يبدو أنَّه كلَّما تطوَّرت أساليب الاتصال بين النَّاس ازدادت أمورهم كشفاً، وأسرارهم اقتحاماً...
فوسيلة الاتصال السَّريعة الآن ما هي إلاَّ (النَّمَّامة)، (المغتابة)، (الفاضحة)، (الكاشفة ستر) المختبئ!!
ربَّما لا أكون متجنِّية إن قلت هذا، كما لن أكون مجاملة إن عدت فقلت إنَّ لهذه الوسيلة مزاياها أيضاً...، فمن حيث هي تكشفُ هي أيضاً تدلُّ، ومن حيث هي تُوصلُ، هي أيضاً تَفْصلُ، ومن حيث هي تُخْبر هي أيضاً تُنذر،...
فإن هي كشفت عن صغائر ما يدور في حياة النَّاس وجعلتها مادة للألسنة، ومجالاً للتَّداول والتَّأويل البشري، فإنَّها تدلُّ إلى ما يحقِّق العمل للوصول إلى الحقيقة.، وإن هي أوصلت ما يدور في الخفايا فإنَّها أيضاً تمكِّنُ من الفصل بين الصَّواب والخطأ وبين الحقِّ والباطل، وإن هي أخبرت وأعلمت، فإنَّها تحرِّك حاسة الحذر أو التَّفاؤل والفصل بين إنذار بالخلل، أو الصَّواب.
فلا من ينكر الحوادث المختلفة في أيِّ مكان وزمان وهي تَعبر بالإنسان وتحلُّ في حياته، تتفاوت في تفاصيلها، أشكالها وألوانها، بعضها ابتلاء من اللَّه تعالى، وبعضها شر من أنفس النَّاس.
ألا يلفت أنظاركم ما تردده وسيلة الكشف والهتك وفضح الأمور وتمكين المغتابين، والنَّمَّامين، والسَّابحين في المياه على اختلاف صفائها وعكرتها من أخبار: فتاة تُفقد، وأبٌ يُقتل، وزوج يضرب، وأخ يُدمن، وابن يعق، وهذا يمرض ولا يُستر مرضه، وهذا يفقر ولا يبقى في ظلِّ صبره، وذلك يُسرَق وآخر يُسجن، هذا يُعاقب وذلك يُطرد، هذا يفشل وذلك يزوِّر،....
وكثير من أحداث البشر التي كانت تمرُّ بهم في خفاء وستر، تعالج برويَّة العقلاء، وتُربِّي بحكمة الفضلاء، وتُقوِّم في حدودها دون هتك ولا كشف إلاَّ ما وجَّه إليه الشَّرع لعبرة الاقتداء، ولعلاج المُماثَلة...
عدا ذلك...
فإنَّ خير وسيلة الاتصال، طغى عليه شرُّها...
ألا يكون من أمر توجيهها إلى ما يحقِّق خيرها... ويقضي على شرِّها في أمَّة مسلمة شعارها: لا تجسِّسوا، ولا يغتب بعضُكم بعضاً، ومن ستر مؤمناً ستر اللَّه عليه في الدُّنيا والآخرة...
والصَّبر على البلاء تُذهب أجره الشَّكوى من الابتلاء؟
أم أنَّ «إثارة» ما يُنشر تحقِّق الرِّبح المادي؟ هذا الذي لا غنيمة فيه إلاَّ بالالتفات إلى تجنُّب خسارة القيَم الكامنة في أمر تلافي شرِّ ما تحصده هذه الوسيلة....
متعدِّدة الأشكال، والأدوار، والأنماط؟!.
|