القرآن الكريم هو روح الحضارة الاسلامية، ودستور الأمة الإسلامية، وحفظه وفهم معانيه ومحاولة الإحاطة بأسراره الربانية والايمانية والاخلاقية ومعرفة أهدافه ومراميه، مطلب تسعى وراءه الأمة منذ ان نزل الوحي على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وهو اليوم مطلب ملح بعد ان تكاثرت السهام التي توجه إلى الإسلام، ومحاولات الاعداء التشكيك بالرسالة الإسلامية، والضغط على الدول الاسلامية من أجل تغيير المناهج الدينية لتحل محلها المناهج العلمانية الملحدة.. وذلك بهدف القضاء على الحضارة الاسلامية وعزل الأمة عن مصدر ايمانها وحضارتها واخلاقها وتاريخها، وهو كتاب الله عز وجل. هنا تصبح الرسالة أكبر وأهم.. ويصبح الهدف اسمى واعم.. فالعناية بكتاب الله حفظاً وترتيلاً وتجويداً وتفسيراً، وربط الناشئة به، وتشجيعها على حفظه، والتسابق في ميدان اتقان تلاوته وإدراك اسرار عظمته.. كل ذلك عمل كبير يثاب القائمون عليه، ويبارك لهم المولى عز وجل في سعيهم هذا، لأن هذا العمل يقف سراً منيعاً في وجه المؤامرات التي تحاك ضد الدين الإسلامي وضد الأمة الإسلامية. فالاستمساك بحبل الله المتين يتطلب صلة قوية وثابتة ودائمة ومستمرة بكتاب الله عز وجل، لأن حياة هذه الأمة ووجودها مرتبط بمدى استمساكها بكتاب الله والعمل بما أمر الله... إن مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم وتجويده وتفسيره التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والارشاد سنوياً في رحاب مكة المكرمة هو جهد مشكور وعمل مبرور وعلامة مضيئة تنير الطريق أمام الأجيال والناشئة في انحاء العالم كافة، وتشجع هذه الأجيال على حفظ كتاب الله والتنافس الشريف في إتقانه والتمكن من أحكامه ومعرفة معانيه، ذلك ان من أسباب الدفاع عن هذا الدين تعلق المسلمين على مدى التاريخ بكتاب الله عز وجل، وهذا الذي حفظ للمسلمين دينهم، رغم المؤامرات والغزوات والاعتداءات التي تعرضت لها ديار المسلمين، ورغم ما دبره أهل النفاق والشقاق من خبيثة ضد أهل التوحيد. القرآن هو أمل الأمة الإسلامية في صمودها أمام الهجمات الشرسة التي تتوالى عليها من اعداء الدين.. فالقرآن الكريم هو الحصن الحصين الذي يحفظ كيان هذه الأمة ووجودها وحضارتها وثقافتها وقوتها. وما احوجنا اليوم إلى جيل قرآني، رُبيَّ على مائدته، ويغترف من ينبوعه الثر مايغذي روحه بغذاء رباني يحيي قلبه، ويقوي وجدانه، وينير بصيرته، ليصبح لسانه رطباً بذكر الله، وناطقاً بكلمات الله، ومدافعاً عن دين الله.. وجندياً من جنود الله. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً)
، )فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) } [النساء: 174 - 175]. {قّدً جّاءّكٍم مٌَنّ اللّهٌ نٍورِ وّكٌتّابِ مٍَبٌينِ ، يّهًدٌي بٌهٌ اللهٍ مّنٌ اتَّبّعّ رٌضًوّانّهٍ سٍبٍلّ السَّلامٌ وّيٍخًرٌجٍهٍم مٌَنّ الظٍَلٍمّاتٌ إلّى النٍَورٌ بٌإذًنٌهٌ وّيّهًدٌيهٌمً إلّى صٌرّاطُ مٍَسًتّقٌيمُ} [المائدة: 15 - 16] {)إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) (الاسراء:9) }. هذا هو كتاب الله نور يهدي الأمة، ويرشدها إلى الحق والصدق والايمان والصلاح والتقوى، ويقوي في نفوس المؤمنين روح الجهاد والنضال في سبيل الله