هكذا يتألَّق هذا الاسم حاملاً في ثنايا حروفه سرَّ تألُّقه، هكذا نردِّده بالحب والتقدير بعيداً عن التكلُّف أو المجاملات التي تفسد على كثير من الناس جمال الصدق، ورونق الإخلاص والوفاء.
عثمان الصالح، اسم يحمل معاني الخلق النبيل، والكرم والتواضع، ولين الجانب، وصدق الإحساس بالآخرين.
سنوات من العمر مزهرةٌ بدماثة الخلق، وإشراقة الابتسامة الصافية التي تفتح مغاليق القلوب، لهذا الرجل الكبير، سنوات من العطاء التربوي والتعليمي المتميّز، الذي أنتج أجيالاً من الرجال الكبار الذين يقفون في مقدمة الصفوف في قيادة هذا البلد الحبيب.
عثمان الصالح بدأ حياته مربياً، معلماً، موجهاً لشباب تختلف مستويات أسرهم مادياً واجتماعياً، ولكنهم يتفقون جميعاً على حبهم لأبي ناصر، الرجل القدير ذي القلب الكبير.
حينما كانت السنة الرابعة والتسعون بعد الثلاثمائة والألف للهجرة توشك أن تنتهي بانتهاء العام الدراسي آنذاك، كان في كلية اللغة العربية في الرياض في السنة الثانية منها طالب توطّدتْ علاقته بالشعر، فأصبح واحداً من أبرز طلاب الكلية الشعراء، وحينما اختارت الكلية قصيدته من بين قصائد زملائه لإلقائها في الحفل الختامي لذلك العام، شعر أنه أمام اختبار غير يسير، خاصةً وأنَّ استاذه المشرف على النشاط أخبره عن عددٍ من العلماء والوجهاء والأدباء والشعراء الكبار سيحضرون ذلك الاحتفال، وكاد الطالب يعتذر من كليته خشية أن يقف أمام تلك الاسماء التي ذكرت له، من أمثال: الشيخ عبدالعزيز بن باز، وعثمان الصالح وغيرهما.
وأقيم الاحتفال، وشارك الطالب بقصيدته التي كان مطلعها:
رحابة الصدر تعني الضيق أحياناً
والأرض تنبت أشواكاً وريحانا
|
وأحسَّ بجمال التشجيع ممن حضر من العلماء والأدباء، وسمع دعاءً جليلاً من الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - وإشادة من الشاعر الكبير عبدالله بن إدريس، ثم سمع كلاماً أحلى من العسل، وأندى من زهور روضٍ جميل في صباح ربيعي مشرق، وألطف من هبّات النسيم العليل حينما تداعب بأناملها الرقيقة أوراق الأزاهير، ورأى وجهاً وقوراً مشرقاً بالعطف والحنان، ويداً حانية تصافحه، وصوتاً محبوباً يخاطبه قائلاً: لقد سرني جداً ما ألقيت من شعرك الجميل يا بني، وأسعدتني هذه الروح الإسلامية التي ملأت جنبات قصيدتك، أنا والدك عثمان الصالح المربي، المعلم - إن كنت قد سمعت باسمه -، وأنت من الآن واحدٌ من أولادي، أفتح لك قلبي، وأدعوك إلى وصل حبال المحبة والمودة فيما بيننا وأن تعلم أنك هنا تحظى بوجود أب يحبك ويريد لك الخير.
كلام كثير، أسقطت منه أصابع النسيان ما أسقطت، ولكنها لم تسقط إلا بعض كلماته وحروفه، أما أثره البالغ في النفس، ووقعه الجميل على القلب، فقد بقي لها في الأعماق مكان لا يزيد مع الأيام إلا رسوخاً ووضوحاً.
كلام أبوي رقيق، أنا وغيري ممن يعرف - عثمان الصالح - على يقين أن لسانه الطيب لا يجيد سواه من غليظ الكلام، وثقيل القول.
كلام رجل يعرف معنى التربية، ويدرك قيمة التشجيع، ويبحث عن الأجر والمثوبة التي وعد بها الله سبحانه وتعالى أصحاب الأخلاق الفاضلة النبيلة من عباده، نعم، بدأت علاقتي بشيخنا وأستاذنا الحبيب - عثمان الصالح - من ذلك الحفل الذي اقامته كلية اللغة العربية بالرياض في ذلك العام 1394هـ.
وهي علاقة ابن بأبيه، وتلميذ بأستاذه، وأنا أجزم أن كل الذين اتصلوا بالشيخ - عثمان - يحظون بمثل هذه العلاقة الحميمة، أو بأعمق منها.
«عثمان الصالح» علم من أعلام العلم والتربية في بلادنا الغالية، إذا ذكرته ذكرتُ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا فيه بأن أصحاب الخلق الحسن الذين يوطئون أكنافهم للناس، ويألفون ويُؤْلفون هم من أقرب الناس مجالس من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، اللهم امنن على أستاذنا بالشفاء والعافية.
إشارة
أيها الفجر، لا عدمتك فجراً
تسكب النور في خلايا سهولي
|
|