تخيلت الزمن يتراجع إلى الخلف...
وهذا «الكم» من حملة الدرجات العليا، والجالسون خلف الطاولات والمكاتب يحملون الأقلام الحمراء، والواقفون عند منافذ التصريح لمن يدخل ولمن يتوقف،... و... كلُّ هذه الأكوام من ذوي الصفات والدرجات وقد تراجعوا إلى ما قبل هذه الصفات والدرجات والمواقع.. وعادوا «طلاباً» للعلم أو للعمل، يحملون طلباتهم للالتحاق بالمدرسة، أو الكلية، أو الجامعة، أو الوظيفة يتناكبون عند المداخل، ويتنابزون بالأسماء، ويتداخلون في الرغبات، ويتفاوتون في الأطوال..، هل سيجدون الأبواب مشرعة، والمقاعد مهيأة، والسبل ميسرة، والقبول محققاً؟ والرضاء قائماً؟.. أم إنهم سوف يخضعون للمعايير التي استجدَّت، والتقويم الذي أُنشئ، والخطوات التي رُسمت والشروط التي حددِّت، والحواجز التي أُقيمت؟!..
وكيف سيجدون مستويات ذكائهم؟ ونتائج تقويمهم؟ ومواصفات ترشيحهم، وكيف سيواجهون قدراتهم حين تُقنَّن؟ وإمكاناتهم حين تُكتشف؟ وقد كانت الأبواب مفتوحة لهم، والسبل ميسرة، والمقاعد شاغرة، والمنافذ سالكة، يوم لا حواجز ولا شروط، يوم لا تتماحك الأطوال ولا الأحجام، ولا الأسماء ولا الصفات؟!.
تخيلت كلَّ واحد وواحدة من هؤلاء في مواجهة آلية حديثة يقف بها أمام إمكاناته، ويتعرَّف بها قدراته، ويواجه حقيقة مستوى ذكائه؟..
فهل فعل حامل اللَّقب والدرجة، وصاحب الموقع والقرار في لحظة صدق - على الأقل مع نفسه - في مواجهة نفسه أن أخضع نفسه لما أُستجد من قوانين وشروط وتقويم وفحص ومقابلات شخصية واختبارات تحريرية كي يعرف مدى مؤهلاته الشخصية ليس - فقط - لاجتياز بوابات الكليات والجامعات، والمعاهد والمدارس والوظائف، بل ثبات المقاعد والمناصب، بل صلاحية القلم المسؤول الذي به يكتب نعم، أو لا، ويقرر في حق ألف أو ياء؟...
تخيلت في معمعة ما يدور في مواقع العمل والدرس بل الحياة في جوانب من يستحق ومن لا يستحق كيف لو يعود الزمن بمن فيه، فيخضع كلُّ من فيه لسؤال: أتستحق أو لا تستحق، ضمن أطر، وحدود، وقيود، وقواعد، ومعايير، ما استجد في حياة الإنسان... هل يمكن أن يبقى من يبقى، أو يتغير من لابد أن يتغير كي تتاح لكلِّ من ينبض فرصة أن ينبض ولا يكون معيار نبضه سوى المحك/ الموقف؟
ذلك لأنّني لا أتخيل أبداً أنَّ جميع «المعايير» ليست قابلة للفحص.
|