغاء قرار الأمم المتحدة بدمغ الصهيونية بالعنصرية.
4- القضاء - بعملية عاصفة الصحراء - على التهديد الاستراتيجي الذي كانت تمثله العراق.
5- جمع إسرائيل مع العرب لإجراء مباحثات مباشرة، وهو هدف سعت إلى تحقيقه مدى أربعين سنة.
6- إمدادها (إسرائيل) بأكثر من بليون دولار، وضمانها بعشرة ملايين أنفق منها على بناء مستوطنات في فلسطين المحتلة عام 1967م.
أما موقف حكومة بوش الابن الحاضرة فبلغ التأييد الأمريكي للدولة الصهيونية، سياسياً ومالياً وعسكرياً، حداً لم يبلغه من قبل بحيث لم يكد يُرَى فرق بين موقف قادة الدولتين في عدائها للشعب الفلسطيني، بل إن دعم أمريكا للكيان الصهيوني والدفاع عن الجرائم التي يرتكبها امتد إلى محاولة فرضها على الدول الأخرى أن تحذو حذوها في موقفها الداعم للعدوان المدافع عن جرائمه، وأصبح على الآخرين أن يصفوا رئيس ذلك الكيان المشهور بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بأنه رجل سلام، وأن يصفوا المقاومين في سبيل تخلصهم من الاحتلال والجرائم المرتكبة بأنهم إرهابيون.
ومع وضوح كل ما تقدَّم فما زال يوجد من المنظِّرين ومحترفي السياسة من يردِّدون أقوالهم بأن أمريكا ليس وسيطاً محايداً في تعاملها مع القضية الفلسطينية، وأنها منحازة إلى الدولة الصهيونية، أفلا يوقف هؤلاء تلك الأقوال التي بدأ يتضح عقم مدلولها قبل أكثر من ثمانين عاماً؟
إن أمريكا لم تخف موقفها المؤيِّد لإسرائيل في يوم من الأيام، ماضياً وحاضراً، وما دام الأمر كذلك فكيف يقال عن مواقفها عبارات تحمل في طياتها مدلول عبارة «سقطت ورقة التوت»؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved