قبل أيام خلت انتقل إلى رحمة الله أخي من والدتي ناصر بن إبراهيم الشريمي عن عمر يناهز الخمسين عاماً بعد معاناته مع المرض تغمده الله بواسع رحمته.. وهذا الرجل الذي جبل على الطيبة المتناهية والخلق الرفيع.. عاش ظروفاً مأساوية منذ طفولته فقد ابتلاه الله بفقد والده وهو ابن ثلاث سنين.. ثم توفيت والدته وهو ابن «17» سنة. بيد أن هذه الظروف الصعبة غرست في جوانحه العصامية والكفاح ليبدأ حياته بصورة تدعو للإعجاب والإبهار.. فقد تزوج وهو في الثامنة عشرة من عمره وكان يدرس بمعهد الاتصالات، في الصباح ويقوم في المساء بقيادة سيارة الأجرة لكي يصرف على عائلته المكونة من جدته لأمه ه وابنه الصغير، ولم يتسلل الخجل إلى ذاته ووجدانه من هذا العمل لأنه يدرك جيداً أن العمل الشريف والكسب الحلال من عرق الجبين ليس عيباً البتة في الوقت الذي كان جميع أقرانه القريبون من سنه يعيشون في كنف آبائهم ويتمتعون بخيراتهم، ولكن من سار على الدرب وصل.
* فبعد تخرجه من المعهد وتعيينه في وزارة البرق والبريد والهاتف بالمرتبة الرابعة أدرك أن حلم الابتعاث للخارج لا يتحقق إلا بالحصول على شهادة الثانوية العامة، حيث عاد لمواصلة دراسته بالمساء وسط طموح مثقل بتعدد المسؤوليات والأنفس التي يعولها ونال شهادة التوجيهي بكل همة ونجاح.. وتبعا لذلك تم ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لينال درجة البكالوريوس من أعرق الجامعات العالمية وذلك قبل أكثر من ربع قرن.. ولم يزده نهل العلم والمعرفة إلا تواضعا وخلقا إذ عاش «رحمه الله» حياة البسطاء التي كان عليها سلفه الصالح وتجلت في مواظبته على كافة الطاعات وصلة الرحم التي كان يحثنا عليها حتى من شدة حرصه على هذه الصلة كان «رحمه الله» يواظب على زيارة صديق لوالده «رحمه الله» يقال له «ابن قاسم».. في كل المناسبات والأعياد فكان علامة بارزة في ميدان التواصل مع كافة الأقارب والأحباب..
والأهم من ذلك تواضعه الجم مع الصغير والكبير الأمر الذي جعله يدلف قلوب الجميع بلا خجل أو استئذان..!!
كان «رحمه الله» يحرص على الإنفاق «سراً» ومد يد العون والمساعدة للمحتاجين.. سواء من أقاربه أو أصدقائه وغيرهم.. حبا وطمعا في عمل الخير.. وتأسياً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث «سبعة يظلهم الله في ظله.. وذكر منهم رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».. وامتدادا لأعماله الصالحة.. كان طوال العقد الأخير من عمره يقوم بالحج كل سنة عنه تارة وعن والديه - رحمهما الله - تارة أخرى ولم تكن هذه الدنيا الفانية بالنسبة له إلا مرحلة قصيرة ستنتهي بالتأكيد لكن السعيد من كان يفعل الخيرات ويتزود بالطاعات قبل حلول الأجل وقبل الرحيل حتى أنه في آخر أيامه والمرض الخطير ينهش جسده لم يمنعه من السؤال عن الجميع، رغم أنه في شدة معاناته وآلامه مدرك أن ما أصابه من مرض لم يكن ليخطئه، بل كان مدرسة من الصبر والاحتساب على ما ابتلي به ورضاؤه بالقدر خيره وشره.
* ومن المواقف المؤثرة قبل وفاته «رحمه الله» بثلاثة أيام زارته شقيقته الصغرى والتي تسكن مع زوجها وأبنائها في إسكان الحرس الوطني بديراب حيث كان في غيبوبة وعندما فاق من غيبوبته التي كانت تلازمه قال وبهذا اللفظ وأنا موجود في هذا الموقف «يا أختي لا تكلفي على نفسك هذه المشقة وطول المشوار الذي تقطعينه إلى مستشفى التخصصي فالهاتف يكفي ولا داعي لهذه المشقة».
إنها صورة تتجلى فيها أبلغ معاني العطف والرحمة والحنان والتي جبل عليها فقيدنا الغالي أبو إبراهيم صاحب القلب المفعم بالطيبة المتناهية والخلق الرفيع.
فاللهم ارحم أخي ناصر الشريمي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناتك واجمعنا به في فردوسك الأعلى إنك سميع مجيب .
{انا لله وانا اليه راجعون}.
|