عفوا عزيزي القارئ فأنا أعلم ان هذه الصفحة هي الصفحة الرياضية وليست الفنية، ولهذا فأنا لن أكتب عن المسلسلة التلفزيونية الناجحة «دمعة عمر» التي شدت انتباه المشاهدين وأثارت فضولهم وتساؤلاتهم الكثيرة حول أحداثها الدرامية غير الواقعية على الرغم من احتمالية حدوثها في عصر التفكك الأسري والتباعد الروحي الانساني، ولكنني سأتحدث هنا عن دمعة عمرنا الرياضي التي ذرفناها على وضع كرة الطاولة السعودية وما وصلت اليه من تدهور وتراجع سواء على المستوى الوطني أو الخليجي أو العربي فكرة الطاولة السعودية كانت نجما ساطعا يشار اليه بالبنان في سماء الرياضة السعودية والعربية سواء من حيث النتائج أو الانتشار والممارسة ولفترة غير قصيرة، وفجأة هوت وأصبحت من الألعاب الرياضية التقليدية، حتى أصبح من الطبيعي والمعتاد عدم تحقيق نتائج معقولة تحفظ ماء وجه ما بناه وحققه الجيل السابق من مسؤولين واداريين ومدربين ولاعبين.. وبدأ الجميع من اعلاميين ومتابعين نسيان ذلك التاريخ والانجازات؛ فبعد المشاركة الأخيرة للمنتخب في بطولة مجلس التعاون الخليجي التي استضفناها في مدينة جدة وأخفق فيها المنتخب بصورة لا تصدق، لم يتحدث عن هذا الاخفاق وتدني المستوى إلا صحفي واحد فقط هو الأخ العزيز والكاتب الصحفي المعروف بهذه الجريدة أحمد العلولا الذي كتب الكثير عن تنس الطاولة السعودية وانجازاتها خلال عهد التميُّز والتفوق على المستوى الخليجي والعربي، ونقل انجازات العديد من اللاعبين في المشاركات الفرقية والفردية من الخليج الى المحيط، فأذكر مرافقته للمنتخب في معظم البطولات الخارجية وحرصه على المتابعة ونقل الحدث ومحاولة دعم الطاولة السعودية من خلال المجال الاعلامي الذي تبنته هذه الجريدة في السنوات الماضية في الوقت الذي ركزت فيه الصحف الأخرى جل اهتمامها الاعلامي بكرة القدم فقط.
أعود لموضوعنا الرئيسي تدهور كرة الطاولة السعودية، فما يحدث في هذه اللعبة لا يجب السكوت عليه وجدير بالمناقشة ويحتاج للعديد من الوقفات ليس بسبب حبي لكرة الطاولة وكوني لاعباً سابقاً في المنتخب، ولكن لأن ما حدث لهذه اللعبة قد يكون حدث لألعاب أخرى كانت متفوقة ثم اختفت أو نسيت، أو سيحدث لألعاب أخرى تعيش حاليا عصرها الذهبي كألعاب القوى أو الفروسية فبعد الجهود الكبيرة التي بذلها المسؤولون في رعاية الشباب ورؤساء وأعضاء الاتحاد السعودي السابق لكرة الطاولة على مدى 20 سنة ماضية، تم بسهولة اضاعة تلك الجهود وهدم ذلك البناء الشامخ في سنوات معدودة، فالذي يبدو لي كمتابع هو عدم جدوى خطط الاتحاد السعودي للعبة وجهوده الحالية في المحافظة على تلك الانجازات السابقة وتطويرها والنهوض باللعبة، على الرغم من عدم شكنا في اخلاص وحرص المسؤولين في الاتحاد على ذلك ولكن ليس كل مجتهد مصيباً.
