تعرضت زوجتي منذ خمسة وعشرين عاماً لحالة ولادة، نقلتها على اثرها إلى مستشفى عنيزة العام آنذاك «قسم الطوارئ» كحالة طارئة آخر الليل، ونظراً لعدم وجود طبيبة نساء، فقد أراد الطبيب المناوب التدخل في حالتها تدخلاً مباشراً.
إلا أني طلبت منه عدم التدخل، إلى جانب امتناع زوجتي، واقترحت عليه أن يباشر الحالة الممرضة بالقسم المختص، خاصة وأن حالتها طبيعية، فنقلت إلى القسم المختص وباشر الحالة الممرضة بالقسم.
أثّر في نفسي ذلك الموقف من الطبيب المناوب، وتمنيت أن يكون للنساء طبهن الخاص بهن، خاصة فيما يخص أخص خصوصياتهن من أمراض النساء والولادة، فدفعني ذلك الاحساس أن أخاطب وزارة الصحة بخطاب مفتوح عبر جريدة «الجزيرة» عام 1400هـ وذلك ضمن مقال وسمته بعنوان «ما للرجال وطب النساء» رأيت فيه أن يتنحى الرجال عن طب النساء وأن يتركوه للنساء خاصة، خاصة فيما يختص بأمراض النساء والولادة، لأنهن هن الأولى لمباشرة النساء في هذا النوع من التطبيب.
كما عزمت في حينه على وزارة الصحة بتزويد المستشفيات الحكومية بطبيبة نساء متخصصة في كل مستشفى حكومي بدل الرجال، خاصة وأن حكومتنا أيدها الله لم تأل جهداً في كل ما من شأنه راحة المواطن واسعاده، فمن باب أولى هذا المجال الخاص بالنساء ولم لا وهي الدولة المحافظة على دينها، الغيورة على محارمها؟!
مضت مدة بعدها وزوّدت الوزارة إن لم تكن كل المستشفيات فلعله أكثرها بطبيبة نساء متخصصة بأمراض النساء والولادة، وبهذا رفعت الحرج عن نسائنا.
استرجعت ذلك في هذا الوقت على اثر دعوة تلقيتها مع بعض الزملاء من صاحب كريم هو عضو في مجلس إدارة جمعية البر الخيرية بعنيزة، وذلك لزيارة مستشفى جمعية البر الخيرية بعنيزة للنساء والولادة والأطفال، وذلك بمناسبة تشريف عضو هيئة التدريس بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود بالاحساء، الشيخ يوسف الأحمد لزيارة هذا المستشفى، بناء على دعوة تلقاها من مدير إدارة المستشفى الأستاذ ناصر المانع، وذلك لمعرفة الأستاذ ناصر لاهتمامات الشيخ يوسف بهذا الأمر.
كان لنا جميعاً شرف هذه الزيارة للاصلاع على هذا المستشفى بجميع أقسامه وتجهيزاته المتكاملة والمنظمة والراقية، والتي تعتبر بحق حسب تصورنا وما عرفناه من معلومات عنها من أرقى التجهيزات وأحدثها، وسرنا كثيراً ذلك التنظيم، والخصوصية التي يتمتع بها المستشفى إذ كل العاملين فيه من عنصر النساء بالكامل.
إن هذا المستشفى يعد بحق صرحاً طبياً راقياً بتجهيزاته وتخصصاته وخصوصيته، وفي أثناء جولتنا فيه غمرني شعور واحساس خاص بتلك الأمنية التي كنت قد تمنيتها منذ ربع قرن مضى عندما تعرّضت زوجتي لذلك الموقف الذي شرحته آنفاً، فرأيتها تتحقق على يد أولئك الرجال المخلصين، من أعضاء مجلس الإدارة في جمعية البر الخيرية بعنيزة، سواء منهم أولئك الذين نهضوا بهذه الجمعية، منذ تأسيسها عام 1390هـ، وعلى رأسهم الأستاذ محمد العمير رحمه الله أو أولئك الذين هم أعضاء مجلس الإدارة الآن، ليكملوا مسيرة من سبقوهم للنهوض بهذه الجمعية، فجزى الله الجميع كل خير.
واسترجعت بذلك الخطاب المفتوح الذي وجهته آنذاك لمقام وزارة الصحة تحت عنوان «ما للرجال وطب النساء» فإذا بي بعد هذا، وفي هذا الوقت أوجه الخطاب عبر جريدة «الجزيرة» أيضاً ولكن ليس لمقام وزارة الصحة، بل لكل مواطن في مدينة عنيزة، خاصة وفي منطقة القصيم عامة، هي دعوة مني صادقة لكل رجل مقتدر غيور على محارمه ولكل امرأة تعاني حرجاً من تطبيب الرجال لأقول «ما للنساء وتطبيب الرجال» لكل امرأة تلقى حرجاً من اطلاع الرجال على أخص خصوصياتها، فهذا هو الآن مستشفى جمعية البر الخيرية للنساء والولادة والأطفال بعنيزة يحقق أماني الرجال ورغبتهم، ويذود عن غيرتهم، ويرفع الحرج عن نسائهم بخصوصياتهن.
هي دعوة لأهالي مدينة عنيزة خاصة، وعموم المواطنين في منطقة القصيم عامة بأن يستفيد من هذا الصرح الطبي العملاق، الذي ما كان ليقوم بهذه التجهيزات، وهذه الخصوصية لولا مباركة الدولة ممثلة في وزارة الصحة، فرسومه المادية إذا ما قيست بأي رسوم لأي مستوصف أو مستشفى أهلي أقل بكثير من تلك الرسوم التي تتقاضاها تلك المراكز الصحية الأهلية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أي مبالغ مالية يتقاضاها هذا المستشفى فإنها ستوجه إلى أعمال البر والخير التي تقوم بها جمعية البر الخيرية بعنيزة، ولن يستفيد منها أشخاص لمصلحتهم الخاصة، فهي ستوجه إلى أرامل وأيتام وأعمال بر خيرية اجتماعية يستفيد منها الوطن، وهذا بحد ذاته يعتبر عملاً اجتماعياً رائداً، وبهذا نرى أن من يتعامل مع هذا المستشفى واستفاد من خدماته قد قدم وساهم في نشاط الجمعية لأعمال البر والخير وتعد مساهمته هذه براً وصلة لأهله ووطنه..وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً.
|