لقد قرأنا عن إلغاء زيارة وفد مجلس الشورى الى كندا والتي كان مقرراً ان تندرج ضمن زيارة خارجية لكل من المجر وبولندا ثم كندا.. ولكن صدر تصريح رسمي أفادنا ان زيارة الوفد السعودي برئاسة معالي رئيس مجلس الشورى قد ألغيت بسبب الحملة الإعلامية التي تتعرض لها المملكة من قبل وسائل الإعلام الكندية ومن بعض الشخصيات الرسمية هناك، وذلك نتيجة ماروج له السجين الكندي بامبسون الذي أفرج عنه مؤخراً وذكر انه تعرض لحالات تعذيب داخل السجن وفي مجرى التحقيقات السعودية معه..
وقد فوجئت بهذا الانسحاب السعودي من زيارة رسمية، كان من المفترض ان يكون لها جدول أعمال واضح وبرنامج زيارات منوع مهما تخلل ذلك من ملابسات السجين وتداعيات حملة موجهة ضد المملكة.. ثم تلا ذلك تصريح من معالي أمين مجلس الشورى يشير الى ان المجلس قد أيد الخطوة التي اتخذها معالي رئيس المجلس في إلغاء زيارته المقررة الى كندا.
وفي نظري الشخصي ان هذه الخطوة لم تكن مناسبة لمجموعة أسباب أذكر بعضها في هذا المقام:
1- من المفترض أن ننتهز أي فرصة إعلامية أو رسمية لنؤكد مواقف المملكة العربية السعودية تجاه القضايا الثابتة سواء كانت هذه الفرصة في الداخل عبر مناسبات محلية، أو في الخارج عبر زيارات رسمية او شعبية.. وهذه الفرص نسعى اليها نحن بقيادتنا ومؤسساتنا وافرادنا.. ولا ينبغي ان ننتظرها حتى هي تأتينا.. فما بالكم.. إذا هي أتت إلينا، ونحن رفضناها..
2- في حالة الأزمات والصراعات من المعروف ان الفرص الاعتيادية تشح أمام طالبيها، وتندر أمام من يحتاجها.. ولهذا ينبغي التشبث أكثر وأكثر بأي فرصة تأتي إلينا وخصوصاً من خلال مؤسسات دولة تقف كلياً او جزئياً في مواجهة المملكة.. وفي نظري ان فرصة زيارة كندا عبر وفد رفيع المستوى يمثل - بالمقاييس الدولية - سلطة الشعب وبرلمان الناس ويرأسها - بمقاييس المملكة - شخصية غير عادية بما يحتلها معالي رئيس مجلس الشورى من ثقل سياسي وديني واجتماعي هي فرصة ذهبية لا تعوض تماماً.. وخصوصاً في ظل هذا الظرف الحالي الذي تعاني فيه المملكة العربية السعودية من تقلص للأصوات التي تؤيدها في المجتمع الكندي وغيره.. وعندما تأتينا هذه الفرصة ونسعى لأن نضيعها، فهذه حركة في نظري المتواضع لم تكن موفقة من مجلس الشورى..
3- خلال الأزمات والحروب والصراعات، أو لنقل خلال هذه الظروف التي تتأثر بها صورةالمملكة العربية السعودية في الخارج وتحديداً - في سياقنا نحن - في كندا، نرى ان الموقف الذي حدث بإلغاء زيارة مقررة ومناسبة رسمية لم يكن مناسباً ولم نأت على أي نتيجة أو ثمرة جنيناها من جراء هذا الموقف.
4- كنت أرى مجتهداً في نظري أنه كان من المفترض ان نذهب الى كندا، ونتناقش معهم، ونشرح لهم موقف المملكة، وان القوانين والأنظمة السعودية التي تنظم حقوق الإنسان أيا كان طليقاً او سجيناً تمنع التعذيب.. ونبين ان هذه مجرد ادعاءات باطلة ارادها هذا السجين وغيره ان ينتقم من الجهات الأمنية التي استطاعت ان تقبض عليه وعلى غيره عندما اخلوا بأمن واستقرار هذه البلاد..
فمن خلال مثل هذه الزيارة التي ستلقى أهمية خاصة وخاصة في ظل هذا الظرف الحالي كان بالإمكان ان نسلط الضوء على مواقف المملكة وسياساتها مع كندا او غيرها من الدول.
5- إذا كان التبرير الذي رجحنا به كفة إلغاء الزيارة جاء نتيجة الحملات الإعلامية على المملكة، فهذه ليست حجة منطقية تستقيم مع مفهوم ونظام الإعلام في كندا.. فلن يعني إلغاء زيارة رسمية أي شيء بالنسبة لوسائل الإعلام الكندية.. بل انها قد تراها نجاحا واضحا لحملتها التي بدأتها..
وقد اعطى تصريح الإلغاء إثارة خاصة وانتصارا حتى ولو كان وهمياً لهذه الوسائل.
6- أما إذا كان تبرير الإلغاء نتيجة تصريحات رسمية من قبل بعض المسؤولين الكنديين، فأولى لنا ان نذهب هناك ونجتمع بهؤلاء المسؤولين ونتناقش معهم ونتجادل في هذه القضايا، وستكون هذه فرصة مواتية لنا لنبحث هذا الشأن ونشرح سياسة المملكة ونوضح أنظمتها وقوانينها الإسلامية.
7- إن الظروف الحالية التي تمر بها المملكة العربية السعودية هي ظروف غير مسبوقة بحالة أو وصف.. وهي ظروف صعبة تؤثر على صورة المملكة الرسمية والشعبية.. وتنامت الأصوات التي تستعدي بلادنا وقيادتنا وشعبنا وقيمنا وحضاراتنا في كثير من البلاد.. وإذا انتهجنا اسلوب إلغاء الزيارات أو تأجيلها.
فأخشى ان يأتي يوم من الأيام نظل قابعين في بيوتنا ومكاتبنا وبلادنا.. نرفض ان نزور او ربما يتلو ذلك نرفض ان نزار.. لان العالم - سياسيين وإعلاميين ومثقفين - قد نصب لنا العداء..
وختاماً اود ان اشير هنا الى انني بحكم التخصص انظر الى الزيارات الرسمية لقيادات ومسؤولي الدولة كأنها أحداث إعلامية ضخمة، ينبغي ان نستثمرها لصالح قضايانا ومصالحنا.. وهذه الزيارة ربما تحتاج الى إعادة جدولة لها من اجل ان نتواصل مع شعب صديق وحكومة متفهمة مثل الشعب والحكومة الكندية..
رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
أستاذ الإعلام المساعد بجامعة الملك سعود
|