عندما يريد بعض الاخوان إصدار مخططات لتنفيذ الحلم الكبير (بناء مسكن) يبحثون هداهم الله عن أرخص مكتب هندسي يمكن ان يجري لهم عملية التصميم (مكتب أبو الفين وثلاثة) ويعتقدون انهم بذلك يوفرون وهم في الواقع يخسرون الكثير والكثير.. وبمجرد بدء البناء يبدأ العناء ويشرع الزبون ومقاوله في تصويب الأخطاء التصميمية التي ارتكبها المكتب الهندسي ويجتهدان في ذلك (وما كل مجتهد بمصيب) ويقرران إجراء عمليات تعديل وتبديل فيتم تكسير الحوائط وتغيير مواقعها وإضافة الأشياء الأساسية والمهمة التي كثيراً ما تنسى أو تتناسى تلك المكاتب وضعها، ومن البديهي ان تظهر الكثير من العيوب والمساوىء أثناء التنفيذ، لان تلك المكاتب غير مؤهلة ولا تبذل جهداً في التصميم نظرا لضيق وقتها، أو على قدر ما يدفع الزبون، وعلى كل حال المبلغ الذي يدفعه الزبون لا يكاد يكفي أجرة عامل الشاي وتكاليف ماكينة التصوير التي تستنسخ المخططات بعيوبها ثم يسلمها موظف المكتب إلى الزبون بعداستلام تكاليف التقليد الأعمى والنسخ وصدق من قال: (يا شاري الدون بدون تحسب انك غابن وانت مغبون).. وهكذا يتحول الفن المعماري من مهنة راقية إلى أسلوب تجاري مادي هادف الربح بطريقة بشعة فيها تجاهل للجوانب الإنسانية والاقتصادية.. مشاكل تلك المكاتب وأولئك الزبائن كثيرة تتعب البطين الأيمن في القلب ويطول فيها الكلام وتحتاج إلى مجلدات وسأكتفي بطرح واحدة من تلك المصائب وأعدكم بالاختصار.
تقوم تلك المكاتب بمناقشة الزبون في موضوع (المساقط الأفقية) وتتجاهل قاتلها الله موضوع واجهات المبنى أو تقوم بنسخ واجهات مبنى مصمم من قبل وإلصاقها في ذلك المسكن بطريقة عشوائية بشعة.. وعملية تصميم المبنى ليست مساقط أفقية فقط كما يعتقد البعض!! بل هي منظومة مترابطة ولها أبعاد كثيرة تشمل النواحي الجمالية للمبنى ونواحي الامن والسلامة، والنواحي البيئية، والنفسية والاجتماعية، والنواحي الاقتصادية (اقسم بالله ان تلك المكاتب تسببت في مشاكل نفسية واقتصادية وخيمة.. المجال لا يسمح بسردها).. لقد وصل الإهمال بتلك المكاتب إلى درجة ان تترك موضوع تصميم وتنسيق واجهات المبنى للزبون ومقاوله (ويكونان غالبا غير متخصصين في علوم العمارة) فينتجان صناديق قبيحة لا تمت للفن المعماري بصلة ولا تعترف بالمتطلبات الجمالية التي تحتاجها المباني.. وسبق وأن قلنا وها نحن نكرر: المبنى من الداخل ملك الزبون وهو حر إلى حد كبير في تخطيطه أما من الخارج فهو ملك المدينة.. وفي المدينة بشر يريدون رؤية قطع فنية جميلة ترتاح لها العين فيرتاح القلب ويهدأ البال.
من يتأمل في واجهات مساكننا يجد واجهات رائعة ومصممة بطريقة معمارية مدروسة ونسب فنية محسوبة وهذه هي الواجهات (السمحة) التي تدخل البهجة على كل من ينظر إليها، وبالتأكيد هذه الواجهات لم تظهر مجانا، بل بُذل لأجلها جهد وصرف عليها مال.. وفي المقابل نجد واجهات خالية من الذوق المعماري.. واجهات رخيصة ماديا ومعنويا.. واجهات رديئة بلا هوية، واجهات تصيب بالاحباط من ينظر إليها.. مجرد صناديق بها فتحات قبيحة (شبابيك) ونتوءات سوداء (مكيفات).. وتلك هي الواجهات (الودرة) التي (حَوَمتْ) أكبادنا وأساءت إلى واجهة مدينتنا الحضارية.. وتفتخر الحضارات بأشكال مبانيها.
|