واعلاء كلمة الله. وتربية الشباب على حب الله والتمسك بكتاب الله، وحفظه، والعمل بمنهج الله يجعل من هذا الشباب سداً منيعاً في وجه اعداء الله من المفسدين في الأرض، والذين يعملون على ضرب هذه الأمة في صميم عقيدتها، للسيطرة عليها، وطمس هويتها. من هنا فإننا نقترح ان نجعل من هؤلاء المتفوقين في مسابقات حفظ القرآن وفهمه، وتفسيره، دعاة إلى الله، يرشدون الشباب إلى طريق الايمان، ويعلمونه منهج القرآن في بناء الشخصية الاسلامية.. ويبينون له زيف الادعاءات الغربية والصهيونية التي تحاول تشويه صورة الاسنان المسلم عن طريق التزوير والتضليل. وهذا يوجب إقامة معهد لهذه الغاية، يتلقى فيه المتفوقون دروساً في كيفية بناء الشخصية الاسلامية على أسس قرآنية.. وكيفية التطبيق العملي للمنهج القرآني دون تشدد ولا تزمت ولا تنفير.. وعلى ضوء قول الله عز وجل: {ادًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ بٌالًحٌكًمّةٌ وّالًمّوًعٌظّةٌ الحّسّنّةٌ وّجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ}. وقوله جل من قائل: {وّمّنً أّحًسّنٍ قّوًلاْ مٌَمَّن دّعّا إلّى اللّهٌ وّعّمٌلّ صّالٌحْا وّقّالّ إنَّنٌي مٌنّ المٍسًلٌمٌينّ}. نحتاج إلى التجديد في فهم القرآن الكريم وفهم المنهج القرآني في معالجة مشكلات المجتمعات الاسلامية والانسانية، فهم ينبع من كتاب الله وسنة نبيه بعيداً عن جميع المؤثرات والضغوط الغربية التي تريد منا ان نخضع للمخطط الصهيوني - المسيحي، الذي يرمي إلى تدجين الاسلام بالفكر الغربي، والتخلص عن المسلمات الاسلامية في الاخلاق والقيم، وفي الجهاد دفاعاً عن العقيدة ودفاعاً عن المقدسات وعن الكيان والحضارة الاسلامية. هناك محاولات لإرهاب المسلمين، ومصادرة حقهم في الدفاع عن أوطانهم ومقدساتهم، وذلك بإلصاق تهمة الارهاب بهم، حتى ولو كان العمل الذي يقومون به هو مساعدة الفقراء والمحتاجين ومد يد العون للشعوب الاسلامية التي تعاني من الغزو والتشريد والاضطهاد والافقار على يد دعاة الحضارة الغربية. حتى مساعدة البؤساء أصبحت «إرهاباً» في المفهوم الصهيوني الأمريكي، الذي تتبناه أكبر دولة في العالم اليوم، فقد أصبحت المساعدات الإنسانية إرهاباً.. مع العلم بأن أكبر عملية إرهاب هو التقرير الذي صدر عن الكونغرس، الذي ادعى ان المملكة العربية السعودية تقف وراء تمويل القاعدة في عملية 11 أيلول «سبتمبر» وأمريكا تعلم جيداً ان السعودية ضد القاعدة وضد الإرهاب وان القاعدة وعلى رأسها ابن لادن ضد السعودية، فمن أين جاءت هذه الفرية؟ وهل هناك من شك في ان اللوبي الصهيوني في الكونغرس هو الذي يقف وراء هذه الاشاعة الخبيثة.. ذات الابعاد العدوانية ضد الاسلام وضد قلعته في العالم الاسلامي المملكة العربية السعودية؟!يا أحرار الأمة الاسلامية تحركوا بقوة في وجه هذه الحملة الخبيثة قبل ان تأكلوا جميعاً فهولاكو العصر يهدد حضارتنا ووجودنا كله وعلينا جميعاً ان نقف صفاً واحداً للدفاع عن المملكة العربية السعودية القلعة العربية الصحينة التي تتعرض اليوم لأكبر حملة تزوير وتشويه وضغط صهيوني كبير يوجب على الأمة ان تواجهه بشدة وألا تقبل التسليم به والاستسلام له أمام هذه الغزوة البربرية الجديدة التي تستهدف الإسلام وأهله.
(*) مفتي جبل لبنان
|