الاطفال فلذات الأكباد وزينة الحياة الدنيا، هؤلاء الصغار لا يدركون بعد ما ينفعهم وما يضرهم قد هضم حقهم وتركت تربيتهم وأهملت واجباتهم ووكل أمرهم إلى من يربيهم ويعتني بهم ويرعاهم بدل الصدر الحنون امهم فأصبحوا أبناء المربيات والخادمات يوجهونهم ويربينهم على ما يحلو لهن وبالطريقة الخاصة بهن.
إن تلك العبارات التي يسكبها مدادي ويسطرها قلمي ليست وليدة الساعة بل انطلقت وأعلنت بإعلان خروج الأم إلى ميادين العمل وانخراطها في إحدى المهن فاضطرت الأسرة مرغمة على استقدام هذه العاملة فأهدي إليها كل ما في المنزل بما فيهم الاطفال الأبرياء الذين لا حول لهم ولا طول.
إنَّ ما جعلني اسطر كلماتي هو ما يحدث من المآسي لهؤلاء الاطفال في ظل غياب الرقيب على هؤلاء الخدم خصوصا أن المجتمع لا يخلو منزل فيه من خادمة بحاجة وبدون حاجة وكأنها فرض عين لا يمكن أن يُسقط.
إنَّ الأطفال يعيشون نصف يومهم في كنف الخادمات فيفقد الطفل الحُضن الدافىء والحصن الحصين فيتعايش قسرا مع المربية فيقلد حركاتها وسكناتها وحديثها فيتربى ويترعرع على عادات وتقاليد ليست بعاداتنا ولا أعرافنا ولاتقاليدنا في الوقت الذي تسعى الأم جاهدة لتعليمه في وقت فراغها اللغة العربية وزرعها في نفسه ولكن بعد ماذا؟ بعد ان تربّى على لغة أقرب ما تكون لنفسه من لغته، فالأم تبني مساء والمربية تهدم صباحا فمتى يبلغ البنيان تمامه إذن؟ وصدق من قال:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه؟
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
|
وقد يكون الأطفال هؤلاء هم كبش الفداء فالعاملة حينما تعامل معاملة سيئة من قبل الأم فإنها ستفرغ شحنات غيظها المكظوم داخلها في هؤلاء الصغار فقد ترهبهم وتضربهم وتقسو عليهم وتتناساهم وكم من المآسي التي سمعناها والتي تدمي القلب كان سببها تلك العاملات حين ينتقمن من ربات البيوت عن طريق الأطفال الصغار.
وبعد أن يكبر هذا الطفل نجده لا يعطي حناناً أو حباً لأمه فهو منذ صغره لم يشعر بهذا الحنان فكيف يعطيه لمن حوله؟ وهو أيضا منذ صغره لم يجد أحداً يستند عليه فكيف يُستند عليه فيما بعد؟ ومن المعلوم أن فاقدالشيء لا يعطيه.
إذن لا نلومه أو نعنفه حين يكبر فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم!!
ما أكثر النقاش حول هذا الموضوع فالاقلام أحرى بها أن تجف وتلزم الصمت لأنها ملّت نقاش هذا الموضوع، والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل سيكون لهذا الموضوع نهاية؟ وهل ستعود المياه الى مجاريها؟
نتمنى جميعا ان نرى ذلك اليوم وذلك بايجاد البديل لذلك أمثال الحاضنات الخاصة بالمدارس ليتسنى للطفل رؤية أمه في كل وقت ليشعر بحنان الأمومة ورعايتها ويسعد بذلك مجدداً لنؤكد معاً أن الأم الرؤوم مدرسة الأجيال وصانعة الأبطال لا يمكن أن يحل محلها بديلاً أو وصيفاً أو رديفاً ولله در الشاعر حين قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا
بالري أورق أيّما إيراق
الأم استاذ الأساتذة الأُلى
شغلت مآثرهم لدى الآفاق
حقاً إنها الأم.. ولا مثيل لها في هذه الحياة!!
|
|