عندما قرأت نتائج المنتخب - ناشئين وعمومي - من خلال الصحف في البطولة الخليجية الأخيرة، مرت في ذهني العديد من الصور والذكريات الجميلة المليئة بالذهب والتتويج والانجازات على المستوى الخليجي والعربي والمدرسي، وكيف كانت سيطرة المنتخب على كافة البطولات الفرقية والفردية والزوجية سواء كان على المستوى العمومي أو الناشئين، فأتذكر تعليق الزملاء اللاعبين والاداريين من الفرق الخليجية والعربية الأخرى عندما قالوا:«لو ان السعودية شاركت بفريق للنساء في تنس الطاولة لحققوا الميداليات الذهبية وسيطروا على جميع المسابقات كما فعلت فرق الرجال». هكذا كانت نظرة الدول الأخرى لكرة الطاولة السعودية. لقد تذكرت أيضا كيف كانت نتائج منتخبنا الأول في إحدى البطولات الخليجية مع منتخب قطر الشقيق «بطل البطولة الأخيرة» في أول مشاركة لهم، وكيف كانت نتائج الأشواط تنتهي لصالحنا بـ21/3، 21/5، أو أقل من ذلك؛ تذكرت أيضا كيف كانت بعض الدول العربية والخليجية تعتبر مجرد الفوز على لاعب واحد من المنتخب السعودي انجازاً لبلادهم رغم خسارة فريقهم؛ أتذكر أيضا سيطرتنا على غالبية - إن لم يكن كل - المسابقات الفردية والزوجية، وفي الكثير منها يكون النهائي سعودياً؛ أتذكر أيضا كيف كان المنتخب السعودي ينهي مبارياته بالفوز على الفرق في زمن محدود جداً، في الوقت الذي تستمر فيه الفرق الأخرى في التنافس واللعب لساعات متأخرة من المساء؛ أتذكر جيداً أيضا توقف بعض اللاعبين من الدول الأخرى عن التدريب في الطاولات المجاورة لطاولات المنتخب من أجل مشاهدة تدريب الفريق ونجومه، وكأن المنتخب السعودي فريق قادم من كوكب آخر؛ نعم هذه بعض الصورة الجميلة التي مرت في ذاكرتي ولا أشك أنها لا تزال صور حية في أذهان الكثير من الزملاء لاعبي المنتخب السابقين كحلمي زاهد وفهد ناجي وصالح الشامان وبندر العميري ومشهور الخطيب.. ولا تزال ذكرى طيبة عطرة للمغفور له بإذن الله والمغفور له بطلنا السابق رائد الحمدان رحمة الله عليه.
نعم لقد بُذلت الكثير من الجهود والامكانات لتحقيق ما حققته كرة الطاولة السعودية في عهد المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبدالعزيز أمير الشباب العربي والسعودي وما زال هذا الدعم والعطاء مستمراً بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب ونائبه سمو الأمير نواف بن فيصل حفظهما الله، ولكن ما نحتاجه في هذا الوقت هو تضافر الجهود، وتوظيف الامكانات المتوفرة والعمل على جلب دعم اضافي للعبة واعادة النظر في طريقة مسابقات الاتحاد بالتركيز على البطولات الفردية ومنتخبات المناطق وبطولات الفرق المجمعة التي تتيح المزيد من لقاءات اللاعبين والفرق، ودعم وتشجيع البطولات المفتوحة والمدرسية واعادة فتح مراكز لتدريب الناشئين والتخطيط الجيد القصير والطويل الأمد لاعداد المنتخبات الوطنية والمشاركات الخارجيةمع الاستعانة بخبرات الدول المتقدمة في اللعبة كالصين والسويد، بالاضافة الى تطوير مستوى المدربين الوطنيين والاستعانة باللاعبين السابقين وخبراتهم واستشارتهم في اعداد المنتخبات وتنظيم المسابقات فأين أبطالنا السابقون من لجان الاتحادات وهل انتهت مهمتهم بمجرد انتهاء مشاركاتهم كلاعبين!.
ختاماً، أرجو أن تكون هذه الوقفة دعوة للصحوة ليست موجهة فقط للاتحاد السعودي لتنس الطاولة، ولكنها دعوة موجهة لجميع اتحاداتنا الرياضية للاستفاقة من السبات العميق وتبني منهج علمي موضوعي للتطوير بعيداً عن الرغبات والمصالح الشخصية والأهواء في سبيل الوطن وعودة أبطالنا لمنصات التتويج واعادة ألعابنا المتفوقة في الماضي الى الطريق الصحيح نحو العالمية. نتمنى أيضا ان تكون هذه دعوة للاتحادات الرياضية البارزة حالياً - كألعاب القوى من خلال ما حققته من انجازات - لتبني آلية معينة للعمل وبرنامج زمني وخطط قصيرة وطويلة الأمد وتوثيق لجميع أنشطة الاتحاد ومشاركاته الخارجية ودراسة أسباب التفوق والاخفاق، مما يكفل استمرار التفوق وتطويره حتى في حالة غياب المسؤولين الحاليين ويؤدي الى عدم ارتباط الانجازات وتوقفها على وجود أو غياب رئيس معين أو أعضاء معينين للاتحادات؛ فخوفي ان يصل مستوى ألعاب القوى السعودية في المستقبل الى ما وصلت اليه كرة الطاولة السعودية بعد تلك الانجازات في حالة غياب سمو الأمير نواف بن محمد والقائمين معه على الاتحاد وتولي أناس آخرين دفة الاتحاد، فهل نعمل ونتعاون سوياً حتى لا نذرف دمعات أخرى ونبكي الماضي.. والله من وراء القصد.
|