تدخل الانتفاضة في الثامن والعشرين من الشهر الجاري عامها الثالث وهي اشد مضاء واكثر قوة في مواجهة العدو الإسرائيلي، حيث استطاعت انتفاضة الاقصى التي اندلعت في مثل هذا اليوم من عام 2000 عندما اقتحم شارون باحة المسجد الاقصى، والتي اشتد عودها وساعدها في مواجهة العدو الإسرائيلي، وهذه الانتفاضة التي تواصل جذوتها هذه الأيام تنطلق باسم الشهيد القائد عز الدين القسام الذي فجَّر ثورته في عام 1936 ضد الانجليز، ليعيد التاريخ نفسه ضد الاحتلال الصهيوني.
وهذه الانتفاضة لم يكن أحد يتوقع ان تستمر ثلاث سنوات بل ان البعض راهنوا على انها لن تستمر اكثر من اسابيع معدودة مما يبشِّر الامتين العربية والإسلامية بمستقبل اكثر استقرارا وأمنا في ظل هذه المواجهات التي تعتبر اداة نضالية في ترسيخ قناعة الإسرائيليين بضرورة الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب دعم الانتفاضة الباسلة عبر كل الصعد والمحافل العربية والإسلامية لتحقيق النصر المؤزر.
والواقع ان الانتفاضة تدخل عامها الرابع بمزيد من الشهداء ووسط عدوان إسرائيلي متزايد بدعم أمريكي غير مسبوق. مما ادى إلى اغتيال العديد من القياديين الفلسطينيين، في اطار سلسلة من حملة الاغتيالات لكتائب الشهيد عزالدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس وكتائب شهداء الاقصى الذراع العسكرية لحركة فتح.
ولعل الاهمية الكبرى في هذه الانتفاضة التي اقضت مضاجع العدو الإسرائيلي تكمن في قرار حكومة شارون الامنية المصغرة ابعاد رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات من الاراضي الفلسطينية بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبمعارضة كل دول العالم، فضلا عن ان هذه الذكرى تمر وقد تبددت خريطة الطريق للسلام، جراء الرفض الإسرائيلي لتنفيذها واستمرار العدوان على الشعب الفلسطيني على الرغم من التزامه سابقا بالهدنة.
وخريطة الطريق لن يكون لها شأن الا اذا تقرر اقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على الأراضي الفلسطينية، لأن ذلك يعتبر ضرورة حتمية ووطنية واقتصادية، خاصة ان هذه الخريطة التي وافقت السلطة الفلسطينية عليها تحت ضغوط عربية ودولية، تأتي في مسمى جديد للحكم الاداري تحت السيطرة الإسرائيلية، على الرغم من اقرار المجتمع الدولي لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وفي انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف عدم الدخول في مستنقع الحلول الجزئية أو الانتقالية لإيجاد واقع جديد في المنطقة يريده الاحتلال ويرغب في تكريسه.
والولايات المتحدة التي استخدمت الفيتو في مجلس الأمن الدولي ضد رفض أي قرار إسرائيلي لابعاد الرئيس الفلسطيني المنتخب عرفات واستمرار دعمها لإسرائيل بصورة كبيرة ينبغي ان تدرك ان مصالحها في الشرق اأوسط سوف تتضرر وأن الاستقرار والأمن والرخاء سيكون مرهونا بإيجاد حل للقضية الفلسطينية خاصة وان مواقف أمريكا المتعنتة والداعمة للصهيونية ستؤثر على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
صحيح ان إسرائيل تمكنت من إلحاق خسائر كبيرة في البنية التحتية للشعب الفلسطيني حيث استشهد الآلاف من ابناء هذا الشعب ودمرت المنازل والاقتصاد الوطني ولكنها في المقابل لم تنعم بالامن والراحة ولن تحقق الامن المزعوم للشعب الإسرائيلي، وهذا يؤكد ضرورة التوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية وانهاء الاستيطان ووقف عمليات القمع والاغتيالات وعودة اللاجئين الفلسطينيين انطلاقاً من القرار رقم 194 لتحقيق أماني وآمال الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المنشودة.
ومن البدهي ان يطلق الارهابي اولمرت نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي وغيره من المغالين الإسرائيليين حملات لطرد الفلسطينيين من الأراضي العربية المحتلة بالاضافة إلى فلسطينيي عرب 1948 تحت شعارات واهية وهي ان الدولة والمبادئ الصهيونية القديمة وانطلاقا من فكرة الترحيل التي كان قد احياها في السنوات الاخيرة رحبعام زئيفي عضو الكنيست ومؤسس حزب موليدت المتطرف الذي كان وزيرا للسياحة عندما اغتيل في شهر تشرين الأول عام 2001 حيث كان يؤكد في احاديثه ان الصهيونية في جوهرها هي صهيونية الترحيل فترحيل الامة اليهودية من الشتات إلى إسرائيل وترحيل العرب عن الاراضي المجاورة لفلسطين إلى فلسطين.
وقد تخلل هذه السنوات الثلاث والتي اشتدت خلالها قوة الانتفاضة ان اقدمت إسرائيل بدعم أمريكي على اقامة جدار الفصل العنصري الذي يسهم في تأثيرات جيوسياسية وديمغرافية واقتصادية واجتماعية فلسطينية بالغة الخطورة وتهدف إلى عدة نواح رئيسية منها ترسيم الحدود الإسرائيلية من جانب واحد وتجريف آلاف الدونمات الفلسطينية وقطع الاشجار ومصادرة أكثر من 100 ألف دونم في المرحلة الأولى والاستيلاء على معظم مصادر المياه وتقطيع أوصال ما تبقى من الضفة الغربية بحوزة الفلسطينيين وتجزئتها إلى ثلاث عشرة منطقة منعزلة بالاضافة إلى عزل بعض التجمعات السكانية عن بعضها البعض. وهذا الجدار العنصري الفاصل يشكل انعكاسا لمشروع شارون لعام 1990 المسمى بالنجوم السبعة الذي اطلقه عندما كان وزيرا للاسكان حيث ان طوله يقدر بنحو 360 كيلومتراً وبعمق يتراوح بين 6-20 كيلومتراً داخل الضفة الغربية.
ولعل أهم الانجازات التي حققتها الانتفاضة هو اقرار أمريكا والمجتمع الدولي بضرورة انشاء دولة للشعب الفلسطيني وهذا بالطبع كان من الصعب لولا الانتفاضة الباسلة التي اسهمت في اجهاض اقتصاد العدو واوقعت المئات من القتلى من الإسرائيليين بالاضافة إلى استبعاد الأمن الموهوم الذي وعدتهم به القيادة الاسرائيلية.
اننا إذ نحيي بهذه المناسبة أولئك الابطال الذين يناضلون من اجل تحرير وطنهم من العدو الإسرائيلي لنأمل ان تتضافر كل الجهود العربية والإسلامية وفي المحافل الدولية لدعم المقاومة وتحقيق الاهداف الرامية لاقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